- دعوات لوجبات إفطار رمضانية مع مسؤولين إسرائيليين من قبل بعض العائلات تثير جدلاً واسعًا، لكنها تعتبر استثناء ولا تعبر عن موقف المجتمع العام الرافض لمثل هذه الزيارات.
- المجتمع متمسك بقضاياه الوطنية ومستمر في نضاله ضد العنصرية والاحتلال، معتبرًا الدعوات لموائد الإفطار مع مسؤولين إسرائيليين نادرة ولا تعكس هويته أو موقفه الوطني.
في الوقت الذي يشد فيه المجتمع العربي الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1948 الرحال يومياً إلى المسجد الأقصى، ويعبر عن غضبه مطالباً بوقف حرب الإبادة على قطاع غزّة، عدا عن محاولاته الانخراط في حملات إغاثة، ومواجهة كثيرين من أبنائه الاعتقال في سجون الاحتلال، تظهر بعض الشوائب أحياناً من قبيل دعوة يوجهها أفراد من المجتمع ذاته، لجنرالات في جيش الاحتلال وأعضاء كنيست وغيرهم من مسؤولين إسرائيليين إلى وجبات إفطار رمضانية.
تكرّر هذا المشهد مرتين على الأقل في رمضان الحالي في دعوتين وُجهتا إلى وزيرين بارزين، الوزير في مجلس الحرب الإسرائيلي (كابنيت الحرب) بني غانتس، من إحدى العائلات في النقب، ودعوة أخرى إلى وزير الأمن يوآف غالانت الذي دعي إلى مائدة إفطار في منطقة المثلث. تُعتبر مثل هذه الدعوات حالات شاذة عن المجتمع العربي الفلسطيني المتمسّك في غالبيته العُظمى بثوابته الوطنية، ويرفض مثل هذه الزيارات، خصوصاً في ظل الفترة الصعبة التي يعيشها أبناء الشعب الفلسطيني في كل مكان، لا سيما في قطاع غزّة، حيث حرب الإبادة والتجويع التي تشنّها إسرائيل.
وعادة ما تأتي مثل هذه الدعوات على خلفية علاقات شخصية بين مواطنين عرب وسياسيين أو عسكريين إسرائيليين، أو من ناشطين عرب في أحزاب صهيونية، أو متأسرلين أو غيرهم. ورغم التضييق الإسرائيلي الكبير على المجتمع العربي من السلطات الإسرائيلية وقمعه حتى على مستوى التعبير عن الرأي، تخرج كثير من ردات الفعل الغاضبة والرافضة مثل هذه الدعوات. وفي الأوقات العادية، كما في أوقات الهجمات الشرسة من المؤسّسة الإسرائيلية على عموم الشعب الفلسطيني، كالمرحلة الحالية، يرتفع سقف الرفض لمثل هذه المبادرات أكثر، وتكون أحياناً حتى من داخل العائلات نفسها التي يقوم بعض أفرادها بدعوة مسؤولين إسرائيليين.
وينظر أبناء المجتمع العربي الفلسطينيين في أراضي 48 عموماً بأن مثل هذه المبادرات تشوّه صورته، وهو الذي قدّم شهداء كثيرين في سبيل قضايا وطنية، عدا عن الأسرى والمعتقلين في السجون الإسرائيلية، وعدا عن نضالهم المستمرّ ضد العنصرية المتفاقمة تجاهه. وتكون المشكلة أكبر والرفض أكبر حين تكون أيدي هؤلاء المسؤولين ملطّخة بدماء الشعب الفلسطيني، دماء الأطفال والنساء والشيوخ والأبرياء في قطاع غزّة والضفة الغربية وحتى القدس المحتلة والداخل.
وقبل أيام معدودة فقط في الثلاثين من مارس/ آذار أحيا المجتمع العربي الذكرى الثامنة والأربعين لذكرى يوم الأرض الخالد وشهدائه، مؤكداً التمسك بالأرض وقضاياه، وهو المجتمع الذي لا يمكن أن ينسى شهداء هبة القدس والأقصى في أكتوبر/ تشرين الأول 2000، وفي محطات مفصلية أخرى. وليست أحداث هبة الكرامة في مايو/ أيار 2021 ببعيدة أيضاً، حيث لا يزال العديد من شباب المجتمع العربي يواجهون حتى اليوم أحكاماً بالسجن وكل ذلك في سبيل القدس وغزة، في حين يعطي البعض فرصة لتشويه مثل هذه النضالات وهذه المواقف، فيكفي أحياناً بعض الأعشاب الضارة لتشويه المشهد. ومنذ بداية حرب غزة تلاحق دولة الاحتلال أبناء المجتمع العربي لمجرد تعبيرهم عن رفض الحرب حتى بمنشور عبر صفحات التواصل الاجتماعي.
وبعيداً عن رمضان كثيراً ما خرجت احتجاجات على مر السنوات الماضية، حتى ضد استقبال شخصيات إسرائيلية من وزراء وغيرهم في سلطات محلية أو مدارس أو غيرها، وتجلّى هذا الأمر في أكثر من موقف، خاصة لدى الحديث عن شخصيات متطرفة، وحتى في حالة نتنياهو. وتكون الدعوات لمثل هذه الموائد عكسية أحياناً، وغير مرة رفضت شريحة واسعة من رؤساء السلطات المحلية العربية تلبية دعوة الرئيس الإسرائيلي استضافتهم على مائدته.
وفي كثير من الأحيان لا يقف الأمر عند مائدة الإفطار، إذ يوظف بعض المسؤولين الإسرائيليين هذه المناسبات في تبيض صورتهم أو حتى صورة إسرائيل في محافل مختلفة. وبعيداً عن الموائد واللقاءات، تظهر بعض الأصوات في الداخل العربي الواقعة تحت تأثير الأسرلة في وسائل إعلام عالمية، دفاعاً عن إسرائيل وسياساتها وجرائمها، وتساهم بدورها في تشويه صورة المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل على نحو أوسع.
في السطر الأخير، تبقى مثل هذه الموائد وحتى اللقاءات نادرة في مجتمع متمكن بقضيته، وينظر الكثير من أبنائه باحتقار وازدراء إليها. ولولا بعض التعقيدات الاجتماعية في مجتمع مركّب يعيش حالة فريدة، لكانت هناك احتمالات لفرض مقاطعة اجتماعية معلنة وواسعة تجاه من يسيئون للموقف الوطني، وإن كان العديد من الأفراد يبادرون لمثل هذه الخطوة حقاً إزاء فلان أو علّان باعتباره "زلمة دولة".