كشفت مصادر برلمانية مصرية أن مسؤولين في إحدى الجهات السيادية في البلاد، تدخلوا لمنع بعض النواب المحسوبين على المعارضة، من تقديم طلبات إحاطة، بشأن إقامة شركة إسرائيلية، مهرجاناً فنياً على أرض سيناء بعنوان "سيناء تنتظرنا".
يأتي هذا في الوقت الذي تتصاعد فيه جرائم جيش الاحتلال ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وغزة، وفي تاريخ يواكب احتفال مصر بعيد تحرير سيناء.
وقالت المصادر، في أحاديث خاصة لـ"العربي الجديد"، إن المسؤولين الأمنيين، حذروا النواب من أن "أي محاولة لتسخين الأزمة سوف تواجه بحزم، لا سيما أن الأزمة الحالية التي تعيشها البلاد ذات الأبعاد السياسية والاقتصادية، لا تحتمل أي تصعيد يشكل خطورة على استقرار البلاد".
إظهار انحياز الرئاسة المصرية لمزيد من التطبيع
وأضافت المصادر أن نصائح في هذا السياق صدرت من جهات مقربة من النظام المصري، بإمكانية استغلال حديث النواب عن هذا المنع، والحملات الشعبية على مواقع التواصل الاجتماعي في إظهار موقف الرئاسة المصرية لدى الطرف الإسرائيلي، وكيف أن هذا الموقف لا يزال ينحاز لمزيد من خطوات التطبيع، رغم حالة الرفض والسخط داخل مصر، سواء على الصعيد الشعبي أو من بعض المؤسسات في الدولة.
حذر المسؤولون الأمنيون النواب من أن أي محاولة لتسخين الأزمة ستواجه بحزم
وأشارت المصادر إلى أنه "مع تصاعد الحملة الشعبية الرافضة لإقامة المهرجان الإسرائيلي على أرض سيناء، ومع تحذيرات من داخل القوات المسلحة من خطورة ذلك على الأمن القومي للبلاد، والوصمة التي من الممكن أن تلحق بالجيش المصري، بعد إقامة الحفل داخل أحد الفنادق المملوكة له، اتُخذ القرار بنقل المهرجان خارج فندق القوات المسلحة في سيناء، وتم إقناع الإسرائيليين بذلك".
وكانت مصادر خاصة قد كشفت، لـ"العربي الجديد" عن وجود جناح داخل القوات المسلحة يرفض "الاندفاع في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، دون أن تقدم الأخيرة على خطوات من شأنها تحقيق السلام الشامل والعادل، الذي نصت عليه اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، ويحذر من أن تجاوز ذلك الأمر سوف يضر بموقف النظام والجيش، داخلياً وخارجياً".
منع نواب من تقديم إحاطة حول المهرجان
من جهته، كشف مصدر برلماني مصري أنه تم منع ثلاثة من النواب، الذين يوصفون بالمعارضين، من التقدم ببيانات عاجلة وطلبات إحاطة بشأن الواقعة، وذلك لمنع صدور أية مواقف رسمية أو برلمانية.
وأكد أن مسؤولين أمنيين رفيعي المستوى تدخلوا محذرين النواب، من التجاوب مع أية حملات شعبية أو حزبية في هذا الإطار، قائلين إن تلك الاحتفالات والاتفاقيات الجديدة الموقعة مع حكومة الاحتلال تأتي بمباركة أعلى مستوى في الدولة.
ووفقاً للمصدر، فإن طلب إحاطة وبيانا عاجلا تم سحبهما من الأمانة العامة لمجلس النواب بعد التقدم بهما مباشرة، قبل توجيه تحذيرات من جانب مسؤولين في إحدى الجهات السيادية للنائبين المتقدمين بهما من الحديث في وسائل الإعلام بشأن ذلك.
الرفض السياسي والشعبي للتطبيع حاضر بقوة
ورغم التقارب الرسمي بين النظام المصري وحكومة الاحتلال الإسرائيلي، والذي أسفر أخيراً، عن التوسع في الاتفاقيات الخاصة بالقطاعين السياحي والتجاري، إلا أن حالة الرفض الشعبي والسياسي للتطبيع لا تزال حاضرة بقوة.
وقد ظهر هذا الأمر جلياً في الأزمة التي تسبب فيها الإعلان عن إقامة احتفال في سيناء تحت شعار "سيناء تنتظرنا"، يتكون من مهرجانين للموسيقى في طابا ونويبع في إطار الاحتفالات بعيد الفصح اليهودي، والذي يأتي في ذكرى خروج اليهود من مصر إبان العصر الفرعوني.
وأعلنت الحملة الشعبية المصرية لمقاطعة إسرائيل استقبال فندق "هيلتون نويبع" مهرجان الموسيقى الخاص بشركة "Nabia festival" الصهيونية، عقب تراجع فندق "توليب طابا" المملوك للقوات المسلحة عن قبول استقبال المهرجان.
وكان "توليب طابا" تراجع إثر الحملة التي بدأتها حملة المقاطعة لوقف المهرجانات الإسرائيلية المخطط لإقامتها في جنوب سيناء خلال الشهر الحالي، من قبل شركتي "We grounded" و"Nabia festival" بمناسبة عيد الفصح اليهودي بالتزامن مع أعياد تحرير سيناء.
دعوة لمقاطعة "هيلتون نويبع"
وطالبت الحملة، عبر صفحتها على "فيسبوك" أخيراً، بمقاطعة فندق "هيلتون نويبع" والدخول لتطبيقات الحجوزات وتقييمه سلبياً، بعد التأكد من استقباله المهرجان الذي بدأت أولى فعالياته الثلاثاء الماضي، رغم تكتم الشركة الإسرائيلية عن إعلان المستضيف الجديد، حيث حذف منظمو الحفل، بعد وقت قصير من انطلاقه، صور ومقاطع فيديو من على مواقع التواصل الاجتماعي.
تراجع فندق "توليب طابا" المملوك للقوات المسلحة عن استقبال المهرجان
واستنكرت الحملة الشعبية المصرية لمقاطعة إسرائيل ما وصفته بموافقة الفندق على استقبال المهرجان وفتح أبوابه أمام "الصهاينة ليرقصوا على أرض سيناء"، رغم الحملة ضده بوصفه مسيئا للمصريين، بالإضافة إلى تعويض المنظمين للإسرائيليين بليلة مجانية في الفندق الجديد للحجوزات التي ألغيت في "توليب طابا".
وفي السياق، أصدر الحزب "المصري الديمقراطي الاجتماعي"، بياناً، أكد خلاله رفضه لتنظيم الاحتفال الإسرائيلي على أراضي سيناء. وأكد "أن ذلك يحدث في ظل الانتهاكات التي يمارسها النظام الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، واستباحة المسجد الأقصى، وسفك دماء شباب المقاومة، وسط ما يكاد أن يكون صمتاً عربياً ودولياً مخجلاً".
وطالب الحزب، الذي له ممثلون في بغرفتي البرلمان المصري (النواب والشيوخ)، "كافة مؤسسات الدولة بتدارك الأمر بحكمة وحسم". وشدد على رفضه القاطع لهذه الممارسات، مطالباً "باحترام الموقف الشعبي الرافض للتصرفات العنصرية الفاشية ضد الشعب الفلسطيني، وأن يكون هذا الموقف تأكيداً للداخل والخارج العربي والعالمي، أن مصر ستظل تتحمل مسؤوليتها في الدفاع عن القضية الفلسطينية العادلة". واعتبر أن "استمرار هذا الاحتفال على أرض سيناء، وتحت هذا العنوان، غير مقبول".
وكانت شركة "Nabia festival" المنظمة لأحد المهرجانين أعلنت، السبت الماضي، أنها تلقت مكالمة من إدارة "توليب طابا" تعتذر فيه عن إقامة المهرجان، بسبب الضغط الذي مارسته الحملة الشعبية المصرية لمقاطعة إسرائيل، لمنع تنفيذه داخل الفندق.
ووفقاً للبيان الصادر عن الشركة، فإن إدارة "فندق توليب"، المملوك للقوات المسلحة، عبرت عن سعادتها لكونها المكان الرئيسي الذي من المفترض إقامة المهرجان فيه قبل أن تعتذر عن ذلك. وأوضحت أنها سوف تستمر في حجز الغرف للإسرائيليين وتقديم وجبتين من الطعام، مع توفير الشركة حافلات مجانية من الفندق وحتى موقع الحفل الجديد.
واعتبرت الشركة أن المكان الجديد الذي سوف يستضيف المهرجان أبدى ترحيباً كبيراً بهم، مؤكدة أن الجهات الرسمية والأمنية في مصر تدعم إقامة المهرجان فيه.
استياء من الانفتاح على إسرائيل
وفي السياق نفسه، أبدى مصدر دبلوماسي مصري رسمي استياءه مما وصفه بحالة الانفتاح في التعامل مع إسرائيل مؤخراً، وتحديداً فيما يخص القطاع السياحي، وتقديم تسهيلات واسعة للإسرائيليين للحركة في مصر تحت مظلة النشاط السياحي.
وشدد المصدر على خطورة ذلك من الناحية الأمنية، لافتاً إلى "ترك الملف بالكامل للأجهزة الأمنية - في إشارة لجهاز المخابرات العامة - دون وجود ممثلين عن باقي الوزارات والجهات المعنية لطرح كافة وجهات النظر الأخرى".
وأكد، في الوقت ذاته، أن "خطورة الأمر تتمثل في التطبيع الأمني والاستخباري بين الجانبين، بسبب تشكيل لجنة أمنية مشتركة، بعد اشتراط المسؤولين في حكومة الاحتلال إشراف أجهزة الأمن الإسرائيلية على عمليات تأمين تحركات السائحين الإسرائيليين في مصر، سواء في سيناء أو غيرها من المناطق السياحية".
ضغوط اقتصادية على مصر
من جهته أرجع مصدر خاص تجاوب الحكومة المصرية مع المطالب الإسرائيلية، والسماح بمثل تلك الإجراءات التي تمثل استفزازات شعبية في وقت تشهد فيه الأراضي المحتلة انتهاكات إسرائيلية بحق المقدسات، إلى الضغوط الاقتصادية التي تعانيها مصر أخيراً، وحاجتها لتعويض السياحة الروسية والأوكرانية التي تضررت بسبب الحرب الدائرة بين البلدين.
وقال إن "الأهم من الدعم الاقتصادي بالنسبة للنظام المصري، هو الدعم السياسي الدولي، الذي يحصل عليه من حلفائه في إسرائيل".
تجاوب الحكومة مع المطالب الإسرائيلية يأتي بسبب الضغوط الاقتصادية التي تعانيها مصر
ولفت المصدر إلى أنه "رغم صعوبة الشروط والمطالب الإسرائيلية، والتي سبق ورفضت خلال فترات سابقة، إلا أن القاهرة اضطرت للاستجابة، بسبب الأزمة التي يمر بها القطاع السياحي، الذي يمثل مصدراً أساسياً للعملات الأجنبية". وأشار، في الوقت ذاته، إلى أن "هناك مجموعة من الخطوات التي سيتم اتخاذها، متعلقة بعدد من المزارات التي يقصدها السياح الإسرائيليون".
وسيّرت شركة الطيران الإسرائيلية "العال"، الأحد الماضي، أول رحلة طيران مباشرة بين تل أبيب وشرم الشيخ، وذلك بعد اتفاق تم التمهيد له خلال زيارة قام بها رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينت لمصر، التقى خلالها الرئيس عبد الفتاح السيسي في مدينة شرم الشيخ في سبتمبر/ أيلول الماضي.
في غضون ذلك، أعلنت وزارة الآثار والسياحة المصرية، قبل أيام، البدء في مشروع لترميم معبد بن عزرا اليهودي المتواجد في منطقة مجمع الأديان بمنطقة مصر القديمة بقلب القاهرة، حيث يعد واحداً من أقدم المعابد اليهودية في العالم، وتم بناؤه قبل نحو 1200 عام.