قالت مصادر سياسية وحقوقية مصرية، إن خطة للترويج لإحداث انفراجة في ملف عدد من المعتقلين المعارضين داخل السجون المصرية، توقفت تماماً من أجل البحث عن "سيناريو جديد"، يجري وضع تصورات له، وذلك بسبب ملفين حقوقيين برزا على سطح الأحداث، وأصابا الدائرة المسؤولة عن الخطة بارتباك شديد.
تأثيرات لقضيتي أيمن هدهود وجوليو ريجيني
وأوضحت المصادر في أحاديث خاصة لـ"العربي الجديد"، أن حادث وفاة الباحث الاقتصادي، عضو حزب الإصلاح والتنمية، أيمن هدهود، وملابسات الوفاة بعد تعرضه للإخفاء القسري من قبل جهاز الأمن الوطني، وتعرضه للتعذيب، ثم إيداعه مستشفى للأمراض النفسية، ووفاته هناك وعدم إعلام أهله إلا بعد مرور شهر على الوفاة، كان سبباً مباشراً في إحباط خطة الترويج للانفراجة "المزعومة"، التي كان يُعول فيها بدرجة كبيرة على شخص رئيس حزب الإصلاح، محمد أنور السادات.
وأشارت المصادر إلى أن القائمين على الخطة التي كانت تستهدف الدول الغربية وأميركا في المقام الأول، صدموا أيضاً بملف آخر طفا على السطح وقد يتم استغلاله للضغط على النظام المصري، وتمثل في قضية الباحث الإيطالي جوليو ريجيني.
وخُطف ريجيني من قبل مجهولين في يناير/كانون الثاني 2016، وعُثر على جثته مشوهة وتحمل آثار تعذيب شديد بعد أيام في ضواحي العاصمة المصرية.
طلبت أسرة ريجيني مساعدتها بملاحقة أربعة ضباط مصريين
وفي جديد القضية، طلبت أسرة ريجيني، يوم الجمعة الماضي، مساعدتها في ملاحقة أربعة ضباط أمن مصريين يشتبه في أنهم لعبوا دوراً في مقتله. وقالت محامية عائلة ريجيني، أليساندرا باليريني، في رسالة على فيسبوك: "نحن نعرف من هم، ونعرف وجوههم ونعرف حجم الأذى الذي يمكنهم التسبب به. هل ستساعدنا في البحث عنهم؟".
وكانت محاكمة غيابية للضباط الأربعة المصريين في روما، قد عُلقت إلى أجل غير مسمى عقب انعقادها مباشرة في 14 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لأن المدعين العموميين لم يتمكنوا من إثبات أنهم أخطروا المتهمين بالإجراءات القضائية ضدهم.
والضباط الأربعة وهم اللواء طارق صابر، والعقيدان آسر إبراهيم وحسام حلمي، والرائد إبراهيم شريف، متهمون بالخطف والتآمر للقتل وإلحاق الأذى الجسدي الجسيم في قضية ريجيني التي أثارت غضباً في إيطاليا، وأدت إلى توتر العلاقات الدبلوماسية بين روما والقاهرة.
وانضمت الحكومة الإيطالية إلى الملاحقات في دعوى مدنية للحصول على تعويضات، في خطوة رمزية للتعبير عن دعمها. وأرسلت روما أخيراً طلب مساعدة قضائية جديداً إلى القاهرة، يركز على طلب إرسال عناوين المتهمين الأربعة المطلوبين، بهدف إعلامهم رسمياً بتحريك الدعوى ضدهم، مع الإشارة إلى حصول روما أخيراً على عدد من البيانات الخاصة بهم من "مصادر خاصة"، كصورهم وتواريخ ميلادهم.
وكانت هذه المطالبة القضائية رقم 68 إلى النيابة العامة المصرية لطلب مساعدتها في إبلاغ المتهمين. وسبق أن أعلن الادعاء الإيطالي أنه وجّه 67 مطالبة قضائية من دون جدوى، بشأن أمور مختلفة منذ بدء التعاون القضائي المأزوم بين البلدين عقب مقتل ريجيني.
وقالت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، إنه "من غير الممكن أن تكون الحكومة الإيطالية على غير علم بعناوين الضباط المصريين، لأنه من السهل مخاطبتهم عن طريق وزارة الداخلية المصرية، عبر وزارة الخارجية".
ورجحت المصادر أن تكون "جميع المعلومات عن الضباط المصريين بالإضافة إلى تفاصيل أخرى مهمة حول القضية، في حوزة أجهزة الأمن الإيطالية، لكنها مخفية بسبب المصالح التي ترتبط بها روما مع القاهرة".
وأشارت المصادر إلى أن صفقة الغاز الأخيرة التي وقعتها إيطاليا مع مصر "ضخمة جداً، وتعمق المصالح بين البلدين بشكل يصعب معه تصعيد قضية ريجيني". وأعلنت شركة إيني الإيطالية أخيراً، توقيع اتفاقية مع مصر لتعزيز إنتاج الغاز، وزيادة إمدادات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا.
طبيعة الظرف السياسي والاجتماعي والاقتصادي الراهن تتعارض تماماً مع الخطاب الذي بدأت تقدمه رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان أخيراً
ترويج لانفراجة سياسية في مصر عبر "المجلس القومي لحقوق الإنسان"
وفي محاولة للالتفاف على الضغوط الداخلية والدولية المطالبة بتحسين الأوضاع السياسية والحقوقية في مصر، في ظل أزمة اقتصادية طاحنة تخشى دوائر صنع القرار المصري بأن تثير اضطرابات شعبية، توافقت الأجهزة الأمنية المعنية بإدارة الملفات السياسية الداخلية على الترويج لانفراجة سياسية بشأن مجموعة من الملفات المتعلقة بالحقوق السياسية والحريات الإعلامية.
وبحسب مصدر سياسي مصري، جرت تحركات أخيراً، يبدو من ظاهرها وما تحتويه من خطاب أكثر انفتاحاً، بأن هناك انفراجة مرتقبة على صعيد ملفات السجناء السياسيين، والحقوق والحريات، والحياة السياسية. وأشار المصدر إلى أن رأس حربة تلك التحركات هو المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي) ورئيسته السفيرة مشيرة خطاب.
وأوضح المصدر أن المجلس شرع أخيراً في عقد مجموعة من اللقاءات مع شخصيات إعلامية وسياسية كانت توصف في السابق بأن لها مواقف مناوئة للتوجهات الحكومية، بل إن بعضها كان يوصف من قبل الدوائر الأمنية المشرفة على العمل السياسي، بأنها "عناصر إثارة".
وقال المصدر، الذي اطلع على تفاصيل مجموعة من اللقاءات، إنه تعجب من مستوى الخطاب الذي كانت تتحدث به مشيرة خطاب، خلال الجلسات التي شاركت بها شخصيات ذات خلفية سياسية من أعضاء المجلس القومي لحقوق الإنسان.
وأكد أن "السفيرة خطاب شخصية معروفة للجميع، ومعروف ما تؤمن به، وهو بعيد كثيراً عن الخطاب الذي بدأت تقدمه خلال الجلسات الأخيرة، فهي ابنة منظومة مبارك السياسية"، في إشارة للرئيس المخلوع حسني مبارك.
وتابع المصدر أن "طبيعة الظرف السياسي والاجتماعي والاقتصادي الراهن تتعارض تماماً مع الخطاب الذي بدأت تقدمه رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان أخيراً، وما تروج له من دعم المطالب الملحة، مثل رفع القيود عن حرية الرأي والتعبير، والنظر في مسألة الحبس الاحتياطي".
وقالت خطاب أخيراً خلال إحدى الجلسات التي نظمها المجلس القومي لحقوق الإنسان، إن "الحقوق المدنية والسياسية لا بد أن تكون في نفس مكانة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي تشهد تحركات كثيرة".
وروجت خطاب لتحركات، أشارت إلى أنها تلقى قبولاً حكومياً، وتتعلّق بقضية الحبس الاحتياطي والتوصل لبديل قانوني لها، علماً بأن هذه القضية تأتي على رأس قائمة المطالب الحقوقية في مصر. وقالت خطاب إن "الحبس الاحتياطي موضع اهتمام كبير من المجلس".
الترويج للانفراجة محاولة لامتصاص صدمة الأزمة الاقتصادية
تشكيك بحدوث انفراجة وفتح المجال العام في مصر
في غضون ذلك، قال مصدر حقوقي لـ"العربي الجديد"، طالباً عدم كشف هويته، إنّ "ما يروج له حالياً في الأوساط الإعلامية بشأن إجراءات وتحركات من شأنها فتح المجال العام أو إحداث انفراجة، يبدو واضحاً أنه محاولة لامتصاص صدمة الأزمة الاقتصادية الحالية".
وتابع: "سرعان ما ستعود الأمور لطبيعتها، بل وربما لمزيد من التضييق، عبر ملاحقة كل من يخرج عن الحدود المرسومة من جانب الأجهزة الأمنية المشرفة على الإعلام".
وأكد المصدر الذي شارك في أحد الاجتماعات الأخيرة للمجلس القومي لحقوق الإنسان أنه "على الرغم من الترويج لخطاب انفتاحي داعم للمطالبات الخاصة بالحقوق السياسية والحريات، فإنه في المقابل اشتدت القبضة الأمينة على وسائل الإعلام".
وأشار إلى أنه "خلال الأيام الماضية تم استبعاد مجموعة من الشخصيات السياسية والإعلامية من الظهور في القنوات المملوكة للشركة المتحدة التابعة لجهاز المخابرات العامة، كما صدرت قرارات بوقف طباعة عدد من الصحف الورقية، التي كانت تتناول مواد متعلقة بالأزمة الاقتصادية، والتوجهات المصرية بشأن ملفات إقليمية، قبل السماح لها بإعادة الطبع عقب إزالة تلك المواد".