من "المهندسين" لـ"الصحافيين"... رسائل سياسية من النقابات المصرية

01 يونيو 2023
النبراوي خلال لقاء للنقابة في إبريل الماضي (فيسبوك)
+ الخط -

جدد أعضاء الجمعية العمومية لنقابة المهندسين في مصر الثقة في المهندس طارق النبراوي نقيباً لهم، وذلك بعد التصويت برفض سحب الثقة، ضمن الجمعية العمومية غير العادية التي انعقدت أول من أمس الثلاثاء.

وحملت نتائج التصويت سواء في انتخابات نقابة الصحافيين في 17 مارس/آذار الماضي، أو الجمعية العمومية غير العادية لنقابة المهندسين، دلالات سياسية وتفسيرات مختلفة، خصوصاً بعدما شهدت انتخابات نقابة المهندسين العودة لممارسات النظام السابق، باستخدام "البلطجية"، الذين اقتحموا مقر فرز وتجميع الأصوات وتحطيمه بالكامل، وبعثرة أوراق التصويت، بعد الاعتداء على القضاة والمهندسين، في ظل غياب تام من لأجهزة الأمن، التي اختفت فجأة من المشهد.

وفي السياق، قال النائب السابق، عضو الجمعية العمومية لنقابة المهندسين، هيثم الحريري، لـ"العربي الجديد" إنه كان من "المفترض أن يُفتح باب التسجيل والتصويت الساعة العاشرة صباحاً، لكنه تأخر نحو ساعة كاملة، وكانت هناك محاولات لجعل التصويت بالشكل الورقي، إلا أن اعتراضات واسعة حصلت من المهندسين".

وأوضح أن "هذا الشكل قد يفتح الباب أمام التزوير، بسبب إمكانية التسجيل أكثر من مرة، علماً أنه هناك اتفاقا على تمديد التصويت ساعة كتعويض عن التأخير، لكن القاضي تراجع عن موقفه، وتم إغلاق الحرم الانتخابي في الساعة السابعة، لكن الموجودين داخل اللجان كان مسموحاً لهم بالتصويت".

وأضاف: "أيضاً كان هناك اتفاق على وجود 40 مندوباً عن كل طرف، بمعدل مندوب لكل لجنة انتخابية، وكان من المفترض استلام تصريحات المندوبين في الساعة السادسة، ثم تراجعوا وأبلغونا بوجود خمسة مندوبين فقط لكل طرف، وهو أمر غير منطقي، وبعد مفاوضات وافقوا على وجود عشرة مندوبين على 40 صندوقاً انتخابياً".


هيثم الحريري: اعتدى البلطجية على المهندسين وهرب القضاة

وأعرب الحريري عن مفاجأته بـ"عدم وجود أي تأمين من قبل قوات الشرطة، والنتيجة لم تعلن بعد، وكان القضاة والمهندسون ما زالوا موجودين داخل اللجان، ثم اقتحم عدد من البلطجية، وبدأوا في الاعتداء على المهندسين في حالة من الترهيب، ووصلوا إلى الحرم الانتخابي في أثناء عملية فرز الأصوات، وحطّموا الصناديق، فترك القضاة اللجان وذهبوا".

واعتبر الحريري أن "هناك تواطؤاً واضحاً وصريحاً من قوات الأمن، وهناك شبهة تواطؤ للجنة المشرفة على الانتخابات لتعطيلها المتعمد لإعلان النتيجة"، لافتاً إلى أن "هناك بيانات متداولة، تؤكد رفض أكثر من 22 ألف صوت انتخابي، لسحب الثقة من النبراوي، في مقابل أقل من ألفي صوت".

عودة إلى ممارسات نظام مبارك 

وتطرق الناشط السياسي، رامي شعث، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى الاعتداءات التي سجلت قائلاً إنها "المرة الأولى التي يحدث مثل هذا الأمر في السنوات الأخيرة، لكنه حدث من قبل في عصر (الرئيس الراحل حسني) مبارك، ومن نفس النوعية من الناس التي تعتقد أنها تمتلك القدرة والقوة والنفوذ".

وأضاف: "لو كانت هناك إرادة لدى النظام لإيقاف مثل هذا المشهد، لتم القبض على هؤلاء البلطجية والمحرض من ورائهم، وأُحيلوا للنيابة بشكل سريع".

وطالب بأن تكون الجهة القضائية هي النيابة العامة "مع إجراء تحقيق عادل"، رافضاً تحويل الملف إلى "نيابة أمن دولة عليا كما يحدث مع المعارضين، ولكن الأجهزة الأمنية لا تتحرك إلا للقبض على المعارضين وأصحاب الرأي والمطالبين بالتغيير السلمي".

بدوره اعتبر عضو حركة "الاشتراكيين الثوريين"، حسام الحملاوي في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "مشهد البلطجة والاعتداء الذي حدث في نقابة المهندسين، هو جزء من مشهد أكبر يحدث داخل النقابات أخيراً فالنظام المصري الحالي فاقد لشعبيته بين قطاعات واسعة من الشعب المصري".

وأشار إلى أنه "تاريخياً النقابات المهنية كان لديها هامش للعمل السياسي، حتى في ظل أسوأ الأوضاع الديكتاتورية سابقاً، وبعد انقلاب 2013 تم تدمير كل أشكال المجتمع المدني في مصر، ومن ضمنها النقابات، لكن ما حدث هو مؤشر على بدء عودة السياسة في مصر، بعد تصحير المشهد السياسي على مدى 10 سنوات".

وأضاف الحملاوي: "رأينا نقابة المحامين في ديسمبر/كانون الأول الماضي، حين بدأت في تحركات وتظاهرات ضد الفاتورة الإلكترونية، وسبقها في السنوات الأخيرة تحرك بعض القطاعات في شكل تظاهرات، ليس فقط في القاهرة ولكن أيضاً في المحافظات، ثم في يناير/كانون الثاني الماضي، عندما أعلن المحامون الإضراب العام تضامناً مع 6 من زملائهم المعتقلين وتم الإفراج عنهم. وبعدها في مارس الماضي، تحرك الصحافيون لتحرير نقابتهم من سيطرة النظام عليها، وفاز تيار الاستقلال بأربعة مقاعد من أصل ستة، فضلاً عن منصب النقيب، وجاء الدور على نقابة المهندسين".


عضو بالحركة المدنية: التصويت المتكرر برفض ممثلي الحكومة هو تصويت على سياسات النظام 

ورأى الحملاوي أنه "على الرغم من أن المهندس طارق النبراوي، نقيب المهندسين، ليس بالشخص الراديكالي أو الثوري، لكنه يحاول الحفاظ على استقلال النقابة بقدر الإمكان من تدخلات أجهزة الأمن، التي تتوارى في شكل المسؤولين في حزب (مستقبل وطن) التابع لتلك الأجهزة".

ولفت إلى أن "الاحتشاد من آلاف المهندسين لدعم النبراوي في مواجهة تدخلات الأمن، هو مشهد لم نره منذ فترة طويلة جداً، فكان رد النظام بشكل خطير وعنيف وذكرنا بأيام مبارك، بإرسال بلطجية للاعتداء على المهندسين وتدمير صناديق التصويت".

معارك سياسية في النقابات المصرية

وتابع الحملاوي: "هناك احتمالات كبيرة لأن يستغل النظام الأحداث الأخيرة لفرض الحراسة على النقابة مرة أخرى، لذلك لا بد من اليقظة والحذر ومحاولة الدعم بقدر الإمكان، ولا أظن أن هذه هي المعركة الأخيرة سواء في نقابة المهندسين أو على المستوى النقابي بشكل عام".

وأعرب عن اعتقاده بأن "ما يحدث يعيد إحياء الأمل في نفوس البعض، فكل هذه الأمور هي معارك ومؤشرات سياسية جيدة على الطريق لانتخابات رئاسة الجمهورية (المقررة في وقت لم يحدد من العام المقبل)، وكي نكون واقعيين، فحتى اللحظة لا نعرف كيف سيكون المشهد السياسي في المستقبل القريب، فنحن نرى بطش النظام في كل النواحي، والقبض على أقارب وأنصار المرشح الرئاسي المحتمل أحمد الطنطاوي، لكن في أي هامش يُتاح للمصريين التحرك خلاله تتم هزيمة النظام، وإذا هناك فرصة لانتخابات رئاسية على قدر من النزاهة، لا أظن بقدرة (الرئيس عبد الفتاح) السيسي على النجاح والاستمرار".

وفي هذا الإطار قال عضو في مجلس أمناء الحوار الوطني، من المحسوبين على الحركة المدنية، إن "ما جرى في التصويت خلال الجمعية العمومية للمهندسين، ومن قبله انتخابات نقابة الصحافيين، لا يمكن فصله عن المشهد السياسي العام، والذي يكشف أن هناك تغيراً في توجهات الشارع المصري، الذي بات يرفض بشكل قاطع الإدارة الحالية، مهما صورت وسائل الإعلام التابعة للنظام عكس ذلك".

وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، شرط عدم الكشف عن اسمه، أن "التصويت المتكرر برفض ممثلي الحكومة أو النظام، هو تصويت على سياسات النظام الحاكم نفسه، ورغبة حقيقية في التغيير السلمي، بعيداً عن الانفجارات الشعبية والثورات".

واعتبر عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، أن "التغير في الموقف من قطاعات كانت داعمة بقوة للرئيس عبد الفتاح السيسي ونظام حكمه، بعد عشر سنوات، هو بمثابة تصويت لا بد أن يلتفت إليه الرئيس، ويدرك جيداً أن الشعب منح الفرصة لمدة 10 سنوات وهي كافية تماماً".

وشدّد على "ضرورة فتح المجال العام، والسماح بتغيير سلمي، وهو الأمر الذي يجب أن تدركه المؤسسات الحاكمة في مصر جيداً، حتى لا يحدث ما يريده الجميع بانفجار شعبي أو ثورة جديدة تطيح بكل شيء".