في مؤتمره الصحافي الخميس في استوكهولم، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن: "سنعرف في غضون اليومين القادمين ما إذا كانت إيران تنوي الانخراط في المفاوضات بنية حسنة أم لا"، ثم كرّر كلامه هذا بشيء من التحذير المربوط، ولأول مرة، بمدة محددة لا تتجاوز الـ 48 ساعة.
الجمعة، في ردّه على سؤال خلال مشاركته بعد ظهر أمس في المؤتمر العام لوكالة "رويترز" للأنباء، بدت لهجته أخف. قال إن الجولة السابعة لمفاوضات النووي الايراني في فيينا قد توقفت "للتشاور". وبذلك، تمددت فترة اليومين إلى الأسبوع المقبل، لإعطاء الوفد الإيراني فرصة لإجراء مشاورات مع القيادة في طهران حول آخر "المساومات".
هذا التشاور يذكِّر بنفس العملية التي قام بها وزير الخارجية محمد جواد ظريف، حين غادر المفاوضات في فيينا أواخر يونيو/حزيران 2015 في زيارة خاطفة إلى طهران، رجع منها بالضوء الأخضر لإبرام اتفاق 15 يوليو/ تموز.
يومذاك، كانت المفاوضات قد أشرفت على نهاياتها، وبما استلزم الموافقة الأخيرة والمباشرة من المرشد الأعلى علي خامنئي، على الإخراج وصياغة بعض البنود المتبقية التي جرى تدوير زواياها. في تلك اللحظة، كان الموقف الإيراني في غاية التشدد. فقبل أيام من التوصل إلى الاتفاق، ألقى المرشد علي خامنئي خطاباً أكّد فيه "وجوب رفع العقوبات عن إيران في نفس اللحظة التي يتم فيها التوقيع على الاتفاق"، وذلك خلافاً لاتفاق الإطار الذي كان جرى التوافق عليه في لوزان، والذي اشترط خفض إيران لقدرات تخصيب اليورانيوم وتفكيك أجهزة الطرد ونزع لبّ المفاعل العامل بالمياه الثقيلة، قبل رفع العقوبات. لكن بعد أيام قليلة تبخرت الشروط وجرى تطبيق الإطار.
الآن، يتكرر ذات السيناريو تقريباً. الوفد الإيراني يعود للتشاور في لحظة اقتربت فيها مفاوضات فيينا من نقطة الحسم، بعد أن "صارت الفرصة المتاحة ضيقة جداً" للخروج باتفاق ما، حسب الوزير بلينكن. والمعروف عنه أنه حرص إجمالاً على الابتعاد عن هذه اللغة، كما عن التلويح بسقف زمني محدد لتفاوض. الآن الخطاب تغير، لأن الإدارة تواجه الضغوط من المحافظين وإسرائيل.
مؤسسة "هاريتاج فاوندايشن" للدراسات بواشنطن، والتي تعتبر ترسانة الفكر المحافظ، نظّمت ندوة قبل يومين لإدانة عودة بايدن إلى المفاوضات لإحياء اتفاق 2015 "العبثي" كما وصفته. ومثل هذا الكلام يتردّد من على منابر المحافظين وخصوم الرئيس بايدن، خصوصاً في الأيام الأخيرة، بعد أن مرّرت إسرائيل معلومات تفيد بأن إيران تعمل على تخصيب اليورانيوم بنسبة 90 بالمائة، التي تُعتبر درجة تسليحية، وبما "يستدعي الانسحاب من المفاوضات".
بين مفاوضات 2015 ومفاوضات 2021
كذلك، يقال إن إيران أبدت خلال الجولة الأخيرة "أقصى التشدد" في شروطها، وطرحت مطالب "مستحيلة". وكأن ذلك ليس سوى نسخة عن تشددها في الأيام الأخيرة التي سبقت التوقيع على اتفاق 2015، خصوصاً أن الوزير بلينكن حرص على وضع التوقف عن التفاوض في إطار الانتظار لما بعد "التشاور"، وكأنه يتوقع تحولاً ما في الموقف الإيراني، ولو أنه لوّح "ببدائل"، رفض الإفصاح عنها، إن وصلت المفاوضات إلى الطريق المسدود.
القراءات في هذا الصدد متباينة. منها ما يرى أن ما جرى في مفاوضات 2015 لا يصحّ إسقاطه على مفاوضات 2021 لأن المعطيات اختلفت. إيران بيدها أوراق لم تكن بحوزتها قبل 6 سنوات، مثل تزايد كميات اليورانيوم المخصب لديها، وأوراقها الإقليمية القوية، فضلاً عن انعدام القابلية لدى إدارة بايدن لفتح مواجهة جديدة في المنطقة.
في المقابل ثمة قراءة أخرى، تقول إن الملف هو ذاته، وأن الآمر الناهي بشأنه هو المرشد الأعلى الذي ذهب إلى اتفاق 2015 بداعي التخلص من العقوبات، وهو اليوم يرسل فريقه إلى فيينا للغرض نفسه. وما يتردد عن أن تشدّد المفاوض الإيراني في الجولة السابعة هو صورة عن تشدد الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي "يجافي الحقيقة". إن نهج حافة الهاوية المتبع منذ أيام الرئيس محمود أحمدي نجاد "رسمه المرشد الأعلى الذي دأب على ممارسة سياسة جس النبض لتحسس الخطوط الحمراء، وكسب التأثير لتحقيق غرضين في آن: توسيع البرنامج النووي وانتزاع المزيد من التنازلات". وهناك تخوف من أن تحصل إيران على مثل هذه التنازلات، لأن إدارة بايدن ما زالت متمسكة بمقاربتها الدبلوماسية للموضوع "من دون خطة ب"، وهي مقاربة بدأت تتزايد المآخذ عليها من باب أنها أدت إلى التهاون وخطأ الحسابات منذ البداية، "عندما ارتضت الإدارة بالتفاوض غير المباشر، وصرفت النظر عن تحديد سقف زمني للمفاوضات".
التجربة في هذا الموضوع تقول إن الاتفاق لا بديل عنه بحكم الحاجة المشتركة. التعقيدات والخلل في مسك الملف من الأساس يتركانه مفتوحاً على شتى الاحتمالات، لكن الواضح أن المفاوضات بلغت طورها الأخير.