أثار قرار "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة" السورية، يوم الخميس الماضي، بتشكيل مفوضية للانتخابات، موجة انتقادات حادة، إذ اعتبر قطاع واسع من الشارع السوري المعارض هذه الخطوة، توطئة للدخول في انتخابات رئاسية، من المقرر أن يجريها النظام السوري منتصف العام المقبل، ويشترك بشار الأسد فيها.
ولم ينتظر "الائتلاف الوطني" طويلاً قبل توضيح موقفه من تشكيل هذه المفوضية، وأكد في بيان بأنه "لا بديل عن هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات، وأنه لا يمكن القبول أو المشاركة في أي انتخابات بوجود هذا النظام المجرم". وأشار "الائتلاف" إلى أن إنشاء هذه الهيئة، يأتي انسجاماً مع "قرار مجلس الأمن الدولي 2245 وبيان جنيف للعام 2012، ولكي تكون كوادر الثورة السورية وقواها مستعدة لكامل الاستحقاقات المتعلقة بتنفيذ الحلّ السياسي وتأسيس هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات من دون الأسد"، وفق البيان.
أكد الائتلاف أنه لا يمكن أن يشارك أو يعترف بانتخابات يشارك فيها بشار الأسد
وأوضح "الائتلاف" أن المفوضية الوطنية للانتخابات المزمع تشكليها، هي "جسم فني مُكلّف بالتحضير للمشاركة في الاستحقاقات الانتخابية خلال المرحلة الانتقالية وما بعدها"، مشيراً إلى أنها "ستعمل في جميع المناطق التي يمكن الوصول إليها داخل سورية من خلال آليات تشمل إنشاء كوادر وتدريب فرق متخصصة للعمل على كل القضايا المتصلة بالعملية الانتخابية". كما أكد أن المفوضية "ستعمل على التشبيك مع الكيانات السورية الثورية والمعارضة في كلّ أنحاء العالم، بما يساهم في تبادل الدعم، وصولاً إلى ضمان انتخاب الممثلين الحقيقيين للشعب السوري، كما ستعمل على تعزيز مبدأ المشاركة والتعاون مع القوى الاجتماعية والمدنية والسياسية داخل وخارج البلاد"، وفق البيان.
وفي محاولة منه لتطويق الجدل في الشارع السوري المعارض، أكد رئيس "الائتلاف الوطني" نصر الحريري في تغريدة على "تويتر"، أنه "لا يمكن أن يكون هناك حل في سورية بوجود المجرم بشار الأسد وأعوانه"، مشيراً إلى أنه "لا يمكن للائتلاف ولا للشعب السوري في أغلبه المشاركة أو الاعتراف بانتخابات يشارك فيها هذا القاتل". وأوضح الحريري أن تشكيل مفوضية الانتخابات "يأتي ضمن جهود الاستعداد لتطبيق كلّ بنود بيان جنيف والقرار 2254 في مرحلة سورية ما بعد الأسد".
ويبدو تشكيل هذه المفوضية من قبل "الائتلاف" خطوة في فراغ سياسي كبير يكتنف القضية السورية، إذ انخفض سقف الآمال بتحقيق اختراق كبير على طريق الحل السياسي، في ظلّ تعنّت النظام ورفضه حتى اللحظة تسهيل مهمة الأمم المتحدة في كتابة دستور جديد للبلاد، على الرغم من أن الخطوة بحدّ ذاتها مخالفة صريحة لمضمون القرارات الدولية الخاصة بسورية، ولا سيما بيان جنيف1 والقرار 2254. وكان بيان جنيف الذي صدر منتصف العام 2012 واعتمده مجلس الأمن الدولي، حدّد 6 نقاط من أجل حلّ الصراع السوري، منها "إقامة هيئة حكم انتقالية باستطاعتها أن تُهيّئ بيئة محايدة تتحرك في ظلّها العملية الانتقالية، وأن تمارس هيئة الحكم الانتقالية كامل السلطات التنفيذية. ويمكن أن تضم أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة ومن المجموعات الأخرى"، وفق البيان. كما دعا إلى إعادة النظر "في النظام الدستوري والمنظومة القانونية"، وأن تُعرض نتائج الصياغة الدستورية على الاستفتاء العام"، وإلى إجراء انتخابات "حرّة ونزيهة وتعددية" بعد إقامة النظام الدستوري الجديد.
أما المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن، فيقتفي أثر سلفه ستيفان دي مستورا، في محاولة تبدو يائسة لـ"تليين" موقف النظام من اللجنة الدستورية، في خطوة أولى لوضع البلاد على سكّة الحل السياسي. وينتقل المبعوث الأممي بين عواصم القرار السوري من أجل تمهيد الطريق أمام التئام اللجنة الدستورية مرّة أخرى ببرنامج عمل واضح يؤسس للبدء في كتابة الدستور.
يربط "الائتلاف" تشكيل المفوضية بالقرارات الأممية، فيما لا يزال النظام يعرقل الحل السياسي
من جهته، يبدو بشار الأسد غير مكترث للقرارات الدولية، إذ يستعد لإقامة انتخابات رئاسية منتصف العام المقبل وفق الدستور الذي وضعه في العام 2012، ما يعني بقاءه في السلطة في حال إجراء هذه الانتخابات إلى 2028. كما أجرى النظام السوري منتصف العام الحالي انتخابات في المناطق التي يسيطر عليها، أفرزت 250 عضواً لـ"مجلس الشعب"، أغلبهم من حزب "البعث" الحاكم أو يدورون في فلكه، في خطوة تؤكد أن هذا النظام لم يكن معنياً يوماً بقرارات الشرعية الدولية، ولا يسعى لإيجاد حلول سياسية تنقذ البلاد من تقسيم يلوح في الأفق، وربما يتحقق في حال إجراء انتخابات رئاسية تبقي الأسد في السلطة لسبعة أعوام مقبلة.
وعمّق قرار "الائتلاف" الجديد حالة عدم الثقة بينه وبين الشارع المعارض. وعبّر عدد كبير من الناشطين والكتاب السوريين على مواقع التواصل عن سخطهم على هذا القرار، متهمين "الائتلاف" بالفشل السياسي والتبعية وعدم القدرة على مواجهة الضغوط الإقليمية والدولية الهادفة إلى إيجاد تسوية للقضية السورية لا تحقق الحد الأدنى من ثوابت الثورة.
لكن يحيى العريضي، عضو الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة، والتي يعد "الائتلاف" المكون الرئيسي فيها، وصف قرار تشكيل المفوضية بـ"الإجراء الاستباقي"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "ليس بالضرورة للانتخابات الرئاسية، ولكن في حال حدوث ما يتعلق بسلّة الانتخابات في القرارات الدولية، يكون هناك هيكل تنظيمي يقود ويشرف هذه العملية". وأضاف أنه "لا يوجد عاقل يعتقد أن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية قرّر الاشتراك في الانتخابات الرئاسية في العام المقبل، لأنه يدرك أنه في ظلّ الظروف الموجودة في سورية وبحكم سيطرته على الإجراءات الخاصة بالانتخابات، سيكون بشار الأسد هو الفائز فيها". وأشار العريضي إلى أنه "ربما لن يكون بشار الأسد موجوداً في الانتخابات الرئاسية المقبلة"، معتبراً أنه "كي لا تؤخذ المعارضة السورية على حين غرة، لا بد أن تكون مستعدة وجاهزة لهذا الاستحقاق". وبيّن أن الانتخابات في سورية وفق قرارات الأمم المتحدة "يجب أن تتم ضمن بيئة آمنة لإجرائها تحت إشراف أممي من دون إرغام أو إرهاب أو شيء من هذا القبيل"، وفق العريضي.