دعا المشاركون في الفعالية التضامنية التي أُقيمت أمام مقر محكمة العدل الدولية في لاهاي، أمس الجمعة، إلى تفعيل القرار الاستشاري الذي أصدرته المحكمة بقضية جدار الفصل العنصري في فلسطين، وإلى إزالته وتعويض الفلسطينيين المتضررين منه.
وأشار القرار الاستشاري إلى اختصاص المحكمة بالنظر في قضية الجدار العنصري، وبأنها قضية تهمّ الأمم المتحدة، مؤكداً في قراره أن لا شرعية للمستوطنات الإسرائيلية المقامة فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 1967، وبأن الجدار يعيق حق تقرير مصير الشعب الفلسطيني.
ونظّم الوقفة عدد من المنظمات الحقوقية والاجتماعية في هولندا وأوروبا، في ذكرى صدور القرار عن المحكمة في التاسع من تموز/ يوليو 2004، وهي واحدة من خمسة عشر وقفة متزامنة في عدد من المدن الأوروبية، بحسب أحمد سكينة، رئيس المبادرة الأوروبية لإزالة الجدار والمستوطنات الإسرائيلية، إحدى الجهات المنظّمة.
وفي حديث مع "العربي الجديد"، أشار سكينة إلى حقّ الفلسطينيين بالتساؤل عن عدم الأخذ بالرأي الاستشاري للمحكمة، وتحويله إلى الجهات التنفيذية من أجل تنفيذه.
وأضاف بأن الوقفة وغيرها لديها عدد من الرسائل أرادت توجيهها، الأولى رسالة إعلامية للعالم ككل أنه جاء الوقت لمحاسبة إسرائيل على الجرائم التي ترتكبها بشكل يومي، وثانيا، رسالة إلى المجتمعات الغربية، كالمجتمع الهولندي وغيره من المجتمعات الأخرى التي يعيش بينها أقراننا، بغية إصدار موقف حقيقي من هذه المجتمعات والمؤسسات الأوروبية، يضغط على صنّاع القرار، على الحكومات والبرلمانات بضرورة التحرك وعدم القبول بأي شكل من أشكال العنصرية في عصرنا، كالجدار العنصري.
وفي كلمة له، أشار الأستاذ في جامعة أمستردام مارتاين ديكر إلى الطبيعة العنصرية للجدار وبأنه يعزل ويسجن "الآخر" عن معرفة ما الذي يجري حقيقة خلفه، وكونه جداراً للضم وقضم الأرض أكثر منه لأسباب أمنية، وبعدم جدوى الادعاءات الأمنية بسبب عدم قدرة جدران بلفاست في إيرلندا الشمالية على جلب الأمن أو السلام.
ولفت ديكر إلى أن وظيفة الجدران هي "التقسيم، وفرض هنا وهناك، هم ونحن"، داعياً إلى فرض العقوبات ومقاطعة إسرائيل حتى إزالة الجدار ووقف سياساتها.
من جهته، أشار يان فاينبرخ إلى أن شعار "أزيلوا الجدار" الذي ردده المشاركون، يعتبر الشعار الأهم في الذكرى السنوية لصدور القرار الاستشاري عن المحكمة، وذكّر الدبلوماسي والرئيس السابق لحملة "أوقفوا الاحتلال" بالقرار 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبأنه نصّ على إنشاء دولتين، فيما الاحتلال هو الدولة الوحيدة القائمة، وهذا يشكل إهمالاً من المجتمع الدولي.
وحملت الكلمات الأخرى للمشاركين دعوات لوقف جرائم الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، ووجهت التحية لنضال الشعب الفلسطيني وصموده في حيّ الشيخ جرّاح وسلوان، وباقي المدن والقرى الفلسطينية في وجه سياسات الهدم والتهجير والمصادرة.
وفي كلمة له، أشار يوسف الكبرا، فلسطيني مقيم في هولندا، وبالأصل لاجئ من ترشيحا، إلى جرائم الاحتلال في استهداف الفتية والأطفال الذين تظاهروا بسلمية خلال مسيرات العودة في قطاع غزة، ما أدى إلى إصابات وإعاقات خطيرة بين الأطفال العُزّل.
حالة التضامن التي تشهدها هولندا وباقي المدن الأوروبية، من خلال الوقفات المشابهة والمسيرات التي عمّت المدن خلال الهبّة والمواجهة الأخيرة مع الاحتلال، رأى فيها رئيس مؤتمر فلسطينيي أوروبا، أمين أبو راشد، حالة غير مسبوقة.
وبحسب أبو راشد، فإن تلك المدن والعواصم انتفضت خلال هبّة باب العمود والشيخ جرّاح، ونزل المشاركون بمئات الآلاف، وهذا يدل على أن أنصار فلسطين في العالم بازدياد وأنصار دولة الاحتلال في تراجع كبير جداً.
وأشار أبو راشد إلى أن تلك التحركات شهدت أيضا رفعاً للسقف في الشعارات والمطالب الخاصّة بفلسطين، وهو ما لم يكن مقبولا أو قائما قبل المواجهة الأخيرة والتفاعل الشعبي والعالمي معها، فإلى جانب شعار "الحريّة" لفلسطين حضرت شعارات أكثر جذرية وذات دلالة أعمق كشعار: "من النهر إلى البحر فلسطين ستتحرر".
ولفت أبو راشد إلى أن مقاومة الشعب الفلسطيني وصموده في الضفة وغزة والقدس، والمناطق المحتلة في العام 1948 هي من "فرضت الشعارات الجديدة في المظاهرات والتحركات في المدن الأوروبية والعالمية، وشهدنا علو الصوت الواقف إلى جانب النضال الفلسطيني".
وأضاف "هذا الصوت ليس صوتاً فلسطينياً أو عربياً فقط، فإلى جانب أبناء الجاليات في المهجر، حضرت وعلت أيضاً أصوات المتضامنين الأجانب، أصوات أوروبية من مختلف المشارب والانتماءات السياسية والثقافية، ولم تعد تنطلي عليهم ادعاءات وأكاذيب الاحتلال، التي تصوّره فيما سبق كضحية، بل تظهر صورة إسرائيل اليوم على حقيقتها معتدية على الحق الفلسطيني، وحضور أصوات كبيرة ومؤثرة تدعو إلى محاسبة تل أبيت على الجرائم ووقفها بحق فلسطين وشعبها".
وشهدت الوقفات في المدن الهولندية الأخرى، دعوات مماثلة وحضوراً متبايناً بسبب إجراءات كورونا، وعبّر المشاركون فيها عن تضامنهم مع الفلسطينيين، وإلى إزالة الجدار العنصري والمستوطنات الإسرائيلية، وإلى تفعيل مقاطعة الاحتلال على الصعد كافة، وإحالة القرار الاستشاري لمحكمة العدل الدولية إلى الجهات التنفيذية في الأمم المتحدة.