شهدت الساعات الأخيرة في بغداد مناوشات إعلامية جديدة بين تحالف رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي "دولة القانون"، وأنصار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بعد تصريحات متبادلة حيال مسألة تشكيل الحكومة المقبلة، التي لا يتوقع أن تكون ولادتها سهلة نظراً للنتائج الأولية التي أفرزتها حتى الآن الانتخابات البرلمانية التي أجريت الأحد الماضي.
وتدخل الخلافات السياسية بين الجانبين عامها السابع على التوالي، وتحديدا عقب اجتياح تنظيم "داعش"، مساحات واسعة من البلاد، وتوجيه التيار الصدري الاتهامات للمالكي بأنه أحد أسباب الانهيار الأمني بفعل سياسته الطائفية والفساد الذي بلغ ذروته إبان حكومة المالكي الثانية 2010 ولغاية 2014.
وقال المالكي في رسالة وجهها للقوى السياسية ليلة أمس الخميس إن "المسار الديمقراطي هو السبيل الوحيد لإنتاج السلطة"، موضحاً أن "البلاد تمر بمرحلة تاريخية دقيقة، فعلى الجميع تحمل مسؤولياته في الحرص على السلم الأهلي ووحدة العراقيين وعدم تعميق الانقسامات، والحيلولة دون الانزلاق إلى الفوضى والخلافات العقيمة، ورفض أي ممارسة تدفع نحو الانسداد السياسي".
وشدد على ضرورة قيام مفوضية الانتخابات بما وصفه "إصلاح الخلل الذي رافق إعلان النتائج، وفقاً للدستور والقانون، بعيداً عن الميل إلى أي طرف من المتنافسين".
وبعد ساعات من رسالة المالكي، رد صالح محمد العراقي الذي يقدمه التيار الصدري على أنه "وزير الصدر الإعلامي"، على رسالة المالكي بالقول نقلاً عن زعيم التيار الصدري: "سمعت اليوم تصريح المالكي فيما يخص العملية الانتخابية الحالية، ولعلي فوجئت بكلامه لكنه منقوص"، مضيفاً "عليه تدارك ما ضاع وأضاع نصيحة مني قربة إلى الله تعالى".
وتابع "إن كان (المالكي) يجد نفسه بريئًا مما نسب إليه، فظهور براءته علناً أمر مطلوب، ويعيد له ولحزبه رونقه الجميل". ودعا وزير الصدر قيادات حزب "الدعوة" الذي يتزعمه المالكي إلى "كشف المنتفعين ومعاقبة الفاسدين بداخله".
وختم حديثه بالقول إن "المجرب لا يجرب". في إشارة إلى رفض تولي المالكي ولاية أخرى للحكومة.
وتولى المالكي منصب رئيس الوزراء لفترتين متتاليتين امتدتا لثماني سنوات بين 2006 و2014 وكانت ولايته الثانية حافلة بالأزمات الأمنية والسياسية والاقتصادية وانتهت باستيلاء "داعش" على مساحات واسعة من الأراضي العراقية.
في السياق ذاته، تحدثت مصادر بالعاصمة بغداد، لـ"العربي الجديد"، عن أن المساعي الإيرانية الحالية لا تتعلق بإعادة تأهيل نوري المالكي لرئاسة الحكومة بل لتحقيق توافق سياسي بين القوى الشيعية الرئيسة والتيار الصدري، بما يمنع وقوع أزمة كبيرة بين الجانبين قد تكون لها تأثيرات على الشارع أيضا.
وقال عضو سابق في البرلمان لـ"العربي الجديد" إن الفيتو الذي يضعه الصدر على المالكي ليس الوحيد، إذ إن هناك قوى عربية سنية وأخرى كردية ترفض عودة المالكي للمشهد مرة أخرى، والأهم من ذلك أن النجف أيضاً تعارض هذا التوجه، في إشارة إلى مرجعية السيد علي السيستاني.
ولفت إلى أن "المزاج الإقليمي أيضا غير مستعد للتعامل معه مرة أخرى".
في السياق ذاته، اعتبر القيادي في ائتلاف "دولة القانون" محمد الصيهود أن الكتل الفائزة في الانتخابات "غير قادرة على تشكيل الحكومة الجديدة من دون أن تتحالف أو تتفاهم مع القوى الأخرى"، موضحا في تصريح صحافي أن ذلك يمكن أن يسهم في تشكيل كتلة كبيرة قادرة على تمرير الحكومة.
وتوقع أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد حسان العيداني أن يكون التوافق حاضراً في تشكيل الحكومة المقبلة، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن الذهاب نحو حكومة الأغلبية صعب جداً لأسباب عدة، أبرزها القدرة على جمع أكثر من نصف مقاعد البرلمان البالغة 329 مقعداً، فضلاً عن وجود احتمال إسقاط الحكومة أو إقالة بعض وزرائها في أي لحظة بحال وجدت كتلة معارضة قوية.
الذهاب نحو حكومة الأغلبية صعب جداً لأسباب عدة
ولفت إلى أن الحوارات "وحدها كفيلة بفتح باب التوافق على الكتلة الكبرى التي منحها الدستور حق طرح مرشح رئاسة الحكومة المقبلة، بعيداً عن أي مناوشات إعلامية".