يشكك التقرير، الذي صدر الأحد الماضي، من قبل "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية"، بجدية النظام لإعادة مهجري ونازحي مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، ما يفتح الباب للتساؤل عن ملف النازحين داخلياً، من ضمنهم المهجرون قسراً، في سورية، والذين قدرتهم الأمم المتحدة بنحو سبعة ملايين.
ولم يسمح النظام، بعد خمسة أعوام من تهجير سكان مخيم اليرموك جنوبي دمشق، سوى بعودة ألفي عائلة، من أصل 160 ألف نسمة هم سكان المخيم من اللاجئين الفلسطينيين قبل عام 2011، بحسب منظمة "أونروا"، عدا السوريين الذين يقدرون بأضعاف هذا الرقم.
وغير اليرموك، الذي كان يقطنه عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين والسوريين الذين هُجروا إلى مناطق متفرقة من البلاد، يعاني الملايين جراء النزوح. وكان هؤلاء قد خرجوا من درعا وريف دمشق وحمص وريفها وحماة وريفها وأرياف حلب وإدلب ودير الزور، إما بسبب المعارك وعمليات تقدم قوات النظام، بإسناد روسي وبدعم المليشيات التابعة لإيران وروسيا، وإما من خلال عمليات التهجير القسري بفعل التسويات التي عقدت في حمص ودرعا وأرياف دمشق والقنيطرة.
عمر الشامي: ملف النازحين بات طي النسيان، مع طول أمد فترة النزوح والتهجير
وتقدر الأمم المتحدة عدد النازحين داخلياً والمهجرين بنحو 6.9 ملايين سوري، ما يجعل ملف النازحين في عداد الغائب، أو المغيب، عن الملفات المطروحة للحل السوري، لا سيما مع تركيز المجتمع الدولي والفاعلين الإقليميين على عودة اللاجئين من بلدان اللجوء. علماً أن عودة المهجرين والنازحين إلى ديارهم تعد لوجستياً أسهل من عودة اللاجئين.
وبرزت أخيراً المبادرة العربية، التي بدأ بها الأردن، ثم تحولت إلى إقليمية بين دول الخليج ومصر والعراق والأردن، قبل أن تعتمد عربياً خلال جلسة إعادة سورية لمقعدها في الجامعة العربية من خلال القرار 8914، والذي يتضمن ثلاثة ملفات رئيسية، هي الحل السياسي، والملف الأمني (مكافحة تجارة المخدرات)، وفي المقدمة ملف إعادة اللاجئين من الدول المجاورة، لا سيما الأردن ولبنان وتركيا. لكن ملف النازحين كان غائباً عن المبادرة التي تضمنها قرار وزراء الخارجية العرب.
ملف النازحين بات طي النسيان
ويعرب الناشط عمر الشامي، وهو مهجر من بلدة خان الشيح في الغوطة الغربية بريف دمشق منذ سبعة أعوام، عن اعتقاده أن ملف النازحين بات طي النسيان، مع طول أمد فترة النزوح والتهجير.
ويشير الشامي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنه لم يبق لهم سوى إحياء ذكرى تهجيرهم في كل عام، متحدثاً عن ظروف صعبة يعيشها النازحون في الشمال السوري في ظل نقص الإغاثة وقلة فرص العمل وتدني سبل المعيشة.
ويقول الشامي إن "حركة خبث" من النظام جعلتهم مهجرين قسراً، بعد اتفاق مع المعارضة لتبادل أسرى، ليكتشفوا فيما بعد أنهم، كمدنيين، هم الأسرى والرهائن الذين يريد النظام الإفراج عنهم وتهجيرهم إلى الشمال السوري، لإخراج مقاتلين من صفوفه عوضاً عنهم.
توطين مليشيات في مناطق المهجرين
ويؤكد مالك أبو عبيدة، وهو مهجر من محافظة درعا إلى الشمال السوري بعد اتفاق التسوية عام 2018، أنه "لا يمكن اليوم للكثير من المهجرين العودة إلى مناطقهم، بسبب توطين مليشيات متعددة الجنسيات فيها".
ويضيف: "مُنع السكان الأصليون، ممن هم في مناطق النظام أصلاً، من العودة إليها، كالقصير وبعض أحياء جنوب دمشق وبعض أحياء حلب وأرياف إدلب وغيرها، فهل سيسمح لمن هم في الشمال السوري وممن عارضوا النظام بالعودة إليها".
ويتابع أبو عبيدة، لـ"العربي الجديد": "كل مهجر قسراً خرج من دياره وترك بيته ومنطقته لمصير مجهول، خرج بسبب سيطرة النظام على المنطقة بإجرامه ووحشيته، وهذا السبب ما زال قائماً ولذلك يصعب أن يعود المهجر إلى بيته وقريته، حتى بوجود ضمانات دولية".
ويرى أن "الثقة بتلك الضمانات معدومة، لأن النظام يلتف على كل الاتفاقات التي أبرمها مع المناطق التي سيطر عليها، بدعم روسي، والتي خضعت لاتفاقات تسوية، مثل درعا والغوطة الشرقية وريف حمص والقلمون"، مشيراً إلى أن "النظام نكث بالاتفاقات بوجود ضامن، وهو الجانب الروسي الذي هو حليف للنظام أصلاً".
ويعتبر أن "عودة المهجرين قسراً والنازحين إلى بيوتهم ومناطقهم مرهون بخروج النظام منها أو سقوطه، أو سيطرة النظام على الشمال المحرر. وأعتقد أنه في حال سيطر عليه بدعم روسي، وضوء أخضر دولي، فإنه لن يسمح للمهجرين بالعودة لمناطقهم على شكل مجموعات كبيرة وكتل، لأن هذا يعني عودة الحاضنة الثورية والمعارضين له إلى مناطقهم، وإن أجبر على هذا باتفاق دولي يضمن بقاء السلاح الخفيف في يد حامليه كما حصل باتفاق جنوب غرب سورية (درعا والقنيطرة) فإنه سيواجه ربما حرب عصابات واغتيالات واسعة في كل المحافظات على غرار درعا، وهذا ما لا يرغب به النظام".
ويلفت إلى أن "بقاء المنطقة (الشمال السوري) على ما هي عليه هو موت بطيء لها، وفي حال إعادة اللاجئين من تركيا، وهم أكثر من 3 ملايين، فإن الوضع سيزداد سوءاً. فالمنطقة هنا ضيقة وشبه خالية من الموارد والبنية التحتية، وقدوم المزيد إليها يعني كارثة إنسانية، إذ تحتل المنطقة المرتبة الـ13 بالكثافة السكانية في العالم".
معتصم نجار، خرج مع عائلته من ريف مدينة معرة النعمان جنوبي إدلب، بعد أن فقد عمه وابني عمه بالقصف، نهاية عام 2019، واتجهوا نحو مخيمات أطمة شمالي إدلب، ويقطنون اليوم مع أقاربهم في عدة خيام في مخيم هناك. ويوضح نجار، لـ"العربي الجديد"، أنه من بين نحو 17 شخصاً من العائلة يعمل اثنان بأجور زهيدة، ما يعني أن وضعهم تحت خطر الفقر، فيما تسيطر قوات النظام على بيته في معرة النعمان، بعد أن نهبت محتوياته بحسب ما علم من مصادر داخل المدينة. ويضيف: حتى الأرض الزراعية التي يملكها يقوم باستثمارها ضباط من النظام.
كذلك كان الحال بالنسبة لمعاوية المحمد الذي نزح من ريف حلب الجنوبي، بداية عام 2020. ورغم أن وضعه وعائلته نوعاً ما، أفضل من معتصم، كونه استأجر منزلاً في سلقين بريف إدلب الشمالي، إلا أنه يشتكي من غلاء الإيجارات وقلة فرص العمل والدخل.
ويتقاسم أسعد حاج علي، الذي نزح من بلدة اللطامنة بريف حماه مع سابقيه ذات المصير، وهو ويقيم حالياً في مخيمات قرب مدينة عفرين بريف حلب، فيما يستولي النظام على منزله.
وهؤلاء جميعاً، ومعهم نحو 1.8 مليون نازح عقب العمليات العسكرية للنظام وروسيا والمليشيات الإيرانية في أرياف حماة وإدلب وحلب، التي كانت تعرف بمنطقة "خفض التصعيد" الرابعة، والتي التف النظام على اتفاقها وبدأ عملية اجتياحها في 2018. وعلى الرغم من توقف الهجوم بعد اتفاق وقف إطلاق النار عام 2020، فإنه لم يسمح للأهالي بالعودة إلى منازلهم، التي تركت للمليشيات وقوات النظام لتنهبها، ما أفرغها من محتوياتها، وهذا ما رصدته "العربي الجديد" في تقارير سابقة.
من جهته، يشير مدير "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" فضل عبد الغني، إلى أن النازحين أقرب إلى منازلهم من اللاجئين، لافتاً، لـ"العربي الجديد"، إلى أن هناك نازحين يبتعدون عن منازلهم وقراهم مسافة نصف ساعة ولم يعودوا، فكيف يمكن للاجئين العودة في ظل الظروف الحالية؟
تشريد مدن وقرى بأكملها
ويضيف عبد الغني أن "سورية شهدت عمليات تشريد لقرى ومدن وبلدات بأكملها، والأسباب التي دفعت الناس لتلجأ إلى دول الجوار أو الذهاب فيما بعد إلى أوروبا، هي ذاتها بالنسبة إلى النازحين. ولو أن الحدود اليوم مفتوحة لكان لدينا ملايين إضافية من اللاجئين سيخرجون من صفوف النازحين أساساً".
فضل عبد الغني: عوامل عدة تمنع النازحين أو اللاجئين من العودة لمناطقهم
ويؤكد عبد الغني أنه من خلال عملهم في الشبكة طوال الأعوام الـ 11 الماضية، أن "السبب الرئيسي للنزوح واللجوء هو القصف العشوائي الواسع باستخدام البراميل المتفجرة والصواريخ غير الدقيقة، والذي أدى لقتل الآلاف". ويضيف: "القصف بالتأكيد له نتائج أخرى، هي الدمار، فلم يعد بإمكان الناس العيش في مناطقهم، ولا النظام يقبل بعودتهم من الأساس، لكون النظام يسيطر على الكثير من المناطق منذ سنوات، ولم يسمح لأهلها بالعودة إليها".
وينبّه عبد الغني إلى أن "الناس يريدون العودة، سواء كانوا نازحين أو لاجئين، لكن ما يمنعهم من العودة عوامل عدة، كخطر التعرض للاعتقال أو الاختفاء القسري أو التعذيب. ولا يوجد أي ضمانات لمنع ذلك، فالنظام لا ينشر قوائم بالمطلوبين، ليعرف الناس من هو المطلوب من غير المطلوب له".
ويضيف عبد الغني: "هذا عدا عن استيلاء النظام على أملاك النازحين واللاجئين من خلال مجموعة من القوانين والمراسيم، بالإضافة لخطر التجنيد الإجباري للشبان. لذلك نحن نوصي الناس بعدم العودة، فكل المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، غير آمنة لعودة اللاجئين والنازحين على حد سواء".
وبحسب آخر إحصائية لـ"مركز مراقبة النزوح الداخلي"، التابع إلى المنظمة الدولية للهجرة، والتي صدرت منتصف الشهر الحالي، فقد تصدرت سورية الترتيب العالمي للنزوح داخلياً بـ 6.86 ملايين نازح ومهجر. وهذا الرقم أقل بقليل من أرقام الأمم المتحدة التي قالت إن هناك نحو 6.9 ملايين شخص من النازحين في أنحاء البلاد، جميعهم يعيشون بحالة مأساوية ويحتاجون للمساعدة الفورية، بحسب إحصائيات نشرت ربيع العام الماضي.