تعقد المحكمة العليا في بريطانيا جلسة طارئة، اليوم الجمعة، للبتّ في ترحيل الدفعة الأولى لما يقارب من مائة لاجئ بعد أيام، وتحديداً في 14 يونيو/حزيران الجاري، في سياق ما يعرف إعلامياً بـ"خطة رواندا" المثيرة للجدل.
جهود حثيثة بذلتها ولا تزال منظمّات المجتمع المدني للوقوف في وجه خطة رواندا "غير الإنسانية"، كما يصفها معارضو الحكومة البريطانية، و"غير القانونية" بحسب العديد من المحامين المتطوّعين في هذه القضية.
100 لاجئ
وفق معطيات حصل عليها "العربي الجديد"، فإن الدفعة الأولى تشمل ما يقارب من مئة طالب لجوء، معظمهم من سورية ومصر والسودان وإيران وألبانيا.
وأثار قرار الحكومة البريطانية، في إبريل/نيسان الماضي، ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا الكثير من الجدل والمخاوف حول مصير من يصل إلى المملكة المتحدة طالباً اللجوء، فيجد نفسه في طائرة ترحيل نحو رواندا.
وفتح الاتفاق الموقع بين وزارة الداخلية البريطانية ونظيرتها في رواندا الكثير من الأسئلة حول هذه الخطة الجديدة، التي تقضي بترحيل طالبي اللجوء نحو رواندا، وعن كيفية تطبيق هذه الخطة والفئة التي ستشملها.
اليوم العصيب
وتقول الرئيسة التنفيذية لمنظمّة "التحرّر من التعذيب" صونيا سكيتز، لـ"العربي الجديد"، إنهم يتوقّعون كل الاحتمالات، وإنهم جاهزون للتصدّي لكل النتائج التي سيفضي إليها القرار النهائي بشأن الرحلة الأولى المقرّرة بعد أربعة أيام.
وعن السيناريوهات المحتملة لهذا "اليوم العصيب"، بحسب وصفها، تقول صونيا: "من المرجّح أن تكون جلسة استماع طويلة، يليها الإعلان عن القرار بشأن عملية الترحيل المقرّرة الثلاثاء المقبل".
ولفتت إلى أن مؤسّسة "التحرّر من التعذيب" توجّهت ليلة أمس، في خطوة استثنائية، برسالة مباشرة إلى المحكمة العليا للتعبير عن دعمها الأوامر الزجرية التي تقدّمت بها مجموعة من المحامين في هذا الشأن.
وفي حين بدت سكيتز متفائلة نوعاً ما بما ستفضي إليه جلسة الاستماع الطارئة في المحكمة العليا، لا يبدو مؤسس حملة "ليد باي دانكيز"، جيمس سادري، شديد التفاؤل، مفضّلاً تكهن أسوأ السيناريوهات الممكنة في انتظار قرار المحكمة.
عنصرية الحكومة الحالية
ويقول سادري في حوار مع "العربي الجديد" إن "هذه الخطّة تعكس مدى "عنصرية الحكومة الحالية"، التي قد لا تردعها كل هذه الحملات والجهود للمضي في خطّتها.
وأوضح أن المشكلة ربما لا تكمن في الحكومة الحالية كأفراد، بل في الصورة النمطية التي تروّجها حكومات اليمين المتطرّف في الكثير من الدول الأوروبية.
ونشرت حملة "ليد باي دانكيز"، صباح اليوم الجمعة، مقطعا مسجلا لا تتجاوز مدّته خمس دقائق، يظهر فيه مركز الاحتجاز "بروك هاوس" حيث توجد خلف الجدران مجموعة كبيرة من طالبي اللجوء المهدّدين بالترحيل إلى رواندا بعد أيام.
ويروي مقطع الحملة قصة أحد اللاجئين بالإنكليزية بصوت شخص آخر، خوفاً من "الملاحقة القضائية" بحسب الإعلان المرافق للمقطع المصور الذي نشر على "تويتر".
Johnson & Patel want to deport refugees to Rwanda before even hearing their stories. Many have fled repression & war
— Led By Donkeys (@ByDonkeys) June 10, 2022
We spoke to a Syrian held at a UK detention centre & recorded the call
Fearing retribution, his words are translated and spoken by an actor
This is his story pic.twitter.com/1vsG04j1Pt
ونستمع في المقطع المسجل إلى قصة شاب سوري هرب من سجون نظام بشار الأسد فوجد نفسه مسجوناً في "بلد الحريات"، ومهدّداً بالترحيل إلى البلد الأفريقي حيث ليست لديه أي صلات أو تجربة أو معرفة مسبقة.
ويقول منتجو الحملة إن "رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ووزيرة الداخلية بريتي باتيل قرّرا ترحيل اللاجئين إلى رواندا، حتى قبل أن يتكبّدا عناء الاستماع إلى قصصهم".
وشددوا على حقيقة أن الكثير من اللاجئين الموجودين في بريطانيا فرّوا من الحروب والقمع.
ومن المتوقع في أي لحظة أن نسمع قرار المحكمة العليا بخصوص الموعد الذي أعلنت عنه وزارة الداخلية قبل أقل من أسبوعين، حيث ستُرحّل الدفعة الأولى من طالبي اللجوء إلى كيغالي.
وحتى اليوم، لا تزال وزارة الداخلية متحفّظة للغاية حول التفاصيل المحيطة بهذه القضية، من حيث عدد الذين ستضمّهم الرحلة الأولى وأعمارهم وجنسياتهم وخلفياتهم وتواريخ دخولهم إلى الأراضي البريطانية.
إلا أن المنظمّات، التي تطوّعت للتصدّي لهذه الخطة منذ تاريخ توقيع الاتفاقية بين الحكومتين البريطانية والرواندية، استطاعت الوصول إلى عدد من المحتجزين في تلك المراكز الخاصة التابعة لوزارة الداخلية.
قرار غير قابل للطعن
وبحسب المعلومات المتوفرة لدينا حتى الآن، ثمة ما يقارب مائة طالب لجوء تضمّهم الرحلة الأولى، معظمهم من سورية ومصر والسودان وإيران وألبانيا، وصلوا إلى بريطانيا في فترات متقاربة بين العاشر من مايو/أيار والأول من يونيو/حزيران، وصلت إليهم رسائل إخطار من وزارة الداخلية حول نيّة الحكومة ترحيلهم على متن طائرة مباشرة إلى كيغالي في 14 يونيو.
ووفقاً للمعطيات ذاتها، فإن البعض وصلت إليه بطاقة الطائرة مرفقة برسالة تقول إن هذا القرار "غير قابل للطعن".
وقال مصدر خاص، لـ"العربي الجديد"، إن أحد من وصلت إليهم رسالة الإخطار تلك يحمل الجنسية المصرية، وبعدما نجح المحامي المتطوّع في قضيته بإلغاء قرار ترحيله إلى رواندا، بلّغته وزارة الداخلية أنها ستقوم بترحيله إلى بلده الأصلي، أي مصر.
وفي انتظار قرار المحكمة العليا، تقول سكيتز إن إلغاء المحكمة الرحلة المقرّرة بعد أربعة أيام سيتيح لها المزيد من الوقت للتدقيق بشكل أعمق في "شرعية" هذه الخطة "الشنيعة أخلاقياً"، بحسب وصفها.
وتضيف أن قرار المحكمة إلغاء الرحلة سيتيح لها وللمنظمات على حدّ سواء المزيد من الوقت، موضحة "سنكون أكثر قدرة على دراسة سبل تقديم الدعم اللازم لمساعدة المحاكم على فهم منعكسات هذه الخطة على الناجين من التعذيب واللاجئين إلى بريطانيا".
أما في حال لم تصدر المحكمة العليا قراراً قضائياً قبل يوم الثلاثاء المقبل، فإن وزارة الداخلية ستمضي في خطّتها، وسيتعيّن على كل طالب لجوء العثور على محام ضليع في هذه القضايا.
إلا أن المشكلة الأساسية تكمن في عجز طالبي اللجوء المحتجزين عن العثور على استشارة قانونية، خاصة أن معظمهم لا يتحدث الإنكليزية، إضافة إلى أن 34 ساعة لن تكون كافية بكل تأكيد.
وتؤكّد سكيتز أنه على الرغم من أهمية الدور الذي يلعبه القضاء في البلد الديمقراطي، لا يمكن الاعتماد عليه بشكل كامل، مشدّدة على ضرورة بذل كل الجهود الممكنة للعثور على سبل لإيقاف الترحيل.
شركات النقل المتواطئة
وتقول سكيتز إن شركات النقل المتواطئة مع وزارة الداخلية هي عنصر مهم أيضاً في عملية الترحيل هذه، مؤكّدة أنهم بعد البحث الطويل توصّلوا إلى هوية ثلاث شركات قد تكون هي الناقل التجاري المتواطئ.
وبحسب سكيتز، فإن شركات النقل هي "تايتن إيرويز" الشركة البريطانية الخاصة، و"بريفيليدج إيرلاينز" الشركة الإسبانية الخاصة ومقرّها مدريد، إضافة إلى "آيبيروجيت" الإسبانية أيضاً.
الجدير بالذكر أن 15 ألف رسالة كُتبت من منظّمات مختلفة وأرسلت، أمس الخميس، لهذه الشركات الثلاث، في محاولة للضغط عليها ولإنذارها بعدم "قانونية" هذه الخطة وما تمثّله من "انتهاك" لحقوق الإنسان.