تناقلت وكالات الأنباء والصحف في الأيام الأخيرة نبأ مطالبة سفير دولة الاحتلال لدى الأمم المتحدة، جلعاد أردان، بمنع السفير المصري السابق لدى المنظمة، معتز أحمدين خليل، من تدريب موظفيها. وكشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، يوم الاثنين الماضي، أن أردان طالب في كتاب رسمي، بإقالة خليل، مدّعياً أنه يعبّر في ورشات التدريب التي يشارك فيها في الأمم المتحدة، عن مواقف مناهضة لإسرائيل وغير موضوعية. وفي ظل صمت مصري رسمي تجاه الشكوى، كشفت مصادر دبلوماسية مصرية لـ"العربي الجديد"، عن تفاصيل عمل خليل لدى المنظمة الأممية في نيويورك بعيداً عن الدولة المصرية، التي سبق ولفظته خارج هيئتها الدبلوماسية باتهامات مرسلة من دون تحقيق.
اتهمت المخابرات خليل بالتواصل مع بهي الدين حسن في عام 2014
ووفقاً للمصادر، فإن خليل، المولود عام 1965، ترك العمل الدبلوماسي لصالح مصر، بعد ثلاث سنوات من التنكيل عاشها بين عامي 2014 و2017، بسبب ادّعاءات أمنية "بتعاطفه مع جماعة الإخوان المسلمين، ووجود صلة قوية بينه وبين النائب السابق لرئيس الجمهورية محمد البرادعي، أثناء عملهما في العاصمة النمساوية فيينا". والتحق خليل بالسلك الدبلوماسي المصري عام 1999، وعمل نائباً لسفير مصر في النمسا، ثم اختير للعمل نائباً لمندوب مصر في الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا. وعمل في البعثات المصرية في المغرب ونيويورك، وشغل منصب مدير شؤون البيئة والتنمية المستدامة في وزارة البيئة قبل ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011. وفي الاعتداء الذي استهدف السفارة المصرية في إسلام آباد ـ باكستان في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 1995، قُتل شقيقه الأكبر أحمد نمير أحمدين خليل.
وفي أعقاب ثورة يناير ورضوخ المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكمة لضغوط الدبلوماسيين المصريين المتعاطفين مع الثورة، لاستبعاد السفراء الموالين لنظام المخلوع حسني مبارك من العواصم الرئيسية والبعثات الدولية ذات الأولوية، اختير خليل لشغل منصب رئيس البعثة المصرية الدائمة لدى الأمم المتحدة في مايو/ أيار 2012. وهي حركة تعمّد المجلس العسكري إجراءها قبل حسم انتخابات الرئاسة، خوفاً من وصول "الإخوان المسلمين" أو مرشح ثوري آخر لرئاسة الجمهورية، واختيار سفراء لمصر لا ترضى عنهم الدولة. بالتالي اتُبعت الإجراءات الأمنية المعتادة في مصر لاختيار ممثليها في المواقع الدولية الرفيعة مع خليل، لكن استقلالية أفكاره وعدم تبعيته للاستخبارات أو الأجهزة الأمنية برزت لاحقاً.
وخلال فترته في نيويورك، والتي امتدت إلى يوليو/ تموز 2014، عندما أطاح به رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي ووزير خارجيته سامح شكري، التزم خليل الموضوعية والتعبير عن اتجاهات الدولة الرسمية، سواء تحت حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، أو خلال الفترة الانتقالية برئاسة المستشار عدلي منصور، أو بعد تولي السيسي الرئاسة بفترة وجيزة لم تتجاوز الشهر. وعلى الرغم من ابتعاده عن مواقع التواصل الاجتماعي والتعبير عن آرائه الشخصية، في خضمّ مراقبة المخابرات سلوك السفراء بعد انقلاب الثالث من يوليو 2013، إلا أن الهجوم السياسي والدعائي على خليل بدأ في أغسطس/ آب من العام ذاته، عقب فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة. وعلل النظام الهجوم على خليل بأنه لم يدافع عن قرار الفض الذي دانته الأمم المتحدة ومختلف الوفود الدائمة بها ومنظمات دولية أخرى.
وفي مطلع عام 2014 سجلت المخابرات، بحسب المصادر، اتهاماً آخر لخليل، الذي ارتأى النظام استمراره لحين إيجاد بديل، عندما استقبل المعارض الحقوقي المطلوب على ذمة بعض القضايا في ما بعد، بهي الدين حسن، في نيويورك. وكان لحسن في ذلك الوقت نشاط كبير في تعريف الدول الغربية بممارسات القمع المبكرة من النظام المصري، على الرغم من أن المقابلة كانت معلنة وتم تقديم تقرير رسمي بها إلى وزارة الخارجية المصرية.
في يوليو 2014 وبعد تمهيد بدفع عدد من الصحف الموالية للنظام والحسابات المسيّرة بمواقع التواصل الاجتماعي، التي أشاعت أنه اختير لمنصبه بتوصية من رئيس مجلس الشعب الأسبق، القيادي الإخواني محمد سعد الكتاتني، استدعت الخارجية خليل من نيويورك ليعمل في ديوان الوزارة في مصر. بعدها، أُحيل للتحقيق مرات عدة وتم اتخاذ إجراءات عقابية ضده، من دون أدلة على مدار ثلاث سنوات تقريباً، انتهت عام 2017 بإحالته إلى وظيفة إدارية بوزارة النقل، إلى جانب 12 سفيراً آخرين اعتبرتهم المخابرات العامة غير أوفياء كفاية للنظام الحاكم.
الهجوم السياسي والدعائي على خليل بدأ في أغسطس/ آب من العام 2013
لم يقبل خليل بالطبع العمل بوزارة النقل، فاستقال وبدأ رحلة البحث عن عمل يناسب قدراته وخبراته، فاختارته الأمم المتحدة للعمل لديها وكلّفته بالعمل في ملفات مختلفة خلال العامين الأخيرين، فعمل مدرباً في وكالة "يونيتار" للتأهيل والتدريب المهني الدبلوماسي التابعة للمنظمة الأممية، ومساعداً للمبعوث الأممي الخاص بلبنان. ويدرب خليل في الدورات، التي بدأت أحدثها عن بُعد أول من أمس الثلاثاء، الدبلوماسيين على أساليب التفاوض والتعامل مع قضايا حقوق الإنسان والتنمية المستدامة واستعراض أفكار إصلاح المنظمة الأممية وأجهزتها وبصفة خاصة مجلس الأمن، مع التركيز على بعض قضايا الشرق الأوسط.
وكان السفير الإسرائيلي قد ذكر في شكواه الرسمية أنه في دورة التدريب السابقة دسّت البعثة الإسرائيلية مندوباً عنها كمخبر، ووثّقت ما وصفته "افتراءات عليها من قبل الدبلوماسي المصري"، مثل قوله في جلسة التدريب المذكورة، بحسب إدّعاء البعثة إن "إسرائيل لا تحترم حقوق الإنسان، وأنه ساوى بينها وبين إيران في هذا المجال". وادّعت البعثة أيضاً أن ذلك يشكل "حدثاً لا يثبت فقط إيمان بعض الدول في المنظمة الدولية بأفكار معادية لإسرائيل وتعمل ضدها، بل موجودة أيضاً داخل أجزاء في جهاز المنظمة، التي يفترض فيها أن تعمل بموضوعية".
وكشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في هذا السياق أن المخبر الذي تم دسه في دورة التدريب نقل عن خليل تذكيره للحضور بأنه مؤيد لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة التاريخي رقم 3379 بمساواة الصهيونية بالعنصرية، وأنه معارض لقرار إلغائه الذي صدر عام 1991 كشرط لدخول دولة الاحتلال في مفاوضات مدريد، وآنذاك كانت مصر قد غابت عن جلسة التصويت في الجمعية العامة.