ظهرت مساء أول من أمس إرهاصات التعديل الوزاري في مصر رسمياً، بحديث بعض وسائل الإعلام الموالية للنظام ونواب وإعلاميين معروفين بقربهم من المخابرات العامة أو الأمن الوطني، عن تفاصيل التعديل الذي لم يُعرض على مجلس النواب حتى مساء أمس. وبات من المؤكد أن دعوة المجلس للانعقاد بعد عطلة عيد الأضحى، واستمرار الدورة البرلمانية الحالية لأجل غير مسمى أمر مرتبط بضرورة إجراء هذا التعديل في القريب العاجل.
وخلا جدول أعمال مجلس النواب أمس الأحد من أي موضوع عاجل أو حساس. واكتفى رئيسه حنفي جبالي بمناقشة عدد من الطلبات والشكاوى وتعديلات القوانين المؤجلة غير المستعجلة، في انتظار ورود خطاب التعديل الحكومي في أي لحظة رسمياً، بينما حشد حزب "مستقبل وطن"، الموالي للسلطة وصاحب الأغلبية، وكذلك "تنسيقية شباب الأحزاب" التابعة للمخابرات العامة، جميع النواب من مختلف المحافظات، مع التأكيد على عدم التغيب خلال جلسات الأيام المقبلة تحسباً لورود التعديل الحكومي في أي لحظة، وبالتالي الموافقة السريعة عليه.
تدفع المخابرات العامة بشدة لتغيير شكري لأسباب عديدة
وقالت مصادر حكومية وأخرى دبلوماسية، لـ"العربي الجديد"، إن الملف الأساسي الذي أخر ظهور التعديل الوزاري هو مصير وزير الخارجية سامح شكري، الذي اختلفت حوله آراء مكونات السلطة المختلفة، وبصفة خاصة المخابرات العامة ورئاسة الجمهورية، نظراً لحساسية حقيبته ودقة التوقيت الحالي، بالنظر لقضية سد النهضة والمفاوضات الجارية مع تركيا وقطر والحساسيات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وأوضحت المصادر أن المخابرات العامة برئاسة اللواء عباس كامل تدفع بشدة لتغيير شكري على خلفية العديد من الملاحظات، أبرزها ما لاحظه كامل خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة من ضعف الأداء الدبلوماسي المصري، وتراخي الجهود المبذولة لتحسين العلاقات بالمسؤولين الأميركيين وقيادات الحزبين الديمقراطي والجمهوري والنواب، وعدم قدرة القاهرة على تحقيق أي خرق حقيقي للمجتمع السياسي في واشنطن على مدار السنوات الست السابقة.
وعلى الرغم من استئثار المخابرات العامة بقيادة التحركات المصرية في الملفات الخارجية المهمة، وتوليها مهمة توجيه العناصر الدبلوماسية في السفارات الرئيسية، فإن كامل يرى أن الملف الأميركي يتطلب عملاً دبلوماسياً "خلّاقاً وكبيراً" في إطار السياسة المعتمدة من الدولة، كما يتطلب الأمر "تغييراً في الوجوه، بتصعيد شخصيات جديدة يكون لها مصداقية أكبر لدى الأميركيين ثم الأوروبيين".
وأوضحت المصادر أن هذه الملاحظات ليست وليدة دراسة الجهاز الأهم في مصر حالياً فحسب، بل سجلتها أيضا شركة "براونستين هيات فاربر شريك" للدعاية والحشد السياسي التي تعاقدت معها المخابرات العام الماضي لتتولى تحسين صورة القاهرة في واشنطن، وتنظيم فعاليات تنسيقية بين المسؤولين المصريين والسياسيين الأميركيين. ولفتت الشركة في بعض تقاريرها إلى ضعف الحضور الدبلوماسي المصري، وعدم فتح الخارجية قنوات اتصال معتبرة ومستدامة مع واشنطن ونيويورك.
وعلى هذا الأساس استغرقت دائرة الرئيس عبد الفتاح السيسي وقتاً طويلاً للبحث عن بديل، حيث تفضل تصعيد وجه دبلوماسي أصغر نسبياً من الفئة العمرية المعتادة لوزراء الخارجية المصريين، وتكون له علاقات جيدة سابقة، أو جاهزة، مع الأميركيين والأوروبيين، وبشرط أيضاً أن يعمل خارجياً وفقاً للخطوط الاستخباراتية وداخلياً وفقاً للخطوط الأمنية في التعامل مع السفراء والمستشارين وتخطيط الحركة الدبلوماسية وإعداد الكوادر الجديدة وتنظيم ديوان الخارجية.
شكري لن يبقى في منصبه إلا في حالة عدم إيجاد بديل
وفي هذا السياق، بحسب المصادر، يصعب على دائرة السيسي إيجاد بديل لسامح شكري يستطيع بسط سيطرته على السلك الدبلوماسي بالصورة التي آلت إليها الأوضاع، بعد انقلاب يوليو/تموز 2013، بإبعاد عشرات الدبلوماسيين لأسباب سياسية ولآرائهم المعارضة أو اهتماماتهم الحقوقية، ثم فرض إجراءات جديدة للتعيين في الخارجية، واختيار الدبلوماسيين والموظفين الشباب، تعتمد بالأساس على البعد الأمني والولاء السياسي وليس الكفاءة أو الخبرة، والسماح بضم العديد من العاملين في الوزارة للمجموعات الشبابية التابعة للمخابرات، ممثلة في أكاديمية التدريب والبرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة.
وسواء وجدت دائرة السيسي بديلاً لشكري، وتضمنته حركة التعديل الوزاري أم لا، فهناك بعض الملاحظات الأخرى التي سجلتها المخابرات عليه، أبرزها تصريحاته عن قضية سد النهضة والمتكررة منذ بضعة أشهر، والتي نفى فيها اللجوء لأي خيار آخر غير دبلوماسي إلا بعد حدوث الضرر. حيث ترى الدائرة أن هذا الحديث -وإن كان صحيحاً على الصعيد السياسي- فهو ليس مناسباً للتداول الإعلامي أو الدعائي خاصة على المستوى الدولي، وكذلك الأداء المصري في مرحلة التجهيز والتربيط السياسي قبل جلستي مجلس الأمن لسد النهضة، وضعف التواصل مع السفراء الأجانب ووزراء الخارجية في هذه القضية خلال عامي جائحة كورونا.
وأضافت المصادر أن شكري لن يبقى في منصبه إلا في حالة عدم إيجاد بديل، لكن هذا سيعني تعيين نائب جديد للوزير في القريب العاجل لتجهيزه لتولي المسؤولية لاحقاً. وفي حالة الاستقرار على رحيله فسوف يتم تكريم شكري بصورة استثنائية، سواء بتعيينه مستشاراً شخصيا للسيسي أو بوسام وطني، تقديراً للدور الذي لعبه لمصلحة الدولة والنظام في السنوات الماضية.
وبعيداً عن الخارجية فإن سيناريو "الخروج التكريمي" من الحكومة ربما يكون أيضاً من نصيب وزير الكهرباء محمد شاكر المرقبي، الذي سبق أن طلب التقاعد من منصبه مرتين سابقتين لظروف صحية وعائلية، ويرى السيسي أنه أتم مهمته على أكمل وجه في مرحلة حساسة استطاع فيها إعادة بناء شبكة الطاقة المصرية. وبحسب المصادر فإن التعديل سيشمل تعيين وزير دولة جديد لشؤون الإعلام، وتغيير وزراء المجالس النيابية، وقطاع الأعمال العام، والقوى العاملة، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والبيئة، والبترول، لكن الكتل البرلمانية لم تتمكن من إجراء أي مشاورات حول الحقائب على غرار ما حدث في جميع التعديلات الوزارية السابقة في عهد السيسي، حيث يفاجأ النواب بأسماء الوزراء الجدد في جلسة التصويت عليها، ما يعكس هيمنة السلطة التنفيذية على المشرعين.