لا يضجر ممارسو النفاق وازدواجية المعايير في ألمانيا، إذ يتعلق الأمر بفلسطين والاحتلال الإسرائيلي، ليظهروا الأكثر حرصاً على صور مقززة من التملق للصهيونية.
القصة لا تبدأ ولا تنتهي عند مهرجان "برلين السينمائي"، الذي فُتحت عليه النار بسبب "الحرية لفلسطين". فأغلب مروجي شعارات "حل الدولتين" سقطوا في امتحان دروس "علم الأخلاق" الماركسي في حزب "الخضر" الألماني، بالتزامهم بليكودية وتصهين أكثر بكثير من بنيامين نتنياهو ومعسكر فاشية إيتمار بن غفير، وبقية مباركي "ذبح الأطفال" و"كنس غزة" من شعبها.
منذ الغزو الروسي لأوكرانيا وانفصام أوروبا يُعرى. بالكاد نجا معهد أو مؤسسة من هستيريا "روسفوبيا" (رهاب روسيا). شخصيات كثيرة طأطأت رؤوسها، وقبلت أن تكون جزءا من بروباغندا صناعة الخوف في معادلة: أن تكره كل شيء روسي يعني أنك متحضر ومع العدالة. المثير للاشمئزاز أن الأمر وصل إلى حد استهداف تدريس الأدب الروسي ودور موسيقى يعزُف فيها معجب بالموسيقى الروسية.
ذلك في وقائع تهيئة مسارح معاداة روسيا. وهي علقت كبقع لطخت القارة، حتى أصبح العبث سيد الموقف في اصطفاف اليمين المتطرف والشعبويين ضد سياسات بلادهم، التي بالكاد ودعت ظلامية سفك دماء عشرات الملايين في المستعمرات السابقة، ومواصلة القول: "كل ما نقوله عن المبادئ والقيم يشمل فقط من يشبهوننا".
فأنت "معادٍ لليهود" إن قلت شيئاً عن عدالة قضية فلسطين ورفضاً لجرائم حرب إبادة، يُحرض عليها بعبرية فصيحة على الشاشات، وعلى ألسنة الصهيونية وحاخامات امتداد المذبحة. بينما أقل تصريح عربي يساق كتعبير عن "تطرف" الكل العربي والفلسطيني.
ويُخلط الحابل بالنابل تحت مسمى "معاداة السامية". ولعل أحد فصول الكوميديا السوداء الأوروبية، وبصورة فجة في ألمانيا، قبول أحزاب علمانية، وربما بإسقاطات تاريخ فاشي، بـ"الوعد الرباني في أرض إسرائيل"، للسكوت على مأساة شعب فلسطين، بكثير من التسامح مع التطرف الصهيوني الاستعماري. أن تطالب، مهما كان معتقدك، بوقف جريمة الحرب في غزة، فأنت "محرض على الإرهاب". وفي المناداة بحرية فلسطين، التي يدعون أنهم مع الاعتراف بها كدولة، فأنت "تدعم حماس" و"معادٍ للسامية".
أما في ألمانيا وأوروبا، فالتيار ليس كما تشتهيه سفن التملق، وخليط تبدية مصالح الصهيونية على مصالح أوطانهم. فلا عودة لسردية أنه لا يمكن المس ببقرة أوروبا المقدسة، الدولة الصهيونية. ومساعي الخلط بين السامية وانتقاد دولة الاحتلال يراد منها استهداف ملايين المواطنين ممن يحاول مكارثيو أولاف شولتز ورفاقه الأوروبيون استثناءهم بحجج معلبة عن "التطرف". ببساطة، النفاق وازدواجية المعايير باتا تحت مجهر الأوروبيين والغربيين الرافضين لكتم الأصوات وحرف العدالة.