تمر العلاقات المصرية والإماراتية بحالة من الفتور منذ بضعة أشهر، على مستوى عدد من الملفات الساخنة التي تمر بها المنطقة، وتلعب فيها أبوظبي دوراً فاعلاً، بالإضافة إلى الملفات المشتركة بين البلدين. في هذا الإطار، تحدثت مجموعة من المصادر على اطلاع بملفات الشراكة المصرية الإماراتية، لـ"العربي الجديد"، عما وصفته بتنامي حالة من الاستياء لدى صنّاع القرار في مصر، من مواقف حكّام دولة الإمارات أخيراً، بسبب تجاهل مطالبات مصرية متكررة حول عدد من الأزمات. في مقابل ذلك، تلح أبوظبي على حصد أكبر قدر من المكاسب جراء علاقتها بالقاهرة، على اعتبار أنه تسديد فواتير سابقة دفعتها الإمارات للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال السنوات الأربع الأولى التي أعقبت إطاحته بالرئيس الراحل محمد مرسي، من حكم مصر، ومحاربة جماعة "الإخوان المسلمين".
توجيهات عليا بمراجعة رئاسة الجمهورية المصرية، قبل الشروع في التجاوب مع أي مقترحات إماراتية بشأن المواقف المشتركة بين البلدين
وبحسب مصادر دبلوماسية، فإن "هناك توجيهات عليا بمراجعة رئاسة الجمهورية المصرية، قبل الشروع في التجاوب مع أي مقترحات إماراتية بشأن المواقف المشتركة بين البلدين في عدد من ملفات المنطقة"، مضيفة "هذا التوجه على الرغم من أنه لم يصدر في أوامر كتابية، إلا أن العاملين على ملفات مشتركة مع الإمارات يدركون جيداً التغير في السياسات العامة، ولا ندري ما إذا كان نهجاً جديداً دائماً أم أنه موقف عابر".
مقابل ذلك، قال مصدر خاص لـ"العربي الجديد"، إن "السياسات الإماراتية تجاه مصر، متغيرة منذ فترة، ربما لأن صنّاع القرار هناك يرون أنهم قدموا الكثير من الدعم المالي للقاهرة خلال فترات سابقة، من دون أن يجنوا مقابلاً يوازي حجم ما أنفقوه، بخلاف تنفيذ سياستهم الرامية لمحاصرة جماعة الإخوان وتيار الإسلام السياسي". وبحسب المصدر، "اشترطت الإمارات في وقت سابق عدم تقديم أي دعم مالي جديد للنظام المصري من دون إشراف لجان متخصصة من جانبها على أوجه هذا الإنفاق، لضمان تحقيق أقصى استفادة منه"، مؤكداً أن "هذا التوجه أغضب الدوائر المصرية المختصة، إلا أنها قبلت في مرحلة من المراحل تحت ضغط الحاجة إلى تلك التمويلات"، لافتاً إلى أن تلك الفترة هي التي شهدت وجود أحد الوزراء الإماراتيين بشكل شبه دائم في مصر.
وأضاف المصدر "منذ ذلك الحين بدأت سياسات القاهرة تتغيّر نحو الجانب الإماراتي وإن كان ذلك بشكل طفيف، ليتحوّل الموقف إلى أن القاهرة رهنت أي دعم من جانبها لمواقف الإمارات في أي قضية سواء ليبيا أو الصراع بين أنقرة وأبوظبي في منطقة البحر الأحمر، بمقابل واضح يتم التوافق عليه، وهو ما سبّب استياء لدى أبوظبي، إلا أنها تجاوبت مع تلك السياسة الجديدة". وتابع المصدر "بعد ذلك بدأت الإمارات تدرك نوايا التغيير عند حليفها الذي مكّنته من حكم مصر وفقاً لما تتصوروه أبوظبي، فسعت خلال العامين الماضيين لامتلاك أوراق ضغط في يدها تمكّنها في أي وقت من ابتزازه بها، في حال وصل الخلاف بينهما إلى طريق مسدود في أي مواقف مشتركة".
في السياق نفسه، قال مصدر آخر إن "ملف المساعدات المالية، كان أول ملفات الخلاف أو من الممكن القول إنه ما فجّر الخلاف، إذ أكدت الإمارات أنها لن تُقدّم دعماً مالياً مطلقاً بعد ذلك، ولكنها من الممكن أن تدفع باستثمارات تابعة لها، شريطة حصولها على امتيازات مناسبة، وفرص تنافسية أعلى مما قد تحصل عليه حال استثمار تلك الأموال في دول أخرى". وأكد المصدر أن سياسة النظام المصري الحالية الخاصة بتخفيض أوجه الدعم المقدم لفئات عريضة من المواطنين، وزيادة أسعار عدد من الخدمات المقدمة، وجمع أموال نظير مخالفات البناء، وإخلاء عدد من المناطق الحيوية، المملوكة للمواطنين، وتحويلها لمشاريع استثمارية، تحت مسمى المنفعة العامة، كلها أمور طرحها أحد الوزراء الإماراتيين الذي أشرف على ملف التمويل سابقاً، بعد أن كرر النظام المصري طلبات الدعم المالي من حكومة أبوظبي، حيث كان يرفض السيسي في السابق المساس بتلك الملفات خشية الغضب الشعبي في أوقات سابقة. وأضاف المصدر: "موقف الإمارات المائع بشأن أزمة سد النهضة، وفتحها خط اتصال دائم مع إثيوبيا، من دون الالتفات للمطالبات المصرية المتكررة، باستغلال تلك العلاقات في مساعدة القاهرة، بل في مقابل ذلك دعمت أديس أبابا مالياً أكثر من مرة، وهو ما نقل رسالة سلبية للغاية لصانع القرار المصري، الذي لم يجد في يده ما يعبّر به عن غضبه تجاه أبوظبي".
موقف الإمارات المائع بشأن أزمة سد النهضة، وفتحها خط اتصال دائم مع إثيوبيا، نقل رسالة سلبية لصانع القرار المصري
وأشار المصدر إلى أن "ليبيا وملف العلاقات مع تركيا كانا الملفين اللذين استطاع صانع القرار المصري، الضغط من خلالهما على الإمارات، أو رد الابتزاز الذي حدث معه في ملفات أخرى"، مستطرداً: "الازمة الليبية على مدار عام ونصف العام، شهدت تباينات كثيرة بين القاهرة وأبوظبي بعضها ظهر للعلن والبعض الآخر ظل طي الكتمان"، مؤكداً أن "هناك خلافات عميقة وصلت إلى حد احتداد في النقاش بين قيادات عليا خلال إحدى الزيارات إلى مصر".
وكانت مصادر عربية ومصرية خاصة، قد كشفت قبل أيام عما وصفته بـ"خلافات عميقة"، بين مصر والإمارات بسبب "ترتيبات تمهيدية ومشاورات بشأن حفر قناة مائية جديدة تربط بين البحرين المتوسط والأحمر، مماثلة لقناة السويس المصرية". وقالت المصادر إن هناك حالة غضب شديدة داخل الدوائر المصرية المعنية، جراء التصرفات الإماراتية الإسرائيلية، في الوقت الذي تبذل فيه القاهرة جهوداً كبيرة للتخديم على ملفات لصالح كل من أبوظبي والاحتلال، على حد تعبير المصادر. وأضافت المصادر أن خطورة تلك التحركات الإسرائيلية الإماراتية في هذا الملف تكمن في كون تلك الخطوة تهدد مصير ومستقبل قناة السويس، التي تمثل مدخلاً مهماً من مدخلات الاقتصاد المصري.