شهدت قرى وبلدات الشمال السوري اليوم السبت وخلال اليومين الماضيين، موجة نزوح كبيرة نتيجة التصعيد العسكري من جانب قوات النظام السوري والمليشيات الداعمة لها، وسط تحذيرات من تصاعد عمليات النزوح في حال تواصل التصعيد. وقال الناشط محمد المصطفى لـ"العربي الجديد"، إن المنطقة شهدت اليوم قصفاً مدفعياً وصاروخياً مستمراً استهدف بشكل خاص قرى وبلدات بريف حلب الغربي، فيما أعلنت فصائل المعارضة إسقاط طائرة مسيرة انتحارية تابعة لقوات النظام في محيط قرية سان شرقي إدلب. وأوضح المصطفى أن عدة طائرات مسيّرة هاجمت محور سان بريف إدلب الشرقي، دون الإبلاغ عن وقوع ضحايا.
من جانبها، واصلت "هيئة تحرير الشام" المسيطرة على معظم منطقة إدلب ومحيطها إرسال تعزيزات عسكرية، بما فيها دبابات ومدافع إلى مناطق قريبة من خطوط التماس مع قوات النظام، خاصة جبهات مدينة سراقب بريف إدلب الشرقي وصولاً إلى مدينة دارة عزة بريف حلب الغربي، في ظل تزايد التوقعات باحتمالية اندلاع مواجهات عسكرية مباشرة خلال الأيام القليلة المقبلة.
وفي تقرير له اليوم، وثّق فريق "منسقو استجابة سورية" نزوح 6,277 شخصاً من ريفي إدلب وحلب باتجاه مناطق أكثر أماناً، وسط استمرار القصف المكثف من قوات النظام السوري وروسيا على الأحياء السكنية، باستخدام القذائف المدفعية والطائرات الحربية والمسيّرات الانتحارية. ودعا الفريق إلى تدخل الجهات الدولية لإيقاف الهجمات على المدنيين ووقف التصعيد العسكري، مطالباً المنظمات الإنسانية بتقديم المساعدات اللازمة للنازحين الجدد ودعمهم إلى حين تحقق الاستقرار وعودة النازحين إلى مناطقهم.
وفي وقت سابق، حذّر الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) من كارثة إنسانية جديدة وموجات نزوح محتملة في منطقة شمال غرب سورية مع اقتراب فصل الشتاء، في ظل استمرار التصعيد العسكري. وكان رئيس "الائتلاف الوطني السوري"، هادي البحرة، أكد في تغريدة له على منصة إكس، أمس الجمعة، أن قيام النظام السوري وداعميه باستهداف منازل المدنيين ومزارعهم ومنشآتهم بالقصف المكثف، يعبر عن إصرارهم على التصعيد، وتعريض حياة مئات آلاف المدنيين في ريفي حلب وإدلب للخطر والتسبب بموجات نزوح جديدة.
وأضاف أن استمرار "نظام الأسد وداعميه بارتكاب جرائم الحرب هذه وبمنهج القمع والإرهاب بحق المدنيين، هي من أهم مسببات موجات اللجوء والنزوح لأكثر من نصف عدد سكان سورية". وأكد البحرة أن سورية "غير آمنة للعودة الطوعية للاجئين ولن تكون إلى أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته بتفعيل آليات المساءلة والمحاسبة واتخاذ الإجراءات الملزمة بوقف استمرار هذه الجرائم التي تؤثر بشكل خطير على حياة المدنيين وأمن المنطقة، وتؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية التي يعيشها السوريون منذ سنوات".
انعكاس التصعيد في المنطقة على الوضع في سورية
وعقد الائتلاف الوطني السوري، أمس الجمعة، في إسطنبول ورشة عمل تحت عنوان "امتداد عدوان الاحتلال الإسرائيلي إلى لبنان وحروب النفوذ الإيراني بالوكالة وآثارها على سورية"، بحضور عدد من ممثلي الأحزاب والتيارات السياسية الوطنية ومراكز الأبحاث والدراسات.
ولفت عضو الائتلاف الوطني أحمد طعمة إلى أن الورشة شهدت انقساماً بين من يعتقد أن الحرب الدائرة في لبنان، هي بداية لحرب استئصال لنفوذ إيران في المنطقة، وقد تمتد لمناطق أخرى، ومنها سورية، وهو ما يمثل بداية تغيير في منطقة الشرق الأوسط، وبين من يرى عكس ذلك، وأن حالة التخادم بين إيران والولايات المتحدة، ما زالت قائمة، وأن الأمر لا يخرج عن سعي أميركي لتحجيم النفوذ الإيراني.
كما عقدت الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري اجتماعها الدوري أمس الأول الخميس، حيث بحثت "مستجدات الأوضاع الميدانية والسياسية في سورية، والتطورات المتسارعة في الشرق الأوسط وتأثيرها على الأوضاع في سورية"، وفق ما جاء في الموقع الرسمي للائتلاف. وقال رئيس الائتلاف هادي البحرة أن الهيئة السياسية في حالة انعقاد مستمر لمتابعة التطورات المتسارعة في المنطقة وتأثيرها على سورية.
من جانبه، حذّر رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سورية، باولو بينيرو، من أن سورية "تُجر إلى الصراع الكارثي الذي يجتاح المنطقة"، مشيراً إلى "تهديدات مميتة تواجه السوريين أينما ذهبوا". وفي كلمة له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أمس الجمعة، قال بينيرو إن "عودة السوريين الخائفين، من الاضطهاد في وطنهم، تؤكد الخيارات الصعبة التي يواجهونها"، متسائلاً أنه "هل يعرضون حياتهم لخطر القنابل في لبنان أم يعودون إلى مكان قد يواجهون فيه أيضاً تهديدات مميتة أخرى؟".
وأضاف أن الأشخاص شرعوا في رحلات محفوفة بالمخاطر إلى سورية بمفردهم، في ظل معطيات ملموسة حول الاعتقال التعسفي والتجنيد الإجباري وتجنيد الرجال في سن الخدمة العسكرية قسراً، مشيراً إلى تعرض السوريين العائدين من لبنان للإيذاء أو الاعتقال أو الوقوع ضحايا للابتزاز من قبل الجهات الفاعلة المسلحة العنيفة عند نقاط التفتيش في جميع أنحاء البلاد.
وكان سفراء الاتحاد الأوروبي، ناقشوا الأربعاء الماضي، سُبل زيادة العودة الطوعية للاجئين السوريين إلى بلادهم، في فكرة اكتسبت زخماً خلال الأشهر الأخيرة، لكنها ما تزال مثار جدل داخل دول الاتحاد الأوروبي، حيث أكدت المفوضية الأوروبية مراراً أن الظروف الحالية في سورية غير مواتية لعودة من هذا النوع.