تدخل الأزمة السياسية في العراق مراحل جديدة غير مسبوقة منذ عام 2005، بعد تعثّر التوصل إلى اتفاق بين تحالف "الإطار التنسيقي"، المدعوم من إيران، والتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر. وطالب الصدر، في بيان أصدره أمس الإثنين، النواب المستقلين في البرلمان بحضور جلسة البرلمان المقررة السبت المقبل والخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية، وعرض عليهم ما وصفها بـ"المساحة" في إدارة البلاد، وذلك في مؤشر على احتدام الخلافات دخل بغداد.
ويبرز المدنيون والمستقلون في البرلمان العراقي كقوة تغليب جديدة في العملية السياسية العراقية، إذ يملكون ما مجموعه 48 نائباً. ويعوّل الصدر على حضورهم جلسة السبت للحصول على أغلبية 220 نائباً في البرلمان، بما يسمح بإنهاء تأثير مقاطعة قوى "الإطار التنسيقي" لجلسة البرلمان، ومن ثم انتخاب رئيس الجمهورية الذي يتوقع أن يقوم بتكليف مرشح الكتلة الكبرى بتشكيل الحكومة، وفقاً للدستور العراقي.
ومن المقرر أن يعقد البرلمان السبت المقبل، جلسة خاصة لاختيار رئيس جديد للبلاد من بين 40 مرشحاً للمنصب قُبِلَت أوراق ترشحهم قبل نحو أسبوعين. غير أن المنافسة تحتدم بين مرشحي الحزبين الكرديين الرئيسيين، وهما مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني ريبر أحمد خالد، والرئيس المنتهية ولايته برهم صالح، الذي يدعمه الاتحاد الوطني الكردستاني.
الصدر يصر على حكومة أغلبية
وفي رسالة وجّهها إلى النواب المستقلين، قال الصدر إن "الحكومات التوافقية التي توالت على العراق لم تنفع العراق والعراقيين، بل يمكن القول إنها أضرت به". وأضاف: "جرّبنا في العملية السابقة عدم تقاسم الكعكة معهم، ولم ينفع ذلك، واليوم نرى أننا يجب أن نخرج من عنق التوافق، إلى فضاء الأغلبية، ومن عنق الطائفية إلى فضاء الوطنية"، معتبراً أن "تشكيل حكومة أغلبية وطنية تجربة لا بد من خوضها لإثبات نجاحها من عدمه".
طالب الصدر النواب المستقلين بالمشاركة في الجلسة البرلمانية السبت للتصويت على رئيس الجمهورية
وطالب الصدر النواب المستقلين بأن "يقفوا وقفة عز وشرف وكرامة من أجل إنقاذ الوطن وتخليصه من بقايا الفساد والإرهاب والاحتلال والتطبيع والانحلال، من خلال إسنادهم للجلسة البرلمانية التي يتم بها التصويت على رئيس الجمهورية، وعدم تعطيله بالثلث المعطل الذي هو وليد الترغيب والترهيب".
وتابع "نحن بحاجة إلى وقفة شجاعة منكم، وإن كنتم لا تثقون بي أو بالكتلة الصدرية، فإننا سنعطي لكم مساحة لإدارة البلد إن وحدتم صفوفكم وابتعدتم عن المغريات والتهديدات".
وختم بالقول "يا إخوتي في البرلمان العراقي من كتل مستقلة أو نواب مستقلين، هلموا إلى آخر فرصة لنا ولكم، فإن وُفّقنا انتفع الوطن والشعب، وإن فشلنا فإنني كما قلت سوف أعلن ذلك وبملء الفم وبرحابة صدر ومن دون أي تردد فليس لي إلا اتّباع الحق والابتعاد عن الباطل"، متحدثاً عن وجود من "يحاول جرّ العراق إلى أتون الحروب والصدامات وتهديم العملية الديمقراطية النزيهة".
حراك لتأمين النصاب البرلماني
وتشهد بغداد منذ يومين حراكاً سياسياً واسعاً من قبل أطراف التحالف الثلاثي (التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة)، بغية تأمين نصاب جلسة البرلمان السبت، المخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية. وما زالت الخلافات بين الفرقاء السياسيين العراقيين محتدمة وسط تهديد بمقاطعة جلسة التصويت أو إفشالها من خلال الإخلال بنصاب الجلسة القانوني، التي يجب عقدها بحضور ثلثي النواب بواقع 220 نائباً من أصل 329 نائباً.
وقالت مصادر سياسية في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن الصدر تدخّل بشكل شخصي مع قيادات سياسية أخرى من كتل الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة، لدفعها للتحرك تجاه نواب مستقلين وأيضاً ممثلين عن كتل الأقليات الدينية.
ووفقاً لقيادي في التيار الصدري، تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن لدى التحالف الثلاثي حالياً أكثر من 180 نائباً ويحتاجون حضور النواب المستقلين والمدنيين، حتى إن لم يصوّتوا لمرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني للرئاسة ريبر أحمد، إذ يجب أن تتوفر أغلبية الثلثين لعقد جلسة السبت.
وأكد أن عدداً كبيراً من المستقلين والمدنيين اعتبروا مشروع حكومة الأغلبية الوطنية محاولة للخروج من التخندق الطائفي وكسر رتابة العملية السياسية التي لم تثمر عن أي خير للعراق، ووعدوا بالحضور. وكشف أن "الإطار التنسيقي يُصر على أن تتشكل الكتلة الكبرى من القوى السياسية الشيعية داخل البرلمان، ومن خلالها يتم تشكيل الحكومة، وهو ما يرفضه الصدر لأن ذلك يصادر حقه الانتخابي في تشكيل الحكومة".
نواب مستقلون يؤكدون المشاركة بانتخاب الرئيس
وتعليقاً على دعوة الصدر، قال النائب المستقل عن تحالف "عراق مستقل"، الذي يضم 8 مقاعد في البرلمان، ياسر وتوت، لـ"العربي الجديد"، إنهم سيشاركون في جلسة السبت. وأضاف "كنواب مستقلين سنلبي دعوة زعيم التيار الصدري من أجل إنجاح جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، وحتى ننهي الفوضى التي تضرب العملية السياسية منذ أشهر طويلة".
نائب عن تحالف "عراق مستقل": سنشارك في جلسة السبت حتى ننهي الفوضى في العملية السياسية
وأضاف وتوت: "نتوقع أن غالبية النواب المستقلين سيشاركون أيضاً في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، فلا يمكن بقاء هؤلاء النواب جزءاً من الصراع السياسي، ولهذا نتوقع أن تنجح جلسة انتخاب الرئيس من خلال مشاركة النواب المستقلين".
ولفت إلى أن "اليومين المقبلين سيشهدان عقد لقاءات بين القوى المستقلة والمدنية، للاتفاق على حضور جلسة البرلمان المخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد، مع العلم أننا لا نريد أن نكون جزءاً من الحكومة بأي شكل من الأشكال، بل نريد دعم تشكيل حكومة قوية قادرة على مواجهة الأزمات، وسنعمل كمستقلين على مراقبة عمل وأداء الحكومة وتقويته من خلال تصحيح مسارها".
كما أعلن النائب حميد الشبلاوي، عضو تحالف "من أجل الشعب" المدني، الذي يضم حركتي "امتداد" و"جيل جديد"، حضور أعضاء التحالف البالغ نحو 30 نائباً، جلسة البرلمان المقبلة. وقال للصحافيين في بغداد إنهم سيشاركون في الجلسة "احتراماً للتوقيتات والمدد الدستورية"، مستدركاً أن "التصويت على مرشح الرئاسة سيكون وفقاً لما تتطلبه المصلحة العامة"، في إشارة إلى أنهم قد لا يصوّتون للمرشح ريبر أحمد على الرغم من قرار مشاركتهم في الجلسة وإكمال نصابها الدستوري.
وأعلن أن حضورهم الجلسة لـ"كون البلد لا يتحمّل أي تأخير في تشكيل الحكومة، باعتبار أن الشعب ينتظر بفارغ الصبر تشكيل الرئاسات وتمرير مشروع قانون الموازنة العامة تلافياً لدمار اقتصاد البلد"، وفق قوله.
قيادي في "الإطار التنسيقي": التفاوض مع التيار الصدري وصل إلى طريق مسدود
في المقابل، اعتبر القيادي في "الإطار التنسيقي"، علي الفتلاوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، رسالة الصدر إلى النواب المستقلين، بأنها "تدل على عدم امتلاك التحالف الثلاثي الأغلبية البرلمانية، كما كان يدعي في الفترة الماضية، ويدل على أن الإطار التنسيقي هو صاحب كلمة الفصل من خلال امتلاكه الثلث المعطل لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية الجديد".
وبيّن الفتلاوي أن "التفاوض مع التيار الصدري وصل إلى طريق مسدود اليوم، وهو ما دفع الصدر إلى توجيه هذه الرسالة". لكنه تحدث في الوقت ذاته عن وجود اتصالات هاتفية بين ممثلين وقيادات كتل سياسية لتدارك الأوضاع قبل جلسة السبت للتوصل إلى اتفاق منعاً للذهاب إلى لعبة الأرقام بطريقة الغالب والمغلوب، مضيفاً "بخلاف ذلك فإن الإطار التنسيقي لن يشارك في جلسة التصويت وسيعمل على تعطيل الجلسة".
أما الخبير في الشأن السياسي العراقي أحمد الشريفي، فرأى في حديث مع "العربي الجديد"، أن رسالة الصدر للنواب المستقلين، تمثل "إعلاناً لوصول التفاوض بينه وبين الإطار التنسيقي إلى طريق مغلق، وهو يدرك أن نواب الإطار سوف يقاطعون جلسة التصويت".
وبيّن الشريفي أن "النواب المستقلين والمدنيين هم من سيكونون بيضة القبان، خصوصاً أن عددهم 48 نائباً، وهم قريبون من فكرة حكومة الأغلبية ويقفون ضد حكومة التوافق التي تكون من خلال تقاسم المناصب والمغانم وفق الحسابات الطائفية والسياسية بين القوى المتنفذة".
وأضاف: "في حال استمرت الأجواء الحالية، فإننا نتجه إلى جلسة يشارك فيها أكثر من 220 نائباً، بتغليب كفة التحالف الثلاثي من قبل المستقلين والمدنيين، وهو ما يعني حسم منصب رئيس الجمهورية الذي يمثل بداية تشكيل الحكومة من قبل التيار الصدري بدعم شركائه من تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني".