المكاتب الاقتصادية للأحزاب في الوزارات العراقية: منافذ تمويل الأنشطة السياسية

08 ديسمبر 2020
يواصل العراقيون تظاهراتهم ضد الفساد (علي نجفي/فرانس برس)
+ الخط -

كشفت حملة الاعتقالات الأخيرة التي نفذتها اللجنة العليا للتحقيق بقضايا الفساد في العراق، برئاسة الفريق في وزارة الداخلية أحمد أبو رغيف، والذي منحه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، صلاحيات واسعة أسهمت في اعتقال عدد غير قليل من المديرين العامين ورؤساء الهيئات والأقسام بوزارات مختلفة، عن تجذر عميق لأحزاب السلطة، من خلال ما يعرف باللجان الاقتصادية التابعة لها في الوزارات الأكثر موارد في الدولة. وهو ما يؤكده سياسيون عراقيون ونواب في البرلمان، معتبرين أنّ ذلك يتم بالتوافق والتراضي بين هذه الأحزاب.

وتحدّث مسؤول عراقي رفيع في بغداد، لـ"العربي الجديد"، عن معلومات وصفها بـ"الخطرة"، تسللت من تحقيقات هيئة النزاهة، ولجنة أبو رغيف، تتضمن اعترافات ووثائق تشير إلى أنّ 80 في المائة من قضايا الفساد في كل من وزارات الاتصالات والدفاع والداخلية والصناعة والتربية والصحة والتعليم العالي وهيئة الاستثمار ودائرة التقاعد وشركات الدفع الإلكتروني، كانت ضمنها نسبة عمولة مباشرة أو غير مباشرة تقاضاها زعماء أحزاب وكتل بارزة في العملية السياسية. وأضاف أنّ التحقيقات والبحث أوضحا بشكل جلي، أنّ في كل وزارة عراقية مكتب حماية مصالح حزب أو كتلة تعمل على ضمان عمولتها ومصالحها وحصتها في الدرجات الوظيفية التي يتم الإعلان عنها سنوياً"، مؤكداً أنّ "حسابات سياسية معروفة تجعل من المستحيل التعمّق بالتحقيقات والاكتفاء بإصدار الأحكام بحق من تم اعتقاله". وكشف عن أنّ وفداً عراقياً تحقيقياً سيغادر إلى العاصمة اللبنانية بيروت في الفترة المقبلة لاستكمال التحقيق في ملفات عدة، حيث كانت بنوك لبنانية وسيطاً لدفع رشى وعمولات لمسؤولين وساسة عراقيين طيلة السنوات الماضية.
والمكاتب أو اللجان الاقتصادية، هي عبارة عن أجهزة اعتادت الأحزاب العراقية المتنفذة ومليشيات تشكيلها بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 للاستفادة من أموال الوزارات والمؤسسات التي تحصل عليها هذه الأحزاب.


في كل وزارة عراقية مكتب حماية مصالح حزب أو كتلة

في السياق، اعتبر عضو البرلمان عن تحالف "سائرون"، رامي السكيني، أنّ "هيمنة الأحزاب على هذه الوزارة أو تلك أمر لا يمكن إنكاره، وهي تبدأ من خلال تنصيب وزير من حزب معيّن، وعندها تصبح الوزارة وكأنها محزّبة بموظفيها وإيراداتها وعقودها". وأضاف في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الموضوع يعود إلى المحاصصة التي سادت بعد عام 2003، وحكومة الكاظمي لم تنجُ من هذه الإفرازات، فهناك وزارات أصبحت من حصة أحزاب معينة تهيمن على العقود وعلى القرارات الإدارية والفنية"، مشيراً إلى أنّ "المكاتب الاقتصادية لبعض الأحزاب تتدخل في كل شيء، حتى في عمل مكاتب الوزراء، وفي إحالة العقود بين وزارات متعددة، وهناك تنافس قوي بينها".

والمكاتب الاقتصادية للأحزاب في الوزارات والمؤسسات، تمتلك أذرعاً يمكنها من خلالها الوصول إلى بعض الوزراء لتعطيل إحالة عقود بعض الوزارات إلى حزب دون آخر من خلال تنافس غير مشروع، أو عبر الضغط على الوزراء ووكلائهم. واعتبر السكيني أنّ ذلك "بمثابة تخريب للدولة العراقية، وهدر للمال العام"، مضيفاً أنّ "حكومة الكاظمي لم تتمكن من السيطرة على ذلك، لأنّ الأحزاب هي التي جاءت بالحكومة ومنحتها الثقة، وهي لم تخرج عن خط المحاصصة والضغوط السياسية".

في المقابل، وصف عضو البرلمان العراقي السابق، رحيم الدراجي، المكاتب الاقتصادية للأحزاب في الوزارات بأنها "مكاتب لنهب وسلب أموال الشعب العراقي"، قائلاً في مقابلة تلفزيونية معه أخيراً، إنّ "الأحزاب السياسية سرقت أموال العراقيين من خلال المكاتب الاقتصادية".

وأكد أنّ "المكاتب الاقتصادية للأحزاب تسببت بتدمير جميع المشاريع العراقية، لأنها اعتمدت على مشاريع وهمية لا أصل لها". ولفت الدراجي إلى أنّ أحد رؤساء الوزراء، الذي لم يسمه، "تحدّث مع قادة كتل سياسية عن الوزارات التي فيها أموال كثيرة ضمن توزيع الوزارات، وكل الذين حضروا هذا الاجتماع لم يعترض أحد منهم على هذا الكلام".


هيمنة مكاتب الأحزاب على الوزارات تعزّزت خلال فترة الحكومة السابقة برئاسة عادل عبد المهدي

ويشير نواب إلى أنّ هيمنة مكاتب الأحزاب على الوزارات تعزّزت خلال فترة الحكومة السابقة برئاسة عادل عبد المهدي. وهو ما لفت إليه عضو البرلمان عن تحالف "الفتح"، عبد الأمير تعيبان، الذي اتهم بعض الأحزاب بتشكيل مكاتب اقتصادية في الوزارات خلال فترة حكومة عبد المهدي، مبيناً في إيجاز صحافي له أخيراً، أنّ هذه المكاتب "تتحكم بعمل الوزراء ووزاراتهم". وأوضح أنّ "الأمر يشمل مختلف الكتل السياسية، والبلاد تسير نحو الهاوية إذا لم تصارح هذه الكتل شعبها".

وجاء الاعتراف بوجود مثل هذه المكاتب واللجان على لسان مسؤولين كبار في الدولة العراقية، إذ سبق لوزير الكهرباء في الحكومة السابقة، لؤي الخطيب، أن أقرّ بوجودها، مؤكداً أنها "تعرقل النهوض بالدولة".

من جانبه، اعتبر عضو البرلمان عن "تحالف القوى العراقية"، رعد الدهلكي، سيطرة أحزاب معينة على بعض الوزارات بأنها "واقع حال العملية السياسية منذ الاحتلال الأميركي، وليست أمراً جديداً". وأضاف في حديث مع "العربي الجديد": "عندما تكون هناك محاصصة على مستوى الوزارات، فإنّ كل وزارة تكون تابعة لجهة معينة تتبع لهذا الحزب أو ذلك". واعتبر أنّ "المحاصصة هي التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه الآن، والمكاتب الاقتصادية للأحزاب تدير كتلاً سياسية وليس فقط الوزارات. لذلك طلبنا من رئيسي الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي، والسابق عادل عبد المهدي، بأن تكون هناك خطوات حقيقية لوقف الفساد وسيطرة مكاتب الأحزاب على الوزارات". ولفت إلى أنه "تم إلغاء المكاتب الاقتصادية في العلن بشكل صوري، لكن في الحقيقة إلى حدّ هذه اللحظة هي تدير الكثير من الأمور الاقتصادية للأحزاب في مؤسسات ووزارات".