كشف مصدر دبلوماسي مصري لـ"العربي الجديد" أن "رغبة مصر في إحداث نقلة نوعية وتطور في العلاقات مع إيران تزداد يوما بعد آخر، لكن المدى لتحقيق ذلك ربما يكون بعيداً قليلاً". وأكد المصدر أن "هناك الكثير من الأمور والمسائل التي يجب حسمها قبل الاندفاع في مسار تطوير العلاقات بين البلدين، بداية من رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية".
وجاءت تصريحات المصدر بعد حديث لرئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية في القاهرة محمد حسين سلطاني فر، أكد فيه أن "تطوير العلاقات بين إيران ومصر سيكون له تأثير إيجابي ومهم جداً على العلاقات الإيرانية العربية والتطورات الإقليمية".
وقال سلطاني فر، في تصريح لوكالة "فارس" الإيرانية، إن "ما يدور الآن في مناقشة العلاقات الثنائية بين مصر وإيران والمفاوضات الجارية، هو اتفاق البلدين على رفع مستوى العلاقات بينهما إلى مستوى السفراء. حالياً، لدينا علاقات سياسية مع مصر على مستوى مكتب رعاية المصالح في طهران والقاهرة، ونحاول رفع هذا المستوى من العلاقات السياسية إلى مستوى السفراء".
أليكس وطن خواه: تحسن علاقة إيران بالسعودية سيمنح مصر سبباً لإعادة النظر في علاقاتها مع إيران
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد استقبل في القاهرة، الثلاثاء الماضي، رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني. وكشفت مصادر دبلوماسية مصرية كواليس زيارة السوداني إلى القاهرة، التي استمرت يومين، وتضمنت لقاء مع السيسي، وشيخ الأزهر أحمد الطيب، والأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط في مقر الجامعة.
وبحسب دبلوماسي مصري تحدث لـ"العربي الجديد" طالباً عدم ذكر اسمه، فإن السوداني "نقل رسائل إيرانية جديدة إلى القاهرة خلال زيارته الأخيرة إليها"، وأكد أن العراق "حريص على تحقيق اختراق بشأن عودة العلاقات بين القاهرة وطهران، في إطار رغبة السوداني لعب أدوار إقليمية تعزز موقف حكومته على الصعيدين الداخلي والإقليمي".
وأوضح المصدر أن السوداني "طرح على المسؤولين في القاهرة ترتيب لقاء تمهيدي بين مسؤولين مصريين وإيرانيين في بغداد، مقترحاً رفع مستوى التمثيل من الجانبين".
لقاءان سريان في بغداد بين المصريين والإيرانيين
وكانت العاصمة العراقية بغداد قد استقبلت، في مارس/آذار الماضي، لقاءين اتسما بالسرية بين مسؤولين من مصر وإيران، بإشراف المكتب الخاص لرئيس الوزراء العراقي ووزير خارجيته فؤاد حسين، في تكرار لتجربة الوساطة العراقية بين السعودية وإيران.
وكشف الدبلوماسي، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، عن أن رئيس الوزراء العراقي "طرح خلال زيارته إلى القاهرة عقد لقاء جديد بين مسؤولين في البلدين، للتوافق حول الخطوط العريضة لقمة ثلاثية برعاية العراق في بغداد، بمشاركة مصر وإيران"، لافتاً إلى أن السوداني "ترك المجال مفتوحاً أمام المسؤولين المصريين لتحديد حجم اللقاء، سواء على مستوى وزراء الخارجية أو على مستوى الزعماء".
وأشار إلى أن "هناك بعض الملفات التي لم يجر حسمها، وهو ما يصعب من احتمالية عقد لقاء قريب على مستوى الرؤساء". وكشف الدبلوماسي أن السوداني "اقترح موعداً لعقد اللقاء الرسمي نهاية شهر يوليو/تموز المقبل، على أن يسبقه لقاء تمهيدي بين مسؤولي البلدين".
وحول ما إذا كان تعاطي القاهرة مع جهود الوساطة يأتي على غير رغبة الإدارة الأميركية من عدمه، أفاد الدبلوماسي المصري بأنه "يمكن القول إن القاهرة حصلت على ضوء أخضر أو ما يمكن تسميته بإشارات تدل على عدم الممانعة"، مضيفاً: "هذا ربما ما يجعل هذا المسار بطيئاً حتى الآن، لأن الأمر لم يفتح للنقاش بين القاهرة وواشنطن، وهو ما يجعل المسؤولين في مصر يتحسسون خطواتهم في هذا المسار، لعدم إثارة أية أزمات، في وقت تواجه في مصر أزمة اقتصادية طاحنة".
ومطلع يونيو /حزيران الحالي، قال المرشد الإيراني علي خامنئي، خلال لقائه بسلطان عمان هيثم بن طارق آل سعيد، إن طهران ترحب بتحسين العلاقات الدبلوماسية مع مصر.
وحول ما إذا كان هناك تنسيق بين سلطنة عمان والعراق بشأن جهود الوساطة بين القاهرة وطهران، كشف دبلوماسي آخر: "رغم أن كلا البلدين يقوم بجهود مكثفة لتحقيق إنجاز على صعيد العلاقات، إلا أنه لا يوجد تنسيق بينهما"، مستدركاً: "هذا لا يعني بالطبع تقاطع تلك الجهود".
السعودية سبب الحراك المصري
وفي هذا السياق، أشار مدير برنامج إيران في "معهد الشرق الأوسط" في واشنطن أليكس وطن خواه، لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "يجب أن نتذكر أن إيران ومصر كانتا أيضاً على مقربة من تطبيع العلاقات منذ حوالي عامين، ولكن هذا لم يحدث، فما المختلف هذه المرة؟".
وتابع: "الأمر المختلف بالتأكيد هو أن تحسن العلاقات الإيرانية السعودية سيمنح مصر سبباً رئيسياً وغطاءً لإعادة النظر في علاقاتها مع إيران. تعتمد القاهرة بشكل كبير على الدعم المالي من كل من الرياض وواشنطن. فعندما يتطلع السعوديون والأميركيون إلى إشراك إيران، وهو ما يحدث ولكن بطرق مختلفة، فإن هذا سيؤثر بشكل كبير على حسابات القاهرة".
وأضاف وطن خواه: "ما هي الدوافع الرئيسية للبلدين؟ بعضها لأسباب اقتصادية مؤكدة. يبلغ سوق إيران ومصر معاً نحو 190 مليون شخص، لكنهما لا يتعاملان تجارياً. على سبيل المثال، سيسافر السائحون الإيرانيون بالتأكيد إلى مصر إذا تحسنت العلاقات السياسية".
وقال المحلل السياسي: "بالنسبة لطهران، فإن الفوائد السياسية لتطبيع العلاقات مع مصر هي الأهم، وتدعي حكومة إبراهيم رئيسي أنها مصممة على تنفيذ سياسة الجوار الخاصة بها المتمثلة في التعامل مع دول المنطقة، وتهدف هذه السياسة في جوهرها إلى تقويض السياسة الأميركية للضغط السياسي والاقتصادي على إيران وعزلها. لا شك أن مصر جائزة كبرى لإيران".
جمال الشلبي: المصلحة تقتضي اليوم الإسراع في تطبيع العلاقات بين البلدين
أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الهاشمية جمال الشلبي اعتبر في حديثٍ مع "العربي الجديد": "بما أن السياسة تقوم على المصالح، فالمصلحة تقتضي اليوم الإسراع في تطبيع العلاقات بين البلدين وتبادل السفراء في ظل ظروف سياسية واقتصادية صعبة ومعقدة على الجميع، فضلاً عن إدراكهما، كقوى إقليمية، بروز نظام دولي جديد يقوم على التحالفات والتكتلات السياسية والاقتصادية".
وأضاف: "قد تشكل رغبة مصر وإيران في الانضمام إلى بريكس (التجمع الذي يضم روسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل) فرصة إضافية لتجاوز الماضي، والتفكير بعقلانية أكثر، وبواقعية أسرع نحو الآخر".
ولفت الشلبي إلى أن "التقارب المصري الإيراني، وإن كان في بدايته، إلا أنه لم يكن ليرى النور لولا الدور الكبير والعميق لسلطنة عمان، والوساطة العراقية الفاعلة التي يقودها السوداني. ولا أعتقد أن هذه الوساطات العمانية والعراقية كانت لتظهر لولا وجود ضوء أخضر من جانب مصر وإيران اللتين تقبلان بدورهما واقتراحاتهما التي ستقود بالضرورة إلى تبادل السفراء، وتطبيع العلاقات، والبدء في مرحلة سياسية جديدة بعيدة كل البعد عن كل أشكال التوتر والتأزيم".