أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أول من أمس الجمعة، قرارين جمهوريين بتعيين 411 قاضياً جديداً في مجلس الدولة (أعلى سلطة إدارية قضائية في مصر)، من خريجي دفعتي عامي 2016 و2017، في أول تعيين بالمجلس تشارك فيه رسمياً "الأكاديمية الوطنية للتدريب" التابعة للاستخبارات المصرية العامة. وكانت الأكاديمية قد أقامت دورات تدريبية للمرشحين للتعيين على مدار عام 2020، تمّت تصفيتهم بناء عليها، ثم تمّت تصفية جديدة لهم خلال الشهرين الماضيين بواسطة الأمن الوطني والاستخبارات العامة، عبر تطبيق معايير جديدة للاختيار، بحسب مصادر قضائية رفيعة المستوى تحدثت لـ"العربي الجديد"، عقب الإعلان عن الأسماء.
قرر السيسي إجراء عمليتين جديدتين لتخفيض عدد المعينين عبر أكاديمية التدريب
وكشفت المصادر أن الخريجين الذين اجتازوا الاختبارات الشفهية التي تجريها إدارة مجلس الدولة، تمّ توزيعهم في البداية على دفعات، لتلقي دروس ومحاضرات في الأكاديمية، كأداة ترشيح أخيرة ونهائية لاختيار القضاة، شأنهم في ذلك شأن المتقدمين للعمل الدبلوماسي والوظائف الحكومية الأخرى. هذا الأمر رفضه مجلس الدولة في البداية، ثم رضخ للضغوط، ما قلّص سلطته في الاختيار، على أن يتم إبلاغه بأسماء المقبولين الذين اجتازوا الاختبارات والمقابلات الشخصية، على أن يتم ترشيحهم من قبل الجهات الأمنية والسيادية والرقابية، ثم يتم إلحاق المرشحين المجازين أمنياً بالأكاديمية، وفي النهاية لا يتم تعيين إلا من اجتازوا هذه الدورة.
لكن وبعد ظهور نتيجة الدورات، قررت الرئاسة المصرية إجراء عمليتين جديدتين لتخفيض عدد المعينين، الأولى أمر بها السيسي شخصياً بإخراج جميع من سبق قبولهم وتعيينهم في النيابة العامة، على عكس الآلية السابق تطبيقها منذ عقود، وبالتالي حرمانهم من فرصة الاختيار بين التعيين في الهيئتين. ويرى بعض القضاة أن هذا الأمر غير دستوري، نظراً لأن إجراءات التعيين في كل هيئة تختلف عن الأخرى، وبالتالي فإن سرعة قبول الخريج في هيئة معينة، ستؤدي إلى حجب حقه في تفعيل رغبته في التعيين بهيئة أخرى.
لكن العملية الثانية، وهي الأهم، شهدت إعادة للتحريات الأمنية والرقابية على أقارب الخريجين المقبولين، حتى الدرجة الرابعة، بالمخالفة لأحكام سابقة من المحكمة الإدارية العليا بحظر مؤاخذة المتقدمين بأفعال وجرائم ارتكبها أقارب لهم، أو بتصنيفات أمنية مزعومة للأقارب، حيث نتج عن هذه العملية، بحسب المصادر، استبعاد نحو 60 اسماً من المقبولين. وتضمنت المراجعة الأمنية استبعاد بعض هؤلاء لأسباب تتعلق بالآراء الشخصية لذويهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وعلاقات العمل الخاصة بآبائهم وأمهاتهم، وتحريات أمنية مزعومة عن معارضة بعضهم للنظام الحاكم، وذلك كله بعدما تمّت تصفية المقبولين أنفسهم حسب معايير مشابهة خلال دراستهم في الأكاديمية الوطنية. وأدت هذه المراجعات إلى تأخير إعلان المقبولين بضعة أشهر، بعدما تم بالفعل إبلاغ العشرات من المقبولين بالتعيين وخضوعهم للكشف الطبي، لتظهر الأسماء حاملة تلك التغييرات التي بلغت حد استبعاد أبناء بعض القضاة المصنفين من قبل الأمن الوطني كمعارضين للنظام.
جرت إعادة تفعيل التحريات الأمنية والرقابية على أقارب الخريجين المقبولين
لكنّ القرارين اكتظا بتعيين أبناء وأقارب مسؤولين وقضاة آخرين، على رأسهم وزير العدل عمر مروان نفسه، الذي تم تعيين نجله حسام من دفعة 2016، لتستمر أسرته على طريقها في التعيينات القضائية. ويأتي ذلك علماً بأن شقيقي الوزير أيضاً قاضيان (منهما قاض استشهد في حادث إرهابي بالعريش)، كما أن أسرة مروان تتقارب بصور مختلفة حالياً مع السلطة، حيث تزوج ابن شقيقته في مارس/آذار الماضي، ابنة شقيقة السيسي.
واللافت أن وزير العدل نفسه هو من أشرف مع الاستخبارات العامة على وضع المواد والمقررات الخاصة بالمرشحين للتعيينات القضائية في الأكاديمية الوطنية، كما شارك باعتباره المسؤول التنفيذي الحالي عن المجلس الأعلى للهيئات القضائية الذي يترأسه السيسي ويشرف على معايير استبعاد واختيار المقبولين، وإذا بالقرار يتضمن تعيين نجله في مجلس الدولة. كما شمل القرار تعيين العشرات من أبناء وأحفاد قضاة النقض والجنايات ومجلس الدولة، والقائمة تطول. لكنّ مفارقتين تبرزان، هما تعيين أخوين توأم هما مصطفى ومحمود توفيق عليان، نجلا رئيس محكمة جنايات طنطا، توفيق عبد العظيم عليان، في دفعة 2016، واثنين من أبناء قاض واحد، في مجلس الدولة، هما عمر وزياد أبو بكر جمعة الجندي، في الدفعتين.