في بعض لوحاته، خص الفنان الراحل ناجي العلي مخيم عين الحلوة. إحداها عين دامعة بقذائف مقاومة الغازي الصهيوني، يراقبها حنظلة، بعد مقاومة المخيم المشهودة لغزو لبنان صيف 1982. كيف لا والعلي نفسه ابن هذا المخيم الذي يعصف فيه "اقتتال الأخوة"، كما جسّد في لوحات أخرى. الاقتتال ليس بجديد، لكنه الأشد خطورة، وهو نتاج مرض حقيقي أفرزته انكسارات الأسهم الدالة على فلسطين.
أهل عين الحلوة، أبناء الساحل والجليل الفلسطينيَين، الذين قاوموا قسوة لجوئهم تحت خيمة "أم سعد" غسان كنفاني، لتجسيد العودة إلى وطنهم، لم تعد تهمهم أسباب "اقتتال الأخوة"، فمرارة هدر الدم تتعمق، والتي بالمناسبة شهد حنظلة محطات أخرى منها، ليس فقط لعبثية أنه يجري باسم فلسطين، بل لأن الأمر أبعد من مجرد اقتتال على السيطرة.
تعرّض المخيم، كبقية مخيمات لبنان، بعد مذبحة صبرا وشاتيلا في سبتمبر/أيلول 1982، لحرب وحصار (حرب المخيمات بين 1985 و1988)، وبمعية نظام عربي رفع لواء فلسطين، ولاحق شعبها باسم كراهية "العرفاتية"، حيث كان في 1983 قد دك مخيمَي البداوي ونهر البارد مع طرابلس اللبنانية، تحت ذات سقف الكراهية، ذلك إلى جانب التضييق عليهم في لبنان باسم "حماية حق العودة".
ذاكرة استهداف "نهر البارد" في 2007 (المعركة بين الجيش اللبناني وفتح الإسلام) ماثلة باستمرار التهجير والدمار. شيء يشبه مخيم اليرموك في العاصمة السورية دمشق. فمنذ 2012 وناس اليرموك مهجّرون وممنوعون منه، ينظرون إلى أطلال أحيائهم وشوارعهم، التي حملت أساساً أسماء قراهم ومدنهم الأصلية التي هُجروا منها في عام النكبة 1948، وذلك رغم إعلانات "انتصار نظام الممانعة" ذاته الذي أجّج حرب المخيمات وحصارها في لبنان.
وكأنها حلقة أخرى لاستكمال خطط تهجير وتفتيت الفلسطينيين بعيداً عن فلسطين. وهو ما دأبت عليه مليشيات بغداد بعد الغزو الأميركي في 2003. يُفترض بمن يمثل الشعب والقضية الفلسطينية، وحاملي السلاح باسمها، الإنصات جيداً للحدس الجمعي لدى شعبهم. لكن للأسف ثمة ما يشبه الارتباك والوهن، والانجرار نحو اصطفافات ومشاريع لا علاقة لها بفلسطين والمخيمات.
على كل، إذا كان الفلسطيني قد سئم التحاف البعض بقضيته لتبرير استبداده ومشاريعه تحت رايات إقليمية فقدت في مدن عربية بوصلتها، فهو بلا شك لا يسره الاستماع لبطولات زائفة على أطلال عين الحلوة، وخلق مبرر آخر لاستهداف الوجود الفلسطيني اللاجئ، بل والعزف على أوتار تصفية حق العودة، بطريقة مدمرة ومأساوية.