تتواصل جلسات الحوار السياسي الليبي في جنيف السويسرية برعاية أممية، من أجل التوصل إلى حلّ ينهي الأزمة في ليبيا، عبر إجراء انتخابات جديدة لاختيار مجلس رئاسي وحكومة جديدين، في وقت وصل فيه عدد المرشحين للمجلس الرئاسي إلى 24 مرشحاً؛ فيما ترشح 21 آخرون لمنصب حكومة الوحدة الوطنية. وكشفت مصادر مصرية خاصة لـ"العربي الجديد"، أن القاهرة تدعم تشكيلاً سياسياً، يضم رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، رئيساً للمجلس الرئاسي خلفاً لفائز السراج، وتدعم أحمد معيتيق لمقعد رئيس الحكومة. وعزّز هذا الانطباع زيارة صالح القاهرة، أمس الخميس، بدعوة من الرئيس عبد الفتاح السيسي. وذكرت المصادر أن "أمر الترشح لمنصب رئيس المجلس الرئاسي كان محسوماً بالنسبة لمصر، خلافاً لمقعد رئيس الوزراء، الذي كانت تفاضل فيه بين كل من وزير الداخلية في حكومة الوفاق الوطني فتحي باشاغا، وأحمد معيتيق الذي يتولى منصب نائب رئيس المجلس الرئاسي".
حفتر يرفض الاعتراف بحوار جنيف ويدعو ممثلي شرق ليبيا للانسحاب منه
وأوضحت المصادر أن "المؤسسات المصرية المعنية حسمت الاختيار لصالح دعم معيتيق"، مرجعة ذلك "لكون معيتيق أكثر توافقية، من باشاغا"، كما أنه أكثر ثقة بالنسبة للمصريين، على عكس باشاغا، الذي تسيطر عليه النزعة القبلية في خطابه وتوجهاته. وهو ما قد ينذر في المستقبل بانفجار المنطقة الغربية، في وقت لا يسيطر فيه باشاغا على كافة المليشيات المسلحة هناك، بينما لم ينخرط معيتيق في صدام مع مليشيات مصراتة، ويملك علاقات قوية للغاية بمليشيات طرابلس، بالإضافة إلى تمتعه بعلاقات جيدة بالأميركيين والروس معاً.
ونوّهت المصادر إلى وجود "أزمة كبيرة في وجه مصر، بعدما فشلت في إثناء اللواء المتقاعد خليفة حفتر وإبعاده عن المشهد، بسبب اختلاط أوراق اللعبة، بعد تباين الرؤى المصرية ـ الإماراتية، بفعل تمسّك أبوظبي بدعم حفتر". وأضافت أن "معيتيق لم يكن صدامياً مع الإمارات عكس باشاغا، وهو ما يسمح بقبول حفتر بمشاركة مكونات الشرق الليبي في الحكومة الجديدة".
وأكدت المصادر أنه في الوقت الراهن، ما زال حفتر رافضاً للاعتراف بالحوار السياسي الذي تستضيفه جنيف، لافتة إلى أنه يمارس ضغوطاً على ممثلي شرق ليبيا للانسحاب من الحوار الذي يجري برعاية أممية. وأفادت بأن "دعم مصر لعقيلة صالح ومعيتيق لا يعني إغلاق القنوات مع باقي المكونات والشخصيات الفاعلة"، مؤكدة أن "الفترة الماضية شهدت فتح قنوات اتصالات مع قادة مليشيات ومجموعات مسلحة كبرى في الغرب الليبي، لتأمين مستقبل العلاقات بين الطرفين". وأشارت في الوقت ذاته إلى أن هناك قلقاً مصرياً بالغاً، بشأن عدم وجود سلطة واحدة تتحكّم في السلاح في غرب ليبيا، عكس شرق ليبيا، حيث يخضع كافة حاملي السلاح لإمرة حفتر".
في المقابل، كشفت المصادر عن لجوء مصر إلى خيار دعم شخصيات على المناصب القيادية، كمحور من محاور التعامل مع الأمر الواقع. وأشارت إلى حصول اتصالات مصرية غربية أخيراً، أكدت خلالها القاهرة على عدم اقتناعها بمسار جنيف، معتبرة أن الرؤية الغربية بعيدة تماماً عن واقع الصراع في ليبيا، ولا تتعاطى مع مكونات المجتمع الليبي بشكل سليم.
وأوضحت المصادر، أن الرؤية الغربية المطروحة تتجاهل تماماً الأوزان الحقيقية للقبائل الليبية، وتأثيراتها في القرارات السياسية والعملية السياسية برمتها. كما تتبنى تلك الرؤية تصوراً مفاده أنه يمكن تقويم التدخلات القبلية والجهوية وتقنينها عبر عملية ديمقراطية وسياسية، وهو ما تعتبره مصر منافياً للوقائع. وأكدت المصادر أن الرؤية الأميركية الجديدة التي تتبناها الإدارة الحالية، بقيادة الرئيس جو بايدن تجاه الأزمة الليبية، ستقود حتماً إلى تفاهمات مصرية ـ تركية، في محاولة من البلدين لتجنب الضغوط الأميركية. ما قد يولد ترسيماً جديداً لأزمة شرق المتوسط.
الرؤية الغربية المطروحة تتجاهل تماماً الأوزان الحقيقية للقبائل الليبية
في غضون ذلك، وصف مفوض مجلس الأمن والسلم في الاتحاد الأفريقي إسماعيل شرقي، ترشح شخصيات ليبية للسلطة التنفيذية الموحدة في جنيف، تطوراً إيجابياً للوصول إلى أرضية واضحة وصحيحة لانتقاء من يمثل الليبيين. وأضاف، في تصريحات إعلامية، أن المجلس الأفريقي يتابع المستجدات المستمرة، مؤكداً أن القضية الليبية قد طالت ويجب تركيز كل الجهود من أجل تعيين القادة المستقبليين، والتحضير لانتخابات ديسمبر/كانون الأول المقبل للخروج بحل ليبي ـ ليبي نهائي، يُمكّن الليبيين من تحقيق انطلاقة جديدة.
وكانت جلسات الاستماع التفاعلية مع المرشحين لرئاسة الحكومة الموحدة، قد اختُتمت في إطار الجلسة الثالثة لملتقى الحوار السياسي المنعقد لاختيار السلطة التنفيذية في جنيف. وقال النائب الأول لرئيس مجلس نواب طبرق، فوزي النويري، إن المشاركين ارتكبوا أخطاء لقلة خبرتهم السياسية، وذلك في بيان عدّد فيه أخطاء المرحلة الماضية. وأكد في تصريحات صحافية وجوب تفادي الأخطاء التي ارتكبت بعد الثورة (2011) والمضي نحو إنشاء أحزاب سياسية لضمان الديمقراطية والمدنية، وإقرار أساس دستوري للدولة الليبية. وشدّد على تجريم الحرب تحت أي ذريعة كانت، قائلاً إن "من يفعل ذلك يعد باغياً تجب مقاومته والتصدي له".