تتزايد ملامح الانقسام في تحالف المعارضة التركية، قبل أسبوع من الجولة الثانية الحاسمة للانتخابات الرئاسية التركية، بين مرشح "التحالف الجمهوري" الحاكم، الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، ومنافسه مرشح "تحالف الشعب" كمال كلجدار أوغلو.
وزاد صمت رئيسة حزب "الجيد" ميرال أكشنر، رغم انقضاء أسبوع على الجولة الأولى، من التوقعات بنشوب خلافات بين رؤساء الأحزاب الستة المتحدين بـ"تحالف الشعب"، المعارض. ويأتي لقاء مرشح المعارضة كمال كلجدار أوغلو مع زعيم حزب "النصر" القومي المتشدد أوميت أوزداغ، كتأكيد لسعي كلجدار أوغلو إلى أصوات ترفع من نسبة ما ناله خلال الجولة الأولى، 44.88% من أصوات الناخبين، مقابل نسبة 49.52% حققها أردوغان، ما زاد، وفق من تحدث معهم "العربي الجديد" من ظهور الخلافات الأيديولوجية ضمن "طاولة التحالف" وخروج الخلافات إلى العلن.
ولا ينكر القريب من حزب الشعب الجهوري شوكت أقصوي "تشتت المعارضة" قبل انطلاق الجولة الثانية للانتخابات التركية الرئاسية، بعد الذي يصفه بصفعة الجولة الأولى وعدم حسمها الانتخابات الرئاسية في صالحها، كما روّجت للناخب التركي ونشرت استطلاعات الرأي الذي رآها "مضللة" أو اعتمدت باستمزاج الرأي قبل الانتخابات بعشرة أيام على شرائح عمرية محددة أو مناطق مؤيدة لحزب الشعب وتحالف "الشعب" بشكل عام.
تأثير نتائج انتخابات البرلمان على رئاسيات تركيا
وأكدت نتائج الاستطلاعات، غير مرة، تفوّق مرشح تحالف المعارضة "الشعب" كمال كلجدار أوغلو على مرشح التحالف الجمهوري الحاكم رجب طيب أردوغان.
ويضيف أقصوي لـ"العربي الجديد" أن "عدم تحقيق التحالف المعارض "الطاولة السداسية" أغلبية الأصوات بالبرلمان، ما يحرمه من تحقيق أهم شعار في حملته الانتخابية، أي تغيير النظام الرئاسي إلى برلماني، زاد من تشتت المعارضة واستبدال بعض طرق الدعاية للجولة الثانية، كالتركيز على الخطاب القومي والوعود بطرد اللاجئين من تركيا "فوراً" بحال وصولها إلى رئاسة الجمهورية.
ورغم تراجع حصة حزب "العدالة والتنمية" بمقاعد البرلمان 28 مقعداً عن حصته بانتخابات 2018، وعدم وصوله إلى نسبة 50% كما بانتخابات 2015 أو حتى نسبته بانتخابات 2018 وقت حصل على 42.56% بعدد نواب 295، إذ لم تزد نسبته بعد فرز الأصوات الأحد الماضي عن 35.58% بعدد 267 مقعداً، فإن تحالفه مع الحزب "القومي" الذي حصد 50 مقعداً ومع حزب "الرفاه الجديد" الذي حصل على 5 مقاعد، أوصله إلى الأغلبية بعدد مقاعد 322 مقعداً من أصل 600، ما يعيق أي تطلع للتحالف المعارض وتمرير ما وعد به مرشحيه.
ويشير المعارض التركي إلى أن "استمالة حزب العدالة والتنمية لمرشح "تحالف أتا" سنان أوغان زاد ربما من الاضطراب بصفوف المعارضة".
وحول تطورات الحاصلة قبل أسبوع من الانتخابات، يضيف: "علمنا عن طلب أحمد داود أوغلو تسمية مرشح لرئاسة الشؤون الدينية بهدف استمالة بعض المحافظين، فيما عاد المرشح كلجدار أوغلو ليعزف على وتر القومية واللاجئين".
ويمضي قائلاً: "قلناها بصفوف المعارضة، لو أن أي مرشح عدا كلجدار أوغلو واجه أردوغان لحسمت المعارضة فوزها من الجولة الأولى"، لكن عدم الموافقة على ترشيح رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو أو رئيس بلدية أنقرة منصور ياواش، أوصل المعارضة للجولة الثانية ورجح الخسارة كما بدأنا نقرأ من استطلاعات ونرى من ردود أفعال".
وزاد لقاء الرئيس التركي أردوغان، مرشح "تحالف أتا" سنان أوغان، أول من أمس الجمعة بقصر "دولما بهشة"، من اضطراب المعارضة التركية بحسب مراقبين أتراك، رغم عدم صدور أي بيان أو تعقيب من الرئاسة التركية، ما دفع مرشح المعارضة كلجدار أوغلو، باليوم ذاته، للقاء زعيم حزب "النصر" القومي المتشدد أوميت أوزداغ، في مسعى لكسب دعم أصوات المرشح الرئاسي سنان أوغان في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية، لأن أوغان لم يحسم أمره من التحالف بعد، بل لديه، كما تنقل مصادر تركية، مطالب عدة ممن سيتحالف معهم، سواء على صعيد التخلي عن التحالف مع الأحزاب الكردية، أو على صعيد منصب له وخطة لتأسيس حزب قومي يتزعمه.
زاد لقاء الرئيس التركي أردوغان مرشح تحالف الأجداد "أتا" سنان أوغان، أول من أمس الجمعة بقصر "دولما بهشة"، من اضطراب المعارضة التركية
وجاء إعلان وجدت أوز، زعيم حزب "العدالة" التركي، أحد مكونات تحالف "آتا" (الأجداد)، فجر اليوم الأحد، بدعم مرشح تحالف الأمة كلجدار أوغلو "بشكل منفرد" بعد اجتماع الهيئة الإدارية العامة للحزب، بحسب بيان أوز خلال تغريدة على" تويتر"، وليس كونه ضمن تحالف "أتا" الذي يتزعمه مرشح الرئاسة خلال الجولة الأولى سنان أوغان.
وأرجعت مصادر خاصة بحزب "العدالة والتنمية" سبب عدم صدور موقف أو بيان من حزب (الأجداد) إلى خلاف بين سنان أوغان ورئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي، مضيفة: "توجد حساسية عالية وسنان أوغان مطرود من الحركة القومية"، مرجحة أن يوجه رئيس تحالف الأجداد "وإن تلميحاً" لمكونات تحالفه لانتخاب الرئيس أردوغان".
وأضافت المصادر لـ"العربي الجديد" أن الرئيس التركي "لا يوافق على المساومة ولي الذراع، كما لا يمكن برأيها خداع أهم حلفائه بتحالف الجمهور، بهشلي".
ملاحم الخلافات بين تحالف المعارضة
ولا ينكر أعضاء بحزب "الشعب الجمهوري"؛ أكبر الأحزاب المتحالفة بالطاولة السداسية، ازدياد الاضطراب والتشتت ضمن التحالف، لأن عدم الفوز بالجولة الأولى فتح الباب على خلافات عدة ضمن التحالف نفسه أو بين التحالف والناخبين.
ويكشف عضو الحزب جيواد كوك لـ"العربي الجديد" أن صمت رئيسة حزب "الجيد" ميرال أكشنر بعد نتائج الجولة الأولى، والبرلمانية خاصة، يندرج ضمن استفحال الخلاف، مستبعداً أن تتحالف أكشنر مع الرئيس أردوغان كما بدأ يشاع في الأوساط التركية أخيراً.
ويرى كوك أن ما يزيد مخاوف "تحالف الشعب" وجمهورهم هو إمكانية عدم انتخاب كلجدار أوغلو من حلفائه بالطاولة السداسية وجمهورهم بالجولة الثانية "بعد أن حققوا هدفهم بالوصول للبرلمان"، خاصة إن استمر التحالف باستمالة القوميين والمتشددين مثل أوميت أوزداغ، ما يعرّض الحلفاء الأكراد لردود أفعال وربما عدم التصويت له.
ويمضي قائلاً: "الأرجح أن نرى تراجعاً في نسبة المصوتين الأتراك في الجولة الثانية، بعد وصول النسبة بالجولة الأولى لنحو 88%".
وحول ما يشاع عن انقسام وخلافات ضمن حزب الشعب نفسه، يشير كوك إلى أن "الاختلاف الإيديولوجي" ضمن تحالف الطاولة السداسية بدأ يظهر، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن مخاوف الخلاف والانقسام وصلت إلى داخل الحزب "بين العلمانيين المتشددين والعلويين الأكراد"، مرجحاً تغيير رئاسة حزب الشعب الجمهوري بعد الجولة الثانية التي ستجرى الأحد المقبل.
في المقابل، ووفق ما يقال عن تماسك "التحالف الجمهوري" الحاكم، فإن تركيز الحملة الانتخابية لأردوغان نحو تحسين المعيشة وظروف الأتراك وتوجه الرئيس التركي للمناطق المنكوبة واستمرار تأمين متطلبات متضرري الزلزال، تزيد حظوظه بالفوز بالجولة الثانية، حتى برأي أنصار تحالف "الشعب" وأعضاء حزب الشعب الجمهوري، كما يقول الإعلامي شوكت اقصوي.
ويلفت المصدر ذاته إلى أن حصول أحزاب تحالف "الشعب" على المقاعد البرلمانية وتراجع الثقة بفوز المرشح كلجدار أوغلو" قد يزيد المفاجآت وربما خروج الخلاف إلى العلن خلال الأسبوع الجاري"، معتبراً أن بدء التصويت بالخارج سيكون في صالح أردوغان كما الجولة الأولى، "لأن زيادة تكريس النبرة القومية والتركيز على طرد اللاجئين، لا يتناسب مع المهاجرين الأتراك إلى الخارج".
موقف من تحالف أردوغان من وضعية المعارضة
وفي السياق، يرى عضو حزب العدالة والتنمية يوسف كاتب أوغلو أن قضية "جمع المتناقضات والاختلاف الإيديولوجي" هي العامل الأهم لتسريع خروج الخلافات ضمن تحالف "الطاولة السداسية"، لأن الاتفاق فيما بينهم على إطاحة الرئيس أردوغان "بدأ يتراجع، كما أن تحقيقهم هدف الوصول للبرلمان وفقدانهم أمل الأغلبية، يسرعان من خروج الصراعات للعلن".
وينبه في هذا السياق إلى أن "رئيسة حزب الجيد لم تدل بأي تصريح بعد خيبتها بنتائج الجولة الأولى". كما أن الخلافات بين "الكماليين القوميين والجمهوريين الداعمين للتوجهات الدينية والقومية "بدأت تظهر".
ويضيف كاتب أوغلو لـ"العربي الجديد" أن تراجع مقاعد حزب الشعب بالبرلمان من 148 نائباً وفق انتخابات عام 2018 إلى 130 بعد انتخابات الأسبوع الماضي، زادت من ردود الأفعال داخل الحزب، وعلو الصوت حول فشل التحالف مع الأحزاب اليمينية".
ويرجح أن تنسحب الأحزاب الأربعة من التحالف بعد دخولها البرلمان، دون أن يستبعد عضو الحزب الحاكم أن تشهد بلاده، بعد الانتخابات، فتح ملفات فساد ومحاسبة لقيادات الأحزاب المتحالفة مع كلجدار أوغلو، أو المرشح للرئاسة نفسه، فوقتذاك لا يتمتعون بحصانة برلمانية، مشدداً بالقول "سنشهد فتح قضايا ومحاكم".
ويتوقع كاتب أوغلو أن تشهد فترة ما بعد الانتخابات أيضاً مفاجآت خلال تشكيل الحكومة، لأن معظم الوزراء الحاليين سيكونون برلمانيين ما يمنعهم من إشغار منصب وزير "إلا إن استقالوا من البرلمان"، مرجحاً أن وجود هؤلاء الوزراء بالبرلمان عامل قوة حتى خلال طرح تغيير الدستور المتوقع، والذي يحتاج أغلبية مطلقة بالبرلمان "60%" وليس أغلبية 301 صوت كما بقية القوانين.
من جهتها، ترجح عضو حزب "العدالة والتنمية" عائشة نور أن تتراجع نسبة التصويت بالجولة الثانية عن النسبة العالية التي شهدتها بلادها خلال الجولة الأولى "لأن كثيراً من الأتراك الذين صوتوا لتحالف الأمة لن يذهبوا، على الأرجح، للتصويت، في حين ستزيد المشاركة لصالح الرئيس أردوغان حتى من جمهور التحالف المعاكس".
لكنها لا تستبعد أن تشهد جولة الإعادة "نسبة من الأوراق البيضاء إلى جانب عدم الإقبال الشديد على الانتخابات".
وحول احتمال اشتغال المعارضة على تشتيت أصوات الرئيس أردوغان أو خلق نزاعات داخل تحالفه، خاصة بعد ما يقال عن استمالة الرئيس لمرشح "تحالف أتا" ووجود خلافات شديدة بينه وبين أهم المتحالفين مع أردوغان "دولت بهشلي"، تقول نور لـ"العربي الجديد" إن تحالف الجمهور "متجانس ولا توجد فيه خلافات إيديولوجية كما تحالف الأمة، فجميع الأحزاب، عدا اليسار الديمقراطي، محافظة وتلتقي حول قضايا تنموية وتطويرية ومسعاها وصول تركيا لموقعها الذي تستحق على الخريطة الدولية".
وتعتقد نور أن عدم الإفصاح عن مجريات لقاء الرئيس التركي برئيس تحالف "أتا" كان "لعدم خلق أي حساسية مع السيد بهشلي رئيس حزب الحركة القومية الذي طرد سابقاً سنان أوغان من الحزب".
في المقابل، تعتبر عضو الحزب الحاكم أن أحزاب المعارضة "تحالف الشعب" لا تلتقي على أي هدف، سوى إسقاط الرئيس، فهي مختلفة بتوجهاتها وإيديولوجيتها؛ حزب الشعب ورئيسه كلجدار أوغلو، حزب المستقبل ممثلاً برئيسه أحمد داود أوغلو، الحزب الجيد عبر رئيسته، ميرال أكشنر، حزب السعادة ورئيسه تمل قره موللا أوغلو، حزب دواء ورئيسه علي باباجان، وحزب الديمقراطي عبر رئيسه، غولتكين أويصال. ما يعني انقسامها بعد زوال هدف الوصول إلى الرئاسة "الذي أتوقعه ماثلاً بعد أسبوع" تختم عضو الحزب الحاكم عائشة نور.