منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية في عام 2014، قطع المدون الحربي، مكسيم فومين، المعروف باسمه المستعار فلادلين تاتارسكي، والذي لقي مصرعه جراء انفجار بمقهى في العاصمة الشمالية الروسية سانت بطرسبورغ أمس الأحد، مسيرة حافلة بدأت بهروبه من السجن وصولا إلى واحد من أشهر المراسلين الحربيين الموالين لروسيا الذين يحضرون مراسم مهيبة في الكرملين.
ولد مكسيم فومين في بلدة ماكييفكا الواقعة في مقاطعة دونيتسك الأوكرانية التي ضمتها روسيا في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، تحت اسم "جمهورية دونيتسك الشعبية"، في عام 1982. وبعد تخرجه في المدرسة، عمل بمنجم، ثم زاول أعمالا في مجال بيع الأثاث. وبحسب أقواله هو نفسه، حصل على قروض لتوسيع منشأته، ولكن المتاجر لم تكن تحقق أرباحا كافية. وفي ديسمبر/كانون الأول 2011، سرق هو ورفاقه مصرفا، وتم اعتقاله وإدانته على أثر الواقعة، وكان يؤدي العقوبة في إصلاحية في بلدة غورلوفكا.
من السجن إلى ساحة المعركة
مسيرة فومين أو كما يعرف تاتارسكي شهدت تحولا جذريا بعد اندلاع النزاع في منطقة دونباس شرق أوكرانيا في ربيع عام 2014، إذ اندلعت في الصيف من العام ذاته، أعمال قتال في محيط الإصلاحية، مما مكنه من الهروب والالتحاق بقوات الدفاع الشعبي الموالية لروسيا، ليشارك في أعمال القتال تحت اسم شهرة "بروفيسور".
إلا أن فومين اعتقل في وقت لاحق مرة أخرى بسبب انعدام مسوغات قانونية للإفراج عنه، قبل أن يعفو رئيس "جمهورية دونيتسك الشعبية" آنذاك، ألكسندر زاخارتشينكو، عنه، فخدم تحت قيادة القائد الميداني إيغور بيزلير، ثم في وحدة "فيتياز" (الفارس). وبعد تحويل قوات الدفاع الشعبي إلى الشرطة الشعبية لـ"جمهورية لوغانسك الشعبية"، خدم في الفرقة الرابعة لها حتى نهاية عام 2014. وفي عام 2017، تعاقد مع الشرطة الشعبية لـ"جمهورية لوغانسك"، بينما رفضت شرطة "جمهورية دونيتسك" قبوله بسبب إدانته السابقة.
وبعد استقالته من الخدمة في عام 2019، انتقل إلى موسكو، حيث أسس مجموعة على شبكة "فكونتاكتي" وقناة على "تيليغرام" البالغ عدد المشتركين فيها أكثر من 570 ألفا، لتغطية الأحداث في دونباس، واختار لنفسه الاسم المستعار فلادلين تاتارسكي المستوحى من اسم الشخصية الرئيسية لإحدى روايات الكاتب الروائي الروسي فيكتور بيليفين.
وعشية بدء الحرب الروسية في أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، عاد إلى الخدمة بكتيبة "فوستوك" (الشرق)، حيث تولى التحكم في المسيرات، وواصل تغطية مستجدات الحرب بصفته مراسلا ومدونا حربيا على شبكات التواصل الاجتماعي.
وفي 30 سبتمبر/أيلول الماضي، حضر مراسم توقيع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على مرسوم ضم "جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك" ومقاطعتي زاباروجيا وخيرسون إلى روسيا.
قنبلة في تمثال
لقي تاتارسكي حتفه، أمس، على أثر انفجار بمقهى على كورنيش الجامعة في سانت بطرسبورغ أسفر أيضاً عن إصابة 25 شخصاً.
ووقع الانفجار أثناء أمسية لتاتارسكي أقيمت بمقهى "ستريت بار" ونظمتها "الجبهة السيبرانية زاد" التي أقر مؤسس شركة "فاغنر" العسكرية الخاصة، يفغيني بريغوجين، بأنه هو من يوفر مقرا لها. وصنفت الجبهة الانفجار في بيانها كعمل إرهابي، معربة فيه عن أسفها لكون بعض الإجراءات الأمنية التي اتخذتها غير كافية.
وأفاد شهود عيان بأن دوي الانفجار سمع من الخشبة، على أثر إحضار فتاة مجهولة تمثالا محشوا بقنبلة أهدته لتاتارسكي، ثم انفجر بعدها بخمس دقائق.
وهذه ليست أول واقعة استهداف إعلاميين داعمين للحرب الروسية على أوكرانيا، إذ كشف جهاز الأمن الفيدرالي الروسي في بداية مارس/آذار الماضي، عن إحباط ما قال إنّه محاولة الأجهزة الخاصة الأوكرانية تدبير عملية اغتيال رجل الأعمال، قسطنطين مالوفييف، وهو مؤسس ورئيس مجلس إدارة قناة "تسارغراد" ذات التوجهات المحافظة.
وفي أغسطس/آب الماضي، اغتيلت داريا دوغينا، ابنة المنظّر القومي الروسي، ألكسندر دوغين، والذي يلقبه الإعلام الغربي بـ"عقل بوتين"، وذلك أثناء عودتها من مهرجان في ضواحي موسكو، بواسطة تفجير قنبلة مزروعة في سيارتها.