مصير مجهول للمعتقلين السياسيين في سجون الأسد... 100 ألف مفقود

باريس

عدنان أحمد

عدنان أحمد
11 ديسمبر 2024
100 ألف مفقود.. مصير مجهول للمعتقلين السياسيين في سجون الأسد
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- قضية المعتقلين في سجون النظام السوري: تعتبر من أبرز مظاهر معاناة السوريين منذ السبعينيات، حيث تحولت السجون إلى مصدر رعب، مع اعتقاد بوجود سجون سرية وتصفيات داخل المعتقلات.

- الإفراج عن المعتقلين والمفقودين: شهدت الفترة الأخيرة إطلاق سراح آلاف المعتقلين، لكن لا يزال هناك عدد كبير من المفقودين. تشير التقارير إلى أن عدد المعتقلين الموثقين يصل إلى 130 ألفاً، بينما أُفرج عن 30 ألفاً فقط.

- مصير السجناء السياسيين والسجون السرية: لا يزال مصير العديد من السجناء السياسيين مجهولاً، مع تقارير عن سجون سرية. تطالب منظمات حقوقية بإشراف مستقل على عمليات الإفراج لضمان العدالة.

تشكل قضية المعتقلين في سجون النظام السوري أحد أبرز جوانب معاناة السوريين طيلة حكم عائلة الأسد منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي، بعدما تحولت سجون الأسد والأجهزة الأمنية التي تقوم بعمليات الاعتقال، إلى مصدر رعب لدى عموم المواطنين، والذين شاع بينهم منذ سنوات مقولة "الداخل إلى تلك السجون مفقود، والخارج مولود".

وتشرح المشاهد التي تُلتقط للمفرج عنهم من تلك السجون، والذين قضى بعضهم سنوات طويلة داخل أقبيتها، حجم المعاناة التي عاشوها، فيما يسود اعتقاد لدى الأهالي ممن لم يعثروا على أبنائهم بين المفرج عنهم، أن هناك سجون سرّية لم يصلوا إليها بعد. وأعلن الدفاع المدني السوري، مساء أول من أمس الاثنين، انتهاء عمليات البحث في سجن صيدنايا من دون العثور على معتقلين جدد. وتميل المنظمات الحقوقية إلى الاعتقاد بأنه جرى بالفعل إطلاق كل المعتقلين الأحياء، أما من لم يعثر عليهم في سجون الأسد بعد، فالأرجح أنه تمّت تصفيتهم داخل تلك المعتقلات. كما لم تظهر أي معلومات موثوقة بشأن مصير العديد من السجناء السياسيين المعروفين، والذين من المعتقد أن بعضهم توفي في السجن.

فضل عبد الغني: المختفون وعددهم 100 ألف لم نعثر عليهم، وربما يكون معظمهم قتلوا تحت التعذيب

وكانت مجموعات محلية بمشاركة الأهالي، اقتحمت فجر الأحد الماضي، سجن صيدنايا، حيث جرى إطلاق سراح آلاف المعتقلين والأسرى من داخله، وسط أنباء تفيد بوجود عدد كبير من المعتقلين ما زالوا عالقين في الأقبية السرّية، نتيجة عدم تمكن المقتحمين من فتح الأبواب المؤدية إلى الطوابق السفلية. غير أن دياب سرّية، المسؤول في "رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا"، أكد عدم وجود أي معتقل داخل أسوار سجن صيدنايا حالياً.

وقال سرّية في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الأقسام المخفية تحت الأرض التي يُشار إليها، هي نفسها أقسام المنفردات (السجن الانفرادي)، وهي موجودة في طابق واحد تحت الأرض، وليس ثلاثة طوابق، وقد جرى إطلاق سراح جميع المعتقلين من هذه الأقسام وعددهم نحو 250 معتقلاً.

كما نفى سرّية في تسجيل صوتي ما يجري تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول وجود أبواب سرّية مقفلة أو طوابق مخفية لم يجر الوصول إليها بعد. وأكد أنه لم يبق معتقلون داخل السجن، موضحاً أن الرابطة لا تملك حتى الآن قوائم بأسماء المعتقلين، ما يبرر عدم تلقي العديد من الأهالي الذين يتواصلون مع الرابطة أي رد حول مصير ذويهم.

من جهته، قال مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، لـ"العربي الجديد"، إنه يوجد في الموقع رسم بياني لعدد المعتقلين والمختفين، وعدد المعتقلين الموثقين لدى الشبكة في عموم سورية هو حوالي 152 ألفاً، منهم 130 ألف معتقل في سجون الأسد. وأوضح أن عدد المعتقلين المفرج عنهم خلال اليومين الماضيين، بلغ 30 ألفاً، لكن المختفين وعددهم 100 ألف لم نعثر عليهم، وربما يكون معظمهم قد قُتل تحت التعذيب. ورأى المحامي فضل عبد الغني، أن أحداً لا يستطيع الجزم بمصير من لم يُحرر من سجون الأسد خلال اليومين الماضيين، وهؤلاء إما توفوا تحت التعذيب، أو جرى نقلهم إلى أماكن احتجاز أخرى غير معروفة حتى الآن.

وأضاف عبد الغني: "لقد أوصينا إدارة المعارضة بتجنب الإفراج العشوائي عن معتقلين من دون مراجعة دقيقة لملفاتهم، لأن ذلك قد ينجم عنه إطلاق سراح أفراد متورطين في ارتكاب جرائم، مما يُلحق ضرراً إضافياً بالضحايا وأسرهم. كما قد تُفسّر قرارات كهذه على أنها دليل على غياب الجدية في تحقيق العدالة، ما يؤدي إلى زعزعة ثقة المجتمع بالقضاء وتعزيز شعور عام بعدم الأمان".

وشدّد عبد الغني على أنه من الضروري أيضاً ضمان الإفراج عن المعتقلين السياسيين الذين احتجزهم النظام السوري تعسفياً وتعرضوا للتعذيب الوحشي، لكن الإفراج غير المنظم قد يُستغل من قبل بعض الأطراف لتبرير إطلاق سراح مرتكبي الجرائم، ما يضر بملف المعتقلين السياسيين ويضعف مصداقية المطالبات الحقوقية. وحثّ على اتباع آليات واضحة ومدروسة في عمليات الإفراج، تقوم على دراسة ملفات المعتقلين في سجون الأسد بدقة، لضمان التمييز بين المعتقلين السياسيين والمجرمين المتورطين في أعمال تهدد الأمن المجتمعي، وذلك تحت إشراف حقوقي مستقل، عبر تكليف منظمات حقوقية مستقلة بالإشراف على عمليات الإفراج لضمان تحقيق العدالة. كما تحدث عن ضرورة إشراك الضحايا أو ممثليهم في اتخاذ القرارات المتعلقة بالإفراج عن مرتكبي الجرائم الكبرى، لضمان احترام حقوقهم.

أبرز الشخصيات التي لم يُعرف مصيرها بعد، عبد العزيز الخير، القيادي في حزب العمل الشيوعي

السجناء السياسيون.. معظمهم لا يُعرف مصيرهم

وعلى غرار عشرات آلاف السجناء الآخرين، لم يتضح مصير السجناء السياسيين المعتقلين لدى نظام الأسد، وفي مقدمتهم عبد العزيز الخير وخليل معتوق ورجاء الناصر.

ومن الشخصيات المعروفة التي أطلق سراحها من سجون الأسد بعد سقوط النظام، هي الناشطة طلّ الملوحي، وهي من مواليد 1991 بمدينة حمص، واشتهرت بتعليقاتها التي نشرتها على مدونتها، وتناولت مواضيع سياسية واجتماعية، وبسببها اعتقلها النظام السوري وهي لم تتجاوز بعد الـ18 من عمرها عام 2009، ووجهت إليها السلطات آنذاك تهم تتعلق بالتجسس والتعامل مع جهات خارجية، وهو ما نفته عائلتها بشدة. وحكم على طل في 14 فبراير/شباط 2011 بالسجن مدة خمس سنوات، بتهمة إفشاء معلومات لدولة أجنبية. وكانت الملوحي تنشر عبر مدونتها مطالبة الرئيس المخلوع بشار الأسد بالإسراع في التحول الديمقراطي في البلاد ومكافحة الفساد. وتداولت منصات التواصل خبر تحرير طل الملوحي من قسم النساء في سجن عدرا بعد دخول قوات المعارضة إلى دمشق، بعد أن أمضت نحو 14 عاماً من عمرها في المعتقل.

وإضافة إلى الملوحي، جرى أيضاً تحرير رغيد الططري، الذي يعد من أقدم السجناء السياسيين في سورية والعالم، بعد 43 عاماً من الاعتقال. اعتقل الططري عام 1981، عندما كان يبلغ من العمر 27 عاماً، حين رفض الامتثال لأوامر عسكرية بقصف مواقع في مدينة حماة خلال الاحتجاجات التي شهدتها المدينة آنذاك، ليُعتقل على إثر هذا الموقف، إذ جرى احتجازه في ظروف قاسية، وقضى سنتين في زنزانة انفرادية في سجن المزة، قبل أن يُنقل إلى سجن تدمر سيئ السمعة، حيث بقي حتى عام 2000. ثم نُقل إلى سجن صيدنايا، وفي عام 2011 إلى سجن عدرا المركزي في دمشق.

أما الشخصيات الأخرى التي لم يعرف مصيرها بعد، ربما أبرزهم عبد العزيز الخيّر، القيادي في حزب العمل الشيوعي، وعضو هيئة التنسيق الوطنية المعارضة التي كانت تعمل من داخل سورية. وبدأ عبد العزيز الخير نشاطه السياسي في حزب العمل الشيوعي وكان قيادياً بارزاً فيه، حتى انتخب عضواً في اللجنة المركزية والمكتب السياسي للحزب في أغسطس/آب 1981. ترأس تحرير صحيفة النداء الشعبي، واعتقله النظام السوري في فبراير/شباط 1992 بسبب انتمائه لحزب العمل الشيوعي ليظل معتقلاً في سجن صيدنايا حتى عام 2005، حين أفرج النظام عنه بموجب عفو رئاسي. لكن الخيّر عاد إلى نشاطه السياسي عقب خروجه وانضم إلى تحالف إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي، وانتخب نائباً لرئيس الإعلان لينسحب منه لاحقاً.

يطالب حقوقيون بعدم الإطلاق العشوائي للسجناء، ويعمل بعضهم على توثيق أسماء المفرج عنهم

وبعد انطلاق الثورة السورية، شارك الخيّر في تأسيس هيئة التنسيق الوطني لقوى التغيير الديمقراطي، وتولى منصب رئيس مكتب الشؤون الخارجية فيها. في 20 سبتمبر/أيلول 2012 اعتُقل مع زميليه إياس عياش وماهر طحان من قبل النظام السوري عقب عودته من زيارة للصين كانوا يمثلون هيئة التنسيق خلالها. وقد نفى حينها النظام اعتقال أي منهم، زاعماً أن الخيّر اختُطف على أيدي "جماعة إرهابية"، ولا يزال مصيره مجهولاً حتى اليوم. وقد تداول ناشطون أن الخيّر أطلق سراحه فعلاً، بينما نفى آخرون ذلك، ولم يُؤكد الأمر حتى الآن.

ومن الشخصيات السياسية المعروفة أيضاً المحامي خليل معتوق، الذي اعتقل في أكتوبر/ تشرين الأول 2012، أثناء توجهه في سيارته إلى عمله من منزله في صحنايا، إحدى ضواحي العاصمة دمشق. واشتهر معتوق في الداخل السوري بنشاطه الكبير في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، وعن العديد من السجناء السياسيين السوريين. وفي عام 2004 عمل معتوق مراقباً في منظمة العفو الدولية في إيران. وكان معتوق رئيساً للمركز السوري للدفاعِ عن سجناء الرأي، كما عمل مديراً للمركزِ السوري للدراسات والبحوث القانونية، ما سبّب له مشكلات مع سلطات النظام السوري.

ومن السياسيين المغيبين في سجون الأسد أيضاً، الكاتب والناشط الكردي حسين عيسو، الذي لم يتضح مصيره بعد إطلاق سراح المعتقلين في سجون النظام. اعتقل عيسو في سبتمبر/أيلول 2011 بعد خروجه في تظاهرة ضد النظام السوري، كان نظّمها مع عدد من أصدقائه وشارك فيها نحو ألفي شخص من مواطني الحسكة، شمال شرقي سورية.
ووفق تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش، فإن عيسو نقل إلى فرع المخابرات الجوية في حي المزة بدمشق في ديسمبر/كانون الأول 2012. ونقلت المنظمة عن شخص كان برفقته في السجن، أنه حين رآه في ذلك الوقت كان نصفه السفلي مشلولاً نتيجة تلف عصبي شوكي، لم يكن مصاباً به من قبل. وعيسو من مواليد عام 1950، ويتحدر من مدينة الدرباسية في الحسكة، وكان في الـ65 من عمره عند اعتقاله، ويعاني من أمراض مزمنة وضعف في النظر.

وهناك أيضا رجاء الناصر، وهو حقوقي وسياسي قومي ناصري معارض، وأمين سر اللجنة المركزية في حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي، وأمين سر هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي. شارك الناصر بعد اندلاع الثورة السورية، في تشكيل هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي، وكان أميناً للسر. وساهم من خلال موقعه في عقد المؤتمر الوطني لإنقاذ سورية في 24 سبتمبر 2012. اعتقلته قوات النظام في مدينة دمشق في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2013 وما زال مصيره مجهولاً حتى الآن.

ومن الشخصيات أيضاً، سكرتير تحرير جريدة قاسيون سابقاً، جهاد محمد، وهو من مواليد عام 1968 في منطقة القلمون لعائلة يسارية. ومنذ مارس/آذار 2011، نشر جهاد عدداً من المقالات التي تناصر المطالب الإصلاحية للثورة السورية، وانتقد فيها قمع قوات الأمن السورية العنيف للمحتجين السلميين. وفي 10 أغسطس 2013 اعتقلته قوات الأمن بالقرب من شارع الثورة وسط دمشق، وتبيّن في ما بعد وجوده في الفرع 215 وشعبة المخابرات العسكرية.

سجون الأسد السرّية

وأكد العديد من الناشطين والمعتقلين السابقين وجود سجون ومعتقلات سرّية لم يتم الوصول إليها حتى الآن، فيما تعهدت إدارة العمليات العسكرية التي أدارت معركة الفصائل بتأمين وحماية كل من يبلغ عن السجون السرية، فضلا عن تقديم "مكافأة مجزية له".

وكتب الناشط والمعتقل السابق رأفت الحلح، في منشور على "فيسبوك"، أنه يوجد سجن كبير في كفرسوسة تحت مبنى إدارة أمن الدولة، يمتد من أول مفرق البرامكة وصولاً إلى طريق المتحلق الجنوبي، وفي داخله آلاف المعتقلين، إضافة إلى سجن في باب مصلى تحت البحرة يتم الدخول إليه من مبنى الأمن الجنائي، ويمتد من أسفل مبنى الفرع وتحت ساحة باب مصلى وأسفل المسجد الذي عند الدوار، وفيه 14 معتقلاً سياسياً من أهم المعتقلين. كما يوجد سجن في مبنى الأيتام المواجه لإدارة أمن الدولة، وفيه نساء فقط، إضافة إلى سجن كبير بالقرب من كراج السومرية (دمشق) داخل مكتب أمن الفرقة الرابعة، فيه أكثر من 1700 معتقل وبينهم نساء وأطفال. وهناك سجن في الصبورة (ريف دمشق) داخل اللواء 41 من الفرقة الرابعة فيه 900 معتقل، وسجن عند دخول مطار المزة العسكري تحت المباني الإدارية وفيه ما يقارب ألفي معتقل.

وبهدف عدم الإطلاق العشوائي للمعتقلين في سجون الأسد من دون تسجيل بيانات المفرج عنهم، أو التدقيق في هوياتهم، عمل ناشطون على إنشاء منصة بوصلة لخدمة لمّ شمل الأسرى المفرج عنهم حديثاً مع عائلاتهم، تقوم على إدخال بيانات الأسرى المفرج عنهم حديثاً، لتسهيل البحث عنهم والتواصل معهم.

ذات صلة

الصورة
سوريون يصطفون أمام البنك المركزي في دمشق لاستبدال عملات، 30 ديسمبر 2024 (Getty)

سياسة

أعلنت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تخفيف بعض العقوبات على سورية، بغرض السماح بالمعاملات مع المؤسسات الحاكمة في سورية
الصورة
قد يستغرق كشف مصير المفقودين في سورية سنوات، 23 ديسمبر 2024 (كريس ماكغرات/ Getty)

مجتمع

تتداخل المعاناة الإنسانية مع الفراغ القانوني في قضية المفقودين في سورية، ما يجعلها تتطلب تضافر الجهود لتحقيق العدالة، وإقرار قوانين لكشف الحقائق.
الصورة
مساعدات قطرية في مطار دمشق الدولي - سورية - 2 يناير 2025 (إكس)

مجتمع

وصلت طائرة مساعدات ثالثة من دولة قطر إلى مطار دمشق الدولي، من ضمن الجسر الجوي القطري الذي أُطلق لإيصال الإمدادات إلى الشعب السوري بعد إطاحة نظام بشار الأسد.
الصورة
عناصر من جيش سورية الوطني، منبج 7 ديسمبر 2024 (حسين ناصر/الأناضول)

سياسة

يدور صراع دام في الأيام الأخيرة بين "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) وفصائل سورية منضوية في "الجيش الوطني السوري" التي تحاول السيطرة على سد تشرين.
المساهمون