تشهد مدن عدة جنوبي العراق استهداف مكاتب نواب مستقلين في البرلمان، عبر محاصرتها والاحتجاج قربها، أو اقتحامها وحرقها، تحت غطاء متظاهرين غاضبين يطالبون بفرص عمل وخدمات، إلا أنّ عدداً من النواب المستهدفين يعتبرون أنّ جزءاً من تلك الأعمال غير عفوي، وتقف خلفه قوى سياسية نافذة تسعى لإفشال تجربة المستقلين في البرلمان، خصوصاً الذين أعلنوا في وقت سابق رفضهم أي اصطفاف في الأزمة الحالية.
وخلال الأسبوع الماضي، هاجم محتجون مكاتب النواب هادي السلامي، وحيدر شمخي، ومحمد عنوز جنوبي البلاد، وأقدموا على تخريب عدد منها ومحاصرة أخرى، تحت شعارات تطالبهم بتوفير فرص العمل والإيفاء بوعودهم الانتخابية، بينما يؤكد مسؤول أمني عراقي أنّ جزءاً من سبب استهداف هذه المكاتب هو دراية المواطنين بأنهم لا يملكون قوة مسلحة على غرار باقي مكاتب النواب التابعين لأحزاب وجهات سياسية نافذة.
ويؤكد النائب في البرلمان حيدر شمخي، والذي تعرض مكتبه الأسبوع الماضي لهجوم من قبل محتجين، أنه "يتقبل الفعل لو كان المهاجمون غير متحزبين"، مشيراً لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "ما حصل وتكرر لأكثر من مرة هو مخطط للضغط على النواب المستقلين غير التابعين لجهات أو أحزاب سياسية. هناك من يعمل على جرنا لمساحة أخرى يريدها أو القبول بالاصطفافات الحالية".
ووفقاً لشمخي، فإنّ "تلك الهجمات لو كانت فعلاً من شبان غير متحزبين يطالبون بفرص عمل، فهي مقبولة حتى وإن كانت بطريقة قاسية تخالف القانون، رغم أننا لا نملك صلاحية توظيفهم، ولكن وبشكل قطعي، سنلاحق المعتدين وفقاً للقانون، خصوصاً وأننا نلمس وجود جهات سياسية تقف خلف ذلك وتسعى لإسقاط تجربة النواب المستقلين".
بدوره، يقول مسؤول أمن في جهاز الشرطة بمدينة النجف (150 كيلومتراً جنوبي العراق)، لـ"العربي الجديد"، إنّ "عدداً من الأشخاص أقدموا السبت الماضي على إحراق إطارات أمام مكتب عدد من النواب، وحاول الشباب أن يقتحموا ويحرقوا هذه المكاتب لولا تدخل القوات الأمنية التي منعت ذلك وأغلقت المكاتب فقط".
ويضيف المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه أنه "تم تشكيل لجنة للتحقيق بالحادث، إضافة للتحقيق السابق المفتوح بحوادث مشابهة حصلت مع مكاتب نواب آخرين، والتحقيق سيكون بعيداً عن أي ضغوط سياسية، وستعرض نتائجه للجهات المختصة حينها لاتخاذ الاجراءات القانونية".
ويشير المصدر إلى أنّ هنالك خطة أمنية خاصة وُضعت لحماية المكاتب وضمان منع تكرار هذه الحوادث، خشية حدوث صدامات أو تطور الأوضاع لمرحلة غير مقبولة".
ويرجح مراقبون خيار الدعم الحزبي لهذه الأفعال، لاستخدام الضغط وسيلة لتحقيق أهداف معينة. ويتحدث الناشط السياسي جنوبي العراق أحمد الفتلاوي لـ"العربي الجديد"، عن "سيناريو لممارسة الضغوط على النواب المستقلين باستخدام طرق وأساليب عديدة بهدف إسقاط تجربتهم الجديدة شعبياً".
ويضيف الفتلاوي أنّ "جزءاً كبيراً من مساعي شيطنة النواب المدنيين والمستقلين تقف خلفه الأحزاب الدينية الكبيرة التي تعتبر أن تلك القوى الناشئة انتزعت منها مقاعد في معاقلها التقليدية، وتسعى من الآن لعدم تكرار ذلك في الانتخابات المقبلة"، معتبراً أن "القوى السياسية والفصائل المسلحة تدخل ضمن دائرة الاتهام في التحريض على المستقلين والمدنيين، وتسخير جيوشها الإلكترونية للنيل منهم".
وفي هذا السياق، يعتبر عضو تحالف "الإطار التنسيقي" أحمد العوادي أنّ التلميح إلى تحالفه بأنه يقف خلف جزء من تلك الأعمال غير دقيق واتهام باطل، قائلاً لـ"العربي الجديد": "لم نتلقَ أي اتهام بشكل مباشر بأننا نعمل على مضايقة المستقلين أو إغلاق مكاتبهم. هذا الاتهام باطل إن وجد، نحن نتعامل وفقاً للسياقات السياسية في أي مباحثات، ولا نركن للشارع ولا نستخدم هذه الأساليب، نحن الذين تعرضت مكاتبنا ومكاتب نوابنا للحرق والاقتحام في أوقات سابقة ولم نرد، بل تصرفنا بحكمة".
ويضيف العوادي "الإطار التنسيقي لديه تفاهمات مع المستقلين، وقالها بشكل واضح بأنه سيحمي ويدعم هذه التجربة، فمن غير الممكن أنه يشجع أو يدعم أفعالاً خارجة على القانون، كما أن المنطق يحتم على الإطار تقريب وجهات النظر، لا نصب العداء لأي أحد".