موسم أعاصير سياسية في أميركا... ومخاوف من الأسوأ

03 أكتوبر 2022
تهدّد الولايات المتحدة أعاصير من كلّ صوب (Getty)
+ الخط -

تضرب الولايات المتحدة أو تهددها هذه الأيام، الأعاصير المتنوعة من أكثر من صوب. منها المخيف ومنها المرعب، وما بينهما.

الأسبوع الماضي، حوّل إعصار "إيان" جزءاً من ولاية فلوريدا إلى أنقاض (أضراره بين 50 و70 مليار دولار، وخسائره البشرية 87 حتى الآن ما عدا المفقودين). لكن على فداحته، صار من الماضي، ولو أن إعادة إعمار ما خرّبه قد تستغرق سنوات.

كذلك، بعد حوالي شهر، تلوح في الأفق بوادر إعصار سياسي كبير قد يرافق الانتخابات النصفية، لو انتهت في بعض الولايات إلى سيناريو مشابه لانتخابات 2020 من حيث احتساب النتائج. وهذا احتمال ينذر بأزمة عاتية تتوالى التحذيرات من عواقبها.

لكن لا هذه ولا تلك ترقى إلى مستوى التخوف المتزايد في الوقت الحاضر من احتمال هبوب إعصار نووي روسي يأكل الأخضر واليابس، لو قرّر قيصر الكرملين الخروج من الزاوية المحشور فيها بأي ثمن. صحيح أن مثل هذا الاحتمال لا يتوفر إجماع أميركي حوله حتى الآن، إذ ثمة من لا يزال يرى أن تهديد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالخيار النووي "خدعة" لا أكثر، كما يقول رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ السناتور بوب مينينديز، لجأ إليها كوسيلة ردع لحماية المناطق الشرقية التي ضمّها إلى روسيا، والتي تبيّن أن قواته غير قادرة على الاحتفاظ بها بعد تحرير القوات الأوكرانية أخيراً لقسم منها.

والدليل في نظر أصحاب نظرية "الخدعة"، أن الكرملين لم يلجأ إلى النووي التكتيكي بعد استرجاع أوكرانيا لمدينة ليمان، رغم أنها مشمولة بتهديد بوتين قبل يوم باللجوء إلى هذا السلاح لو تعرضت هذه الأراضي لعمل عسكري ضدها، باعتبار أنها صارت أرضاً روسية. مع ذلك، يحذر الصقور وحتى الكثير من المعتدلين، من مغبة التعامل مع الكرملين على هذا الأساس. بل ثمة من يدفع باتجاه التشدد في الرد الأميركي، وعدم الاكتفاء بالتحذير، بل الانتقال إلى مقابلة التهديد بتهديد مماثل.

المستشار السابق للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الجنرال المتقاعد هربرت ماكماستر يدعو إلى الرد بإنذار نووي أميركي. ومن حيثيات المتشددين أن أزمة الصواريخ الكوبية في بداية ستينيات القرن الماضي ما كانت لتحمل السوفييت على التراجع والقبول بمقايضة سحب الصواريخ من كوبا مقابل سحب صواريخ أميركية من تركيا، لولا التهديد الجدي الأميركي بضرب كوبا.

لكن المشكلة الراهنة مختلفة، والإدارة يبدو من خطابها أنها ما زالت تحرص على الموازنة بين التحذير والابتعاد عن لغة التحدي. وزير الدفاع لويد أوستن تحدث الأحد ولأول مرة عن الموضوع، كمن يمشي على حبل مشدود، مكتفياً بالقول إن كلام بوتين في هذا المجال "غير مسؤول"، ومبتعداً عن لغة السن بالسن والعين بالعين.

وكشف عن أن خطوط الاتصال مقطوعة بينه وبين نظيره الروسي، وأن في ذلك خروجاً على المألوف، لكن لا تأثير له، "لأن القرار في موسكو يتخذه رجل واحد هو بوتين فقط". وخطورة هذا التفرد أن صاحبه تزداد عزلته، وبدأت "الشقوق تظهر" في دائرة أهل السلطة كما قال الأحد، ميكاييل كودوركوفسكي، أحد المقربين السابقين للرئيس بوتين من منفاه في لندن.

الصورة أن سيد الكرملين نسف كل جسور العودة إلى شيء من السوية، ووضع نفسه في مأزق مسدودة مخارجه، إذ إنه "غير قادر على الانتصار، وفي ذات الوقت لا يرضى القبول بالخسارة"، كما جاء في شهرية "فورين أفيرز"، وفي ذلك خشية من الانزلاق إلى السلوك الشمشوني. كلام قيل مثله تماماً في دونالد ترامب، الذي لم يتراجع حتى الآن عن رفضه لخسارة الانتخابات رغم ثبوت العكس، حتى ولو أدى ذلك إلى سقوط الهيكل.

ومن مؤشرات التخوف السائد في واشنطن من هذا الاحتمال، أن بعض الأصوات المعروفة بتعاطفها أصلاً مع بوتين، وبمشاركته الاعتراض على توسيع حلف شمال الأطلسي (الناتو) ترى اليوم أن مجريات الحرب "الفاضحة لبوتين ولروسيا"، أوصلته إلى وضع يائس، و"بوتين اليائس هو بوتين خطير"، في لحظة وصل فيها مأزقه إلى نتيجة قاطعة بأنه "لا نهاية لحربه ولا نصر له فيها". تقديرات تزيد الخشية من إعصار نووي لا يخطر تصوره على بال.

المساهمون