مفاوضات غزة... سيناريوهات أكثر تفاؤلاً

19 ديسمبر 2024
خيم المهجرين في خانيونس، 17 ديسمبر 2024 (عبد الرحيم خطيب/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أهمية المفاوضات الحالية: تكتسب المفاوضات أهمية بسبب الدفع الأميركي من إدارة ترامب ورغبة إدارة بايدن في اتفاق مرحلي، مع تأثير وقف إطلاق النار في لبنان والتحولات السياسية في سوريا.

- التحديات والضغوط: تواجه المقاومة الفلسطينية تحديات داخلية، بينما يعاني الجانب الإسرائيلي من فشل استعادة الأسرى. الضغوط الأميركية تدفع نحو صفقة، مع تسريبات عن اقتراب الاتفاق وسط سرية.

- المتغيرات السياسية: المتغيرات الدولية والإقليمية، مثل قدوم إدارة أميركية جديدة، تؤثر على المفاوضات. الضغوط على نتنياهو وإدراك حماس للتغييرات تدفع نحو النجاح، رغم عدم وجود ضمانات كافية.

يبدو سيناريو المفاوضات الحالية المتعلقة بوقف إطلاق النار والوصول إلى صفقة تبادل بين المقاومة الفلسطينية من جهة والاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى، في قطاع غزة، مختلفا عن الجولات السابقة من مفاوضات غزة التي فشلت في الوصول إلى اتفاق حقيقي، على الرغم من نضوج المفاوضات مرتين في شهري مايو/أيار ويوليو/تموز الماضيين. وفي كل مرة كان رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يُفشل المفاوضات بذرائع عدة، ما كان يعيدها إلى نقطة الصفر من جديد، سواء عبر عمليات الاغتيال التي طاولت قيادات في حركة حماس مثل صالح العاروري (في لبنان) ثم إسماعيل هنية (في طهران) أو الاتجاه شمالاً نحو فتح جبهة لبنان. غير أنه ومنذ فوز الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة مجدداً في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وموقفه الواضح والمعلن بأنه يريد صفقة تبادل واستعادة للأسرى قبل موعد تنصيبه رسمياً في البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني المقبل، تسارعت الخطوات واستعادت مفاوضات غزة زخمها.

مفاوضات غزة في جولة جديدة

تكتسب الجولة الحالية من مفاوضات غزة أهمية قصوى، لا سيما مع الدفع الأميركي تجاهها من قبل الإدارة الجديدة ورغبة الإدارة منتهية الولاية برئاسة جو بايدن في الوصول إلى اتفاق ولو مرحليا خلال الفترة المتبقية من حكمها. وتحضر عوامل عدة قد تؤدى إلى الوصول لصفقة جزئية خلال المرحلة الراهنة على أقل تقدير، أبرزها وقف إطلاق النار في لبنان، بالإضافة إلى الإطاحة بالنظام السوري الذي كان يقوده بشار الأسد، والانشغال الدولي في التحول السياسي في سورية.

استعادت المفاوضات زخمها بدفع من إدارة ترامب خصوصاً

بالتوازي مع ذلك، فإن المقاومة الفلسطينية تبدو في مرحلة تحتاج فيها إلى إعادة ترتيب أولوياتها وأوراقها بشكل يعزّز من الجبهة الداخلية لا سيما مع اشتداد أزمة التجويع وانتشار المجاعة بشكل كبير في صفوف الفلسطينيين في القطاع.

ومع استمرار الحرب، ثمّة عوامل متعلقة بالجانب الإسرائيلي تتمثل في فشل استعادة الأسرى أحياء على نحو واسع، وعدم القدرة على إيجاد بديل حتى الآن لليوم التالي يخلف حركة حماس في إدارة شؤون القطاع. في المقابل، فإن الضغوط الأميركية على نتنياهو وحكومته تبدو من بين مسببات التوجه نحو إبرام صفقة خلال الوقت الراهن، الأمر الذي يجعل فرضية الوصول إلى اتفاق مرحلي وهدنة أولية قائماً في المنظور القريب.

وخلال بداية الحرب الإسرائيلية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أسرت المقاومة الفلسطينية أكثر من 250 إسرائيلياً من بينهم ضباط وجنود في فرقة غزة، بالإضافة إلى عناصر من جهاز الأمن العام "شاباك"، عدا عن مدنيين من مستوطنات غلاف غزة. وتقدّر إسرائيل اليوم أن الأسرى الإسرائيليين الأحياء لدى حماس هم بحدود المائة.

وعلى مدار شهور، فإن عوامل أبرزها الاختلاف على طبيعة الصفقة وعودة النازحين إلى مناطق شمال القطاع والانسحاب الإسرائيلي من غزة ووقف الحرب تماماً، كانت المعضلة الرئيسية في الوصول إلى اتفاق شامل ينهي الحرب. غير أن التسريبات الأخيرة تشير إلى أن الأطراف يعملون على صفقة جزئية أو مرحلية، تقود في مراحلها الكلّية إلى انتهاء الحرب وإبرام صفقة تبادل شاملة بين الأسرى الفلسطينيين والإسرائيليين، بالإضافة إلى تلبية بعض مطالب المقاومة مثل وقف الحرب والانسحاب.

وتسارعت التسريبات في الأيام الأخيرة عن اقتراب ولادة الصفقة بعد رسم ملامحها العامة، وسط سرّية تامة تعمل بها أطراف التفاوض إلى جانب تكتم شديد تفرضه الفصائل الفلسطينية وحركة حماس على مسارات مفاوضات غزة خشية من تعثر غير مستبعد نظراً إلى التجارب السابقة التي طاولت المفاوضات.

وتحدثت "حماس" بشكل واضح عن إمكانية الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في ظلّ المباحثات التي تشهدها العاصمة القطرية الدوحة، حيث قالت الحركة في تصريح أصدرته مساء أول من أمس الثلاثاء: "تؤكد حركة المقاومة الإسلامية حماس أنه وفي ظل ما تشهده الدوحة من مباحثات جادة وإيجابية برعاية الإخوة الوسطاء القطري والمصري، فإن الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى ممكن إذا توقف الاحتلال عن وضع شروط جديدة".

متغيرات تفرض نفسها

في الأثناء، يقول مدير مركز رؤية للتنمية السياسية أحمد عطاونة، إن جولة مفاوضات غزة الحالية مختلفة لاعتبارات متعلقة بالبيئة السياسية الدولية والإقليمية والداخلية مقارنة مع جولات المفاوضات السابقة التي جرت خلال حرب الإبادة الإسرائيلية. ويضيف عطاونة في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المتغيرات التي جرت خلال الفترة الماضية يمكن أن تُسهم في هدنة قريبة، لا سيما مع قدوم إدارة أميركية جديدة متمثلة في إدارة ترامب التي لا تريد أن تأتي في ظلّ حروب يشهدها الشرق الأوسط.

ويعرب مدير مركز رؤية للتنمية السياسية، عن اعتقاده بأن التحول الأول يتمثل في الجانب الأميركي، بالإضافة إلى التحول الآخر المرتبط بالبيئة الإسرائيلية وعدم التعويل على الجهد العسكري من أجل عودة الأسرى الإسرائيليين وعدم نجاحه فيها. ويشير عطاونة إلى أن هناك قناعة أصبحت راسخة أكثر لدى قيادة الحكومة الإسرائيلية ولدى الأحزاب المختلفة والجمهور في دولة الاحتلال، بأنه لا بد من عقد صفقة ولا بد من دفع ثمن من أجل إعادة الأسرى في غزة. ويرى أن البيئة الثالثة هي الأقل تنازلاً، وهي البيئة الفلسطينية المتمثلة في حركة حماس والمقاومة الفلسطينية التي كانت منذ البداية معنية بوقف العدوان ووقف إطلاق النار وإجراء عملية تبادل أسرى مقابل الأسرى الإسرائيليين.

ثمّة عوامل متعلقة بالجانب الإسرائيلي تتمثل في فشل استعادة الأسرى أحياء

أما عن الأسباب التي قد تدفع نحو الفشل، فيرى عطاونة أن أحدها يتمثل في عدم وجود ضمانات كافية تُلزم الحكومة اليمينية برئاسة نتنياهو، بالإضافة إلى عدم كون الأسرى أولوية قصوى بالنسبة لهذه الحكومة، علاوة عن اعتقاد هذه الحكومة بأنه يمكن تحميل 100 أسير في غزة ضمن خسائر الحرب واعتبارهم قتلى.

بدوره، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر، ناجي شراب، من غزة، إن المفاوضات عادة تتعلق ببيئة سياسية ومتعلقات مرتبطة بها، وهو ما يحصل حالياً عبر المتغيرات التي تشهدها المنطقة والمتغيرات الدولية. ويوضح شراب في حديث لـ"العربي الجديد"، أن من المتغيرات الجديدة هو أن حركة حماس لم تعد كما في السابق، والاحتلال لم يحقق أهدافه الكاملة في غزة، بالإضافة إلى الضغوط الداخلية على نتنياهو مثل المحاكمات والخلافات الداخلية.

ويلفت شراب إلى أن من بين العوامل المهمة الضاغطة، إدارة ترامب الجديدة التي لا تريد أن تنشغل في الحرب وأن تهتم بالقضايا الداخلية والمتغيرات الإقليمية، بالإضافة إلى إدراك حماس بالتغييرات التي شهدتها المنطقة وتحديداً في سورية. وبحسب أستاذ العلوم السياسية في الأزهر، هناك فرق بين الهدنة ووقف الحرب، فالهدنة تكون وقفاً مؤقتاً، أما وقف الحرب فيحتاج إلى أثمان سياسية، ينبغي على "حماس" تقديمها خلال المرحلة الثانية من الاتفاق.

ويعتقد شراب أن الأيام المقبلة قد تشهد إعلاناً لوقف الحرب لمدة تتراوح ما بين 40 إلى 60 يوماً تبنى عليها مراحل تالية بناء على المفاوضات التي ستشهدها المراحل التالية من الاتفاق الذي يسعى الوسطاء للوصول إليه.

وفشلت كل المحاولات السابقة بفعل الموقف الإسرائيلي، باستثناء محاولة لصفقة إنسانية جرت نهاية نوفمبر/تشرين الثاني تمّ خلالها الإفراج عن أسرى إسرائيليين يعتبرهم الاحتلال "مدنيين" مقابل نساء وأطفال وبعض التسهيلات المحدودة.

أحمد عطاونة: أحد أسباب الفشل يتمثل في عدم وجود ضمانات كافية تُلزم الحكومة اليمينية برئاسة نتنياهو

من جهته، يرى الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون، أنه للمرة الأولى يمكن القول إن ولادة الصفقة قريبة لأسباب عدة أبرزها طول المدة الزمنية وإفلاس الاحتلال وضجيج العالم بسبب القتل المستمر والمرونة التي قدمتها المقاومة الفلسطينية وتراكم الإرادات الإقليمية.
ويضيف المدهون في حديث لـ"العربي الجديد"، أن السبب الوحيد الذي قد يفشل مفاوضات غزة هو انقلاب نتنياهو على الاتفاق كما في كل مرة يتم الوصول فيها إلى اتفاق عبر الوسطاء ثم يقوم رئيس حكومة الاحتلال برفض تنفيذه. ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي أن المشهد الدولي بانتخاب ترامب وبقرب انتهاء الأزمة الأوكرانية والتغيير السياسي في سورية وإسقاط نظام الأسد وكذلك الصمود الفلسطيني على الصعيد الشعبي وفشل الاحتلال في الحسم، هي عوامل انعكست كلّها على المفاوضات.

ويلفت إلى أن حركة حماس معنية بوقف الإبادة ووقف الجرائم اليومية التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي، غير أن المهم الوصول إلى اتفاق سواء كانت بشكل جزئي مرحلي أو شامل يقود إلى وقف إطلاق النار مع اشتداد التجويع والقتل والمجازر بشكل يومي، بالإضافة إلى أهمية إعادة المهجرّين الفلسطينيين.