ما زال التقرير الذي نشرته الرئاسة الفرنسية وقدمه المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا، حول كيفية معالجة ملف الذاكرة بين الجزائر وفرنسا، يثير مزيداً من الردود الرافضة لمضمونه في الجزائر، خاصة أنه تجاهل تماماً مسألة الاعتراف الفرنسي بالجرائم والاعتذار عنها.
وقال الأمين العام بالنيابة لمنظمة المجاهدين (قدماء محاربي ثورة التحرير) محند واعمر بن الحاج، في بيان مصور بثه على موقع المنظمة، إن التقرير الذي أعده المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا حول الاستعمار وحرب التحرير أغفل تماماً الجرائم الاستعمارية، وحاول طمسها واختزال ملف الذاكرة والمصالحة في إطار احتفال رمزي لطيّ صفحة الاعتراف والاعتذار".
وأضاف المناضل محند واعمر أن التقرير، الذي رفعه المؤرخ بنجامين ستورا إلى قصر الإليزية، كُتب لأغراض سياسية وأظهر محدوديته الكبيرة في سرد الحقائق التاريخية، مشيراً إلى أن المؤرخ ستورا انقلب تماماً على مواقفه السابقة، إذ كان "قد تطرق في كتاباته السابقة إلى الجانب المظلم من تاريخ فرنسا الاستعماري، بينما أغفل تماماً الحديث في تقريره عن مختلف الجرائم الاستعمارية التي مارستها الدولة الفرنسية باعتراف الفرنسيين أنفسهم".
وكان المسؤول الجزائري يعلق على التقرير الذي صاغه المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا وسلمه قبل أسبوع إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والذي تضمن تصوراً من 22 خطوة وتوصية لمعالجة ملف الذاكرة بين الجزائر وفرنسا، لكنه لم يتضمن أية توصية بتقديم اعتذارات فرنسية عن جرائم الاستعمار في الجزائر.
وفي رأي المسؤول بالمنظمة، التي تعد كبرى المرجعيات الثورية في الجزائر، فإن "أصل مشكلة الذاكرة بين البلدين بدأ بإرسال الملك الفرنسي شارل العاشر جيشه إلى الجزائر سنة 1830، بهدف استعمار البلاد واستنزاف ثرواتها وإبادة شعبها، على امتداد قرن ونيف من المجازر، وإبادة ملايين الجزائريين ونشر الأوبئة والتجهيل، وهذه حقائق تجاهلها ستورا، وحاول تجاوز هذا التاريخ الأليم، واختزل كل عمليات القتل في اغتيال شخصية جزائرية واحدة هي الشهيد علي بومنجل".
واعتبر مسؤول المنظمة هذه الخطوة دليلاً إضافياً ومؤشراً واضحاً على عدم "صدق الإرادة السياسية للجانب الفرنسي، واستبعاد أي إمكانية لاعتذار فرنسا الرسمية عن الجرائم الاستعمارية"، مشيراً إلى أن ذلك "يقوض محاولات "التصالح مع الذاكرة، والتي لن تتم ما لم تقر الدولة الفرنسية بجرائمها ضد الإنسانية".
ولفت نفس المصدر إلى أن هذا الموقف الفرنسي هو جزء من"الممارسات السابقة للدولة الفرنسية بخصوص ملف الذاكرة، واستغلاله في مختلف المواعيد السياسية الهامة"، واتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالسعي إلى "استعمال ملف الذاكرة كورقة رابحة في الانتخابات الرئاسية المقبلة".
وفي يونيو/حزيران الماضي، كان الرئيسان الجزائري عبد المجيد تبون والفرنسي إيمانويل ماكرون قد اتفقا على تكليف شخصيتين متابعة ملف الذاكرة، إذ تم تكليف مدير الأرشيف عبد المجيد شيخي عن الجانب الجزائري، والمؤرخ بنجامين ستورا عن الجانب الفرنسي.
واتهم المؤرخ شيخي، قبل شهر، باريس بالتهرب من معالجة جدية لملف الذاكرة، المتضمن عدة مشكلات عالقة حتى الآن بين البلدين، تخص خرائط الألغام التي زرعها الاستعمار على الحدود مع تونس والمغرب، وما زالت تخلف ضحايا بين الحين والآخر، وملف التفجيرات النووية نهاية الخمسينيات والتي ما زالت آثار إشعاعاتها السامة موجودة حتى الوقت الراهن، إضافة إلى ملف المجازر والإبادة الجماعية والأرشيف الجزائري المهرب إلى باريس وغيرها من الملفات.