في خضم الأزمة الاقتصادية التي تضرب مصر، والتي امتد تأثيرها ليطاول مرفق الكهرباء، أحد المرافق الرئيسية الكبرى في البلاد، تسعى القاهرة للبحث عن حلول عاجلة بمساعدة حلفائها الإقليميين والدوليين، وعلى رأسهم كل من الإمارات، وروسيا، وإيطاليا.
وعلمت "العربي الجديد" أن روسيا بدأت بالفعل في توفير المازوت اللازم لتشغيل محطات الكهرباء في مصر، عن طريق الإمارات، وأن مفاوضات بدأت مع شركة "إيني" الإيطالية، لضخ مزيد من الاستثمارات لتوفير كميات أكبر من الغاز الطبيعي للجانب المصري.
وفي سياق ذلك، قالت مصادر دبلوماسية مصرية إن "جهوداً حثيثة، تبذل حالياً من جانب القاهرة، تهدف إلى تعميق العلاقات مع الدول الأوروبية، وبخاصة إيطاليا، التي تتفق مصالحها مع مصالح مصر، في العديد من الملفات المرتبطة بأمن الطاقة، والأمن الإقليمي بشكل عام، وهو ما ينعكس بالتأكيد، على تقوية موقف مصر في مفاوضاتها الجارية مع أطراف أخرى في إقليم المتوسط، وعلى رأسها تركيا".
محمد نشطاوي: العلاقات بين مصر وإيطاليا تحتاج للمزيد من التنسيق
وأشارت المصادر إلى أن "تصريحات رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، بعد الإفراج عن الباحث باتريك جورج زكي، تؤكد عمق العلاقات بين روما وإيطاليا، وتؤكد أيضاً أن قضايا حقوق الإنسان، لا تزال ضمن ملفات التفاهم المشترك بين البلدين".
تحسن العلاقات بين مصر وإيطاليا
وفي السياق، قال الكاتب والصحافي الإيطالي ماسيميليانو بوكوليني، في حديث لـ"العربي الجديد": "بالتأكيد تحسنت العلاقات بين إيطاليا ومصر، خاصة مع وصول الحكومة الجديدة لجورجيا ميلوني التي تدافع عن المصالح الوطنية الإيطالية".
وأضاف أن "العلاقات بين إيطاليا ومصر وتعزيزها من مصلحة إيطاليا الخاصة، لأن البلدين يقعان على البحر المتوسط، ولديهما العديد من المصالح المشتركة. كما يجب الأخذ في الاعتبار أن إيطاليا بحاجة إلى الغاز بعد الحرب في أوكرانيا، وقد قامت شركة إيني باستثمارات مهمة في هذا القطاع في مصر".
وأشار إلى أنه "علاوة على ذلك، فإن وصول السفير المصري الجديد إلى روما بسام راضي، الذي يتمتع بخبرة طويلة في المجال الدبلوماسي، يساعد بالتأكيد على تعزيز العلاقات بين هذين البلدين". وتابع بوكوليني أن "قضيتي (جوليو) ريجيني وزكي، تم استغلالها من قبل أولئك الذين يريدون عرقلة العلاقات بين هذين البلدين، وهي علاقات تاريخية".
وحول استخدام مصر لعلاقتها مع إيطاليا على طاولتها مع تركيا، قال أستاذ العلاقات الدولية محمد نشطاوي، لـ"العربي الجديد"، إن "مصر وتركيا من أكثر الدول أهمية في المنطقة، وهناك مشاكل تمس استقرار الدولتين، لا سيما الأزمة الليبية وتحالفات مصر واليونان حول تعيين الحدود (البحرية). فجودة العلاقات المصرية الإيطالية قد تكون آلية من خلالها يمكن بناء استراتيجية بعيدة الأمد مع بعض الدول، في حالة النظر إلى المشكلات التي تجمعهم، سواء المتعلقة بالاستثمارات أو الانفتاح على أسواق جديدة أو معالجة مشاكل الهجرة والإرهاب".
وأشار إلى أن "العلاقات المصرية الإيطالية مهمة وقديمة جداً، وهناك استثمارات مهمة إيطالية في قطاع المحروقات المصري، وإيطاليا من أكثر الدول استيراداً للبضائع المصرية".
واعتبر أن "الحضور الوازن لإيطاليا في مصر أدى إلى أن تكون العلاقات مهمة للتنسيق في القضايا الإقليمية، لا سيما ملفي ليبيا والسودان وتداعياته، إلا أن العلاقات تحتاج إلى المزيد من التنسيق في ظل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وبقية الأزمات الإقليمية التي تشكل منعطفاً هاماً لفرض المزيد من التنسيق والتعاون مع إيطاليا، المعنية بما يقع على البحر المتوسط، كالهجرة والحرب على الإرهاب والمخدرات. وأظن أن مصر بإمكانها الإنجاز في هذه الملفات، وأن تجعل من محور روما القاهرة فعالاً في القضايا الهامة".
مصلحة إماراتية مصرية مشتركة
من جهة أخرى، وفي إطار سعي القاهرة للحصول على دعم شركاء إقليميين آخرين، التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قبل أيام نظيره الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، خلال زيارة الأخير إلى مدينة العلمين الساحلية. وتعقيباً على ذلك، قال المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، السفير حسن هريدي، لـ"العربي الجديد"، إن "من مصلحة الإمارات ومصر، الحفاظ على مستوى العلاقة الثنائية بينهما بمستواها كما هو، في ضوء زيارة رئيس الإمارات إلى مصر".
عمار فايد: تسعى مصر إلى استجلاب الدعم الأميركي من خلال تقوية علاقتها بروسيا
وفي الوقت نفسه، رأى هريدي أن "من الضروري أن تسعى مصر إلى أن توازن علاقاتها مع كافة الدول الخليجية، وليس الإمارات فحسب، بما فيه مصلحة مشتركة لجميع الأطراف".
وأضاف أن "الدعم الإماراتي لمصر، والسعي إلى إخراجها من الأزمات الاقتصادية التي تقع فيها، يأتي في إطار المصالح المشتركة التي تربط الطرفين، وكذلك في ظل حالة من تطابق الرؤى والتوجهات السياسية حول غالبية الأوضاع الإقليمية المحيطة بالدولتين".
مصر تتعامل وفق مبدأ المصالح مع روسيا
وحول العلاقات مع روسيا، قال باحث الدكتوراه بقسم العلاقات الدولية في جامعة "إسطنبول أيدن"، عمار فايد، لـ"العربي الجديد"، إن "مصر تتعامل وفق مبدأ المصالح مع روسيا، فهي تُفكك أزمة الطاقة على حساب الوقود الروسي رخيص الثمن، في ظل مواجهة روسيا للعقوبات الغربية واضطرارها للبيع بأسعار مخفضة، ورغبة روسيا في تصدير المنتجات البترولية لمن يستطيع استقبالها، كالخليج والصين والهند، في حين تنقل مصر الوقود الروسي عبر الإمارات، في ظل العلاقات الجيدة التي تربط الدولتين على مدار العقد الأخير".
وأضاف: "كذلك تسعى مصر إلى استجلاب الدعم الأميركي، من خلال تقوية علاقتها بروسيا، وإرغام الإدارة الأميركية على تقديم الدعم بلا شروط، خصوصاً في ملف حقوق الإنسان الذي يتردد دوماً في دوائر صنع القرار الأميركية".
واعتبر فايد أنه "من الناحية الروسية، فإن الكرملين يرى في مصر مدخلاً أساسياً لاستعادة النفوذ في أفريقيا والشرق الأوسط عموماً، وفي ظل أن مصر تعتبر سوقاً استهلاكية، ومستورداً كبيراً للأسلحة، خصوصاً في ظل قوة العلاقة بين روسيا ومصر منذ العام 2013، حيث عمد النظام الحالي إلى تحسين علاقات مصر بروسيا، على خلاف الإدارات المصرية السابقة، حيث لم تكن بين روسيا ومصر سوى شعرة معاوية، دون القطيعة بين الطرفين".
وأشار إلى أن "روسيا تحاول أن تعطي الثقة للقوى الأساسية العربية، في ظل عدم الثقة بالالتزامات الأميركية تجاه الحلفاء، لا سيما في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، ما دفع الحلفاء إلى تعزيز العلاقات مع روسيا والصين وأوروبا".
وأوضح فايد أن "مصر في ظل أزمتها الاقتصادية، اعتمدت على روسيا في ملف استيراد الحبوب والطاقة، حيث أصبحت روسيا الشريك الثالث لمصر في العام 2018، وتمددت روسيا في قطاع الطاقة المصرية واشترت 30 في المائة من شركة إيني الإيطالية في حقل ظهر، فيما بلغ عدد الروس في مصر 35 ألفاً، يعملون بشكل دائم في القطاعات المختلفة".