أطلق الجيش الإيراني، اليوم الجمعة، مناورات "فاتحو خيبر" البرية شمال غربي البلاد بمشاركة عدة ألوية وسلاح المسيرات والمدافع وقوات قتالية، بعد أيام من مناورات أخرى للحرس الثوري الإيراني على الحدود مع دولة أذربيجان.
وأفاد إعلام الجيش الإيراني بأن لواءي 216 و316 المدرعين، ولواء 25، ووحدة 11 للمدفعية، ومجموعة المسيرات، ووحدة 433 للهندسة القتالية، تشارك في المناورات بإسناد جوي من مروحيات.
وقام سلاح المسيرات بعمليات استطلاع في المنطقة، ولواء 25 بعمليات إنزال جوي للقوات، قبل أن تقصف وحدة المدفعية أهداف العدو المفترض. وذكر الجيش الإيراني أن قائد قواته البرية العميد كيومرث حيدري، حضر إطلاق المناورات برفقة قادة من الأركان العامة للقوات المسلحة.
وفي تصريحات للتلفزيون الإيراني، قال حيدري إن الجيش سيزيح الستار في المناورات عن "مسيرات ذات قدرة عالية في إصابة الأهداف بدقة والتحليق لمسافات بعيدة"، وسلاحين ضد المدرعات ومنظمات الحرب الإلكترونية.
وتجرى المناورات، كما أعلن الجيش الإيراني، في "المنطقة العامة في شمال غربي البلاد"، من دون الإعلان عن منطقة محددة واسم المحافظة أو المحافظات التي تشهد هذه المناورات، لكن جملة معطيات ترجح أن المناورات تجري على الحدود مع دولة أذربيجان، حيث تشهد هذه الأيام توترات متصاعدة بين طهران وباكو.
وأرسلت إيران خلال الأيام الماضية قوات ومعدات كبيرة إلى نقطة الصفر الحدودية مع أذربيجان، واستقرت الحشود العسكرية هناك بعد أيام من مناورات أخرى أجرتها قوات الحرس الثوري الإيرانية على الحدود مع أذربيجان، وسط مشاحنات متصاعدة بين طهران وباكو.
أسباب التوتر
جملة تطورات ظهرت أخيراً بالقرب من الحدود الإيرانية مع أذربيجان وأرمينيا، مثل عرقلة أذربيجان لعبور الشاحنات الإيرانية المتجهة إلى أرمينيا، وإغلاق طريق غوريس كابان من قبل القوات الأذربيجانية، أثارت قلق السلطات الإيرانية التي ترى فيها مؤشرات على أن أذربيجان تخطط، بدعم تركي، للسيطرة على شريط حدودي في محافظة ستونيك الأرمينية على الحدود مع إيران، والذي سيؤدي إلى إنهاء الحدود الإيرانية المشتركة مع دولة أرمينيا، حسب المراقبين الإيرانيين.
وتترتب على الخطوة تداعيات جيو-سياسية عدة، إذ إنه سيحرم إيران من طريق بديل للوصول إلى أوروبا وجورجيا والبحر الأسود، ويجعل طريق تركيا المسار البري الوحيد أمام إيران للوصول إلى أوروبا، مما سيمنح ذلك ورقة ضغط لأنقرة، فضلاً عن مزايا جيو-استراتيجية أخرى، وحرمان طهران من التأثير في معادلات جنوب القوقاز حسب المراقبين الإيرانيين.
وفيما ستفقد إيران بذلك ميزة جيو-سياسية على حدودها في القوقاز، إلا أن تركيا سيتعزز دورها أكثر في المنطقة بعد أن ربطت ببلدان العالم التركي في آسيا الوسطى وبحر قزوين شمالي إيران عبر إنشاء ممر بين أذربيجان وناختشيفان (جمهورية نخجوان) كأحد أبرز إنجازات اتفاق وقف إطلاق النار بين باكو ويريفان بواسطة موسكو، العام الماضي (44 يوماً من الحرب في منطقة كاراباخ)، فضلاً عن وجود خشية إيرانية من تعاظم الدور الإسرائيلي على حدودها في شمال غربي البلاد، لعلاقات تحالف تربط بين أذربيجان وإسرائيل، بعد أن تعزز هذا الحضور في جنوبها إثر تطبيع العلاقات بين تل أبيب وعواصم خليجية.
وفي السياق، أكد قائد السلاح البري في الحرس الثوري الإيراني، العميد محمد باكبور، الأربعاء، أن بلاده "لن تسمح بتغيير الحدود مع الدول الجارة"، قائلاً إن ذلك "من الاستراتيجيات الجادة للجمهورية الإسلامية، حيث نرى أن أي تغيير جيو-سياسي في المنطقة يخل بأمننا الداخلي، وذلك يشكل خطاً أحمر لنا، ولن نبقى مكتوفي الأيدي أمام ذلك".
وفيما انتقد الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، الإثنين الماضي، إجراء الحرس الثوري الإيراني مناورات على الحدود مع بلاده، أكد قائد القوات البرية بالحرس أن "الدول الجارة تفهم أكثر من غيرها أسباب تنظيم هذه المناورات".
وفي مقابلة مع وكالة "الأناضول" التركية، نشرتها أمس الإثنين، انتقد الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، عبور شاحنات إيرانية إلى كاراباخ عبر ممر لاتشين نحو منطقة خانكندي، واصفاً العبور بأنه "غير قانوني"، فضلاً عن انتقاده مناورات عسكرية للحرس الثوري الإيراني على الحدود مع أذربيجان.
وكانت الخارجية الأذربيجانية، قد استدعت خلال الشهر الماضي، السفير الإيراني في باكو عباس موسوي، مسلمة إياه مذكرة احتجاج على دخول شاحنات إيرانية إلى كاراباخ من دون إذن رسمي، متجهة نحو أرمينيا، فضلاً عن قيام السلطات الأذربيجانية باعتقال سائقين إيرانيين.
وفي مقابلته مع وكالة "الأناضول"، أبدى الرئيس الأذربيجاني استغرابه من المناورات العسكرية للحرس على الحدود مع بلاده، قائلاً إن "هذا حدث عجيب للغاية، لأن مثل هذه الخطوة لم تحدث خلال ثلاثين عاماً من استقلال أذربيجيان. طبعاً، أي بلد يمكنه إجراء مناورات عسكرية داخل أراضيه وهذا حق سيادي له. لكن السؤال هنا: لماذا الآن ولماذا على حدودنا؟ هذه أسئلة شعب أذربيجان وليست أسئلتي. فالأذريون في أنحاء العالم يتساءلون عن ذلك". وتابع علييف أن "السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لم تنفذ هذه التمرينات خلال فترة الاحتلال؟... لماذا تجرى بعد تحرير هذه الأراضي وإنهاء ثلاثين عاماً من الأسر والاحتلال؟ هذه أسئلة مشروعة".
أما عن عبور الشاحنات الإيرانية إلى كاراباخ، فقال علييف إنه "غير قانوني وحدث مراراً خلال فترة الاحتلال"، في إشارة إلى الاحتلال الأرميني لهذه المنطقة، مشيراً إلى أن بلاده أبدت اعتراضها على ذلك للجانب الإيراني عبر قنوات مختلفة.
فضلاً عن بيان للخارجية الإيرانية انتقد تصريحات الرئيس الأذربيجاني، علّق عليها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان أيضاً، أمس الخميس، من خلال القول إن "التصريحات السلبية الأخيرة من قبل جمهورية أذربيجان تدعو للاستغراب والأسف".
وانتقد عبداللهيان "التصرفات غير اللائقة الأخيرة لقوات حرس الحدود لجمهورية أذربيجان مع سائقي الشاحنات الإيرانية واحتجاز اثنين منهم"، قائلاً إن "إجراء المناورات العسكرية للدول داخل أراضيها يأتي في إطار ممارسة الحقوق السيادية الوطنية".
وأشار وزير الخارجية الإيراني إلى "تحركات إسرائيلية" على الحدود الإيرانية الأذربيجانية المشتركة، قائلاً إن "الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تتحمل حضور ونشاط الكيان الصهيوني ضد أمنها القومي، وستفعل ما يلزم ردا على هذا الصعيد".