قال مصدران أمنيان مصريان لوكالة رويترز إنّ القاهرة أرسلت نحو 40 دبابة وناقلة جند مدرعة إلى شمال شرق سيناء خلال الأسبوعين الماضيين، في إطار سلسلة تدابير لتعزيز الأمن على حدودها مع قطاع غزة، خصوصاً قرب رفح.
ونُشرت الآليات قبل توسيع إسرائيل عملياتها العسكرية لتشمل مدينة رفح في جنوب غزة، التي نزح إليها أغلب سكان القطاع بحثاً عن ملاذ آمن، الأمر الذي زاد مخاوف مصر من احتمال إجبار الفلسطينيين على الخروج على نحو جماعي من القطاع.
وقصفت طائرات الاحتلال الحربية رفح، اليوم الجمعة، وأمر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الجيش بالاستعداد لإجلاء النازحين.
ومنذ اندلاع الحرب على غزة، في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، أقامت مصر جداراً حدودياً خرسانياً تعلوه أسلاك شائكة.
وقال المصدران الأمنيان إنّ مصر أقامت أيضاً حواجز رملية، وعززت المراقبة عند مواقع التمركز الحدودية.
وذكرت الهيئة المصرية العامة للاستعلامات، في يناير/ كانون الثاني الماضي، تفاصيل عن بعض التدابير التي اتخذتها مصر على حدودها رداً على تلميحات إسرائيلية إلى أن "حماس" حصلت على أسلحة مهربة من مصر.
وأضافت الهيئة أنّ ثلاثة صفوف من الحواجز تجعل من المستحيل تهريب أي شيء من فوق الأرض أو تحتها.
وأظهرت صور اطلعت عليها "رويترز" وحصلت عليها من مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، وهي مجموعة مستقلة، ما يبدو أنه بناء الجدار في ديسمبر/ كانون الأول، مع وجود عدة حواجز رملية خلفه.
وتظهر الصور اللاحقة، التي قالت المجموعة إنها التقطت في أوائل فبراير/ شباط، ما يبدو أنها ثلاث طبقات بعضها فوق بعض من الأسلاك الشائكة الملفوفة فوق الجدار. ولم تتمكن "رويترز" من التحقق بشكل مستقل من الصور.
وأظهرت صور بالأقمار الصناعية، التقطت في يناير/ كانون الثاني وديسمبر/ كانون الأول، بعض الإنشاءات الجديدة بطول الحدود البالغة 13 كيلومتراً قرب رفح، وامتداد الجدار حتى حافة البحر على الطرف الشمالي من الحدود.
ولم ترد السلطات المصرية والإسرائيلية على طلبات للتعليق بعد.
وتأتي الإجراءات الجديدة بعد تعزيز الإجراءات الأمنية في شمال سيناء، حيث شدد الجيش المصري قبضته على تمرد لإسلاميين تصاعد قبل عقد.
وقبل وقت طويل من اندلاع الحرب الحالية في غزة، قالت مصر إنها دمرت أنفاقاً ازدهر عبرها التهريب إلى غزة سابقاً، كما طهرت منطقة عازلة قريبة من الحدود.
وعند الاقتراب من معبر رفح مع غزة، تمكن رؤية أطلال منازل أُزيلت إلى جانب جدران خرسانية بطول أميال أقيمت بموازاة البحر وبالقرب من الطرق القريبة من الحدود.
علاقات تتعرض لضغوط
تقوم علاقات سلام بين مصر وإسرائيل منذ أكثر من أربعة عقود، وفي السنوات القليلة الماضية، تعززت العلاقات من خلال صادرات إسرائيلية من الغاز الطبيعي وتنسيق أمني حول حدودهما المشتركة وقطاع غزة.
وساعدت مصر في فرض الحصار على غزة، ما وضع قيوداً صارمة على حركة الأشخاص والبضائع عبر حدودها، بعد سيطرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على قطاع غزة عام 2007.
لكن العلاقات توترت بسبب الاقتحام الإسرائيلي الحالي لغزة. ودأبت مصر على التحذير من احتمال أن يؤدي الهجوم الإسرائيلي إلى نزوح سكان غزة اليائسين إلى سيناء، وعبرت عن غضبها من اقتراح إسرائيلي مفاده أن تعيد إسرائيل سيطرتها الكاملة على الممر الحدودي بين غزة ومصر لضمان خلو الأراضي الفلسطينية من السلاح.
وفي يناير/ كانون الثاني، أعلنت مصر عن عمليتين للتصدي لتهريب المخدرات في شمال شرق سيناء، في محاولة كما يبدو لإثبات سيطرتها على المنطقة.
وقال مسؤول إسرائيلي لـ"رويترز" إن مناقشة منتظمة تجرى بين الطرفين حول إعادة هيكلة الأمن على الحدود، التي قال إنه ما زال فيها عدد صغير من الأنفاق.
وأضاف المسؤول أن إسرائيل ستحاول تنظيم انتقال النازحين الفلسطينيين نحو شمال غزة قبل أي عملية عسكرية هناك.
وقللت مصادر أمنية مصرية من شأن أي مناقشات، وقالت إنها تعطي الأولوية لجهود التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة. ووصفت الهيئة المصرية العامة للاستعلامات الاتهامات بالتهريب بأنها "أكاذيب" تستهدف تغطية رغبة إسرائيل في احتلال المنطقة الحدودية العازلة، المعروفة باسم محور فيلادلفيا.
واتهمت مصر إسرائيل بتقييد وصول المساعدات إلى غزة التي يتزايد فيها خطر المجاعة، ويحذر عمال الإغاثة من انتشار الأمراض هناك.
ووضعت مصر معارضتها لتهجير الفلسطينيين من غزة ضمن إطار الرفض العربي الأوسع لأي تكرار لما يعرف باسم "النكبة" عام 1948.
ويقول دبلوماسيون ومحللون إن مصر تشعر بالقلق أيضاً من تسلل حماس واستضافة عدد كبير من اللاجئين. وفي أكتوبر/ تشرين الأول، حذر الرئيس عبد الفتاح السيسي من أن النزوح قد يحول سيناء إلى قاعدة لهجمات ضد إسرائيل.
الأمم المتحدة تعارض أي تهجير قسري جماعي للفلسطينيين من رفح
بدورها، قالت الأمم المتحدة، اليوم الجمعة، إن المدنيين في رفح بجنوب قطاع غزة يحتاجون إلى الحماية، لكن لا ينبغي تنفيذ أي تهجير قسري جماعي، وذلك بعد أن بدأت إسرائيل في إعداد خطة لإجلاء المدنيين الفلسطينيين، لهزيمة حماس في الجنوب.
وقال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم المنظمة، اليوم الجمعة: "نحن قلقون جداً على مصير المدنيين في رفح".
وأضاف قائلاً: "من الواضح أن الناس بحاجة إلى الحماية، لكننا لا نريد أيضا رؤية أي تهجير قسري، تهجير جماعي قسري، للناس، وهو بالتعريف ضد إرادتهم... لن ندعم بأي شكل التهجير القسري الذي يتعارض مع القانون الدولي".
ويعيش أكثر من نصف سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة في رفح، كثيرون منهم محاصرون أمام السياج الحدودي مع مصر ويعيشون في خيام مؤقتة.
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، اليوم الجمعة، إن "الكثافة غير المسبوقة لسكان رفح تجعل من شبه المستحيل حماية المدنيين في حالة وقوع هجمات برية... بلغ التكدس في رفح حداً أصبحت فيه الطرق العادية تحتلها خيام نصبتها عائلات تبحث عن أي مساحة مسطحة ونظيفة متاحة".
بوريل: الخطة الإسرائيلية لمهاجمة رفح في جنوب قطاع غزة "تثير القلق"
إلى ذلك، أعلن مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الجمعة، أن الخطة الإسرائيلية لمهاجمة مدينة رفح، آخر ملاذ للنازحين بسبب الحرب في قطاع غزة، "تثير القلق".
وأضاف بوريل على منصة إكس أنّ "هذا الأمر ستكون له تداعيات كارثية، تفاقم الوضع الإنساني الكارثي أصلا، (فضلاً عن) خسائر لا تحتمل في صفوف المدنيين".
(رويترز، العربي الجديد)