نتنياهو يحاول استرداد زمام المبادرة من بن غفير

13 فبراير 2023
لا يبدي نتنياهو أي اهتمام بأصوات المعارضة (أوهاد زفيغنبيرغ/فرانس برس)
+ الخط -

يحاول رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الظهور بمن لا يأبه ولا يبالي باحتجاجات المعارضة ضد الانقلاب القضائي على نظام الحكم في إسرائيل، الذي يعتزم بدء تشريعه اليوم الاثنين. فقد انتقل نتنياهو وشركاؤه في الحكم، منذ الجمعة الماضي، إلى الهجوم على معارضيهم، مع استهداف محدد للمحكمة الإسرائيلية العليا، ورئيستها أستير حيوت، واتهامها على لسان وزير القضاء يريف لفين بتنفيذ انقلاب عسكري للإطاحة به من الحكم.

وتزامن هذا الهجوم المضاد مع اتجاه نتنياهو إلى محاولة استعادة زمام المبادرة، وانتزاعها من وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذي هدد، الجمعة الماضي، بعد عملية مستوطنة "راموت"، التي نفذها الشهيد حسين قراقع، بشن حملة عسكرية على المقدسيين، تحت مسمى "سور واقي 2"، دون الرجوع لأي من نتنياهو أو وزير الأمن يوآف غالانط.

يواجه نتنياهو تحديات لتمرير التعديلات القضائية الهادفة أولاً إلى ضمان بقاء حكومته

وقد وجد نتنياهو، الجمعة، وبعد عملية "راموت" وما سبقها من عمليتي "نافيه يعقوف" التي نفذها الشهيد خيري علقم، ومحاولة الطعن التي نفذها الفتى الفلسطيني محمد عليوات في سلوان، نفسه في مأزق كبير، لأن استمرار العمليات الفردية الفدائية، وفي قلب القدس، يمزق الصورة التي يحاول بناءها لنفسه باعتباره "رجل الأمن الأول" في إسرائيل، فيما يهدد النشاط الاستفزازي الفردي لوزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بتصوير نتنياهو كمن ينجر وراء شركائه المتطرفين في الحكومة، خلافاً لتعهداته للإدارة الأميركية بأنه هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في الحكومة.

وضع الكابينت خطة لصد عمليات المقاومة

وقد اضطر نتنياهو، في ظل إصرار بن غفير، حتى قبل جلسة الحكومة الأسبوعية أمس الأحد، على وجوب تنفيذ عملية واسعة في القدس المحتلة، تشمل اعتقالات وهدما للبيوت وفرض طوق أمني وإعادة الحواجز الشرطية، إلى الإعلان عن أن الحكومة ستخول الكابينت الأمني والسياسي دراسة وضع خطة واسعة النطاق في الأحياء الفلسطينية في القدس المحتلة والضفة الغربية لصد عمليات المقاومة، واستهداف عناصرها، الذين وصفهم بالإرهابيين.

ويعكس هذا الربط المتلازم للساحات بين القدس والضفة الغربية المحتلتين، حقيقة فشل الاحتلال في فصل الضفة الغربية عن القدس المحتلة، بعد سنوات من هذا الفصل المتمثل في منع أهالي الضفة من الوصول للقدس من جهة، ونصب الحواجز العسكرية ومد جدار الفصل لتكريس "توحيد" شطري القدس كعاصمة موحدة لإسرائيل.

ويواجه نتنياهو، الذي يحاول تجاهل نشاط المعارضة والحراك الشعبي الإسرائيلي ضد مجموعة التعديلات القضائية، تحديات كثيرة في محاولته تمرير التعديلات القضائية الهادفة بالأساس إلى ضمان بقاء حكومته الحالية.

ويسعى نتنياهو إلى تمكين ائتلافه من تعيين قضاة يمينيين، يكونون خاضعين للحكومة، بما في ذلك في صفوف محكمة العدل العليا، وتقليص صلاحيات المحكمة، ومنعها من إلغاء قوانين يسنّها الكنيست، وفي مقدمتها سن قانون يمكن من إعادة تعيين أرييه درعي في الحكومة، بما يضمن استمرار بقاء الائتلاف الحالي. ويحاول نتنياهو من خلال هذه التعديلات أن يضمن لاحقا، إلغاء محاكمته، وسن قانون يتيح بقاء رئيس حكومة في منصبه، حتى في ظل تقديم لوائح اتهام ضده، ومنع تقديمه للمحاكمة ما دام يمارس مهام عمله، على غرار ما هو قائم في القانون الفرنسي.

نتنياهو يناور 

ويناور نتنياهو بين توظيف تظاهرات المعارضة ضد الإصلاحات القضائية، كما يصفها، وبين توظيف حالة الاحتقان الشديدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، واستمرار عمليات المقاومة المسلحة في الضفة الغربية، وتنامي ظاهرة العمليات الفردية، لاسيما في مدينة القدس والمستوطنات المحيطة بها، لتحقيق مصالحه بالبقاء في الحكم.

كما أنه يحاول تبرير فشل الحكومة في مواجهة عمليات المقاومة، من خلال إطلاق تصريحات متكررة، سواء من قبله أو من قبل أعضاء ائتلافه الحكومي، كما فعل مؤخرا بن غفير، بتحميل المحكمة العليا المسؤولية عن العمليات الفدائية، وضرب قوة الردع الإسرائيلية بفعل رفض المحكمة تمكين حكومة الاحتلال من هدم بيوت منفذي العمليات فور تنفيذهم العملية، حتى لو كانت هذه البيوت مستأجرة وليست في ملكيتهم الخاصة، من جهة ثانية.

وقد تفاخر نتنياهو قبل أسبوعين فقط، بعد عملية "نافيه يعقوف"، بأنه سارع إلى إصدار أمر بإغلاق بيت الشهيد خيري علقم بعد ساعات من تنفيذ العملية، فيما كرر أمس المفاخرة بإغلاق بيت منفذ عملية "راموت" حسين قراقع، وكأنه دليل على القبضة الحديدية لحكومته في مواجهة المقاومة الفلسطينية.

وكرر نتنياهو، خلال جلسة الحكومة الأسبوعية أمس الأحد، القول إن الكنيست سيقر اليوم الاثنين بالقراءة الأولى قانون رئيس الائتلاف أوفير كاتس، بحرمان الأسرى الفلسطينيين ومنفذي العمليات وعائلاتهم من الجنسية، ومن حق الإقامة في القدس، وترحيلهم وطردهم من إسرائيل إلى الضفة الغربية، أو قطاع غزة، وحرمان عائلاتهم من الحقوق الاجتماعية المختلفة.

وعلى الرغم من أن نتنياهو لا يبدي أي اهتمام بأصوات المعارضة ضد "إصلاحاته القضائية"، والتظاهرات الأسبوعية التي يشارك فيها عشرات وحتى مئات الآلاف منذ ستة أسابيع، بل يواصل المضي قدما في تنفيذها، إلا أنه قد يجد نفسه قريباً مضطرا إلى تخفيف حدة اندفاعه لتنفيذها، بعد أن كثفت أميركا من ضغوطها المعلنة ضد وتيرة هذه التعديلات، وآخرها التصريحات التي نقلها الصحافي الأميركي توماس فريدمان، عن الرئيس جو بايدن، واعتقاد الأخير بضرورة التوصل إلى إجماع، أو توافق واسع بين الائتلاف الحكومي، بقيادة نتنياهو، وبين المعارضة.

وإلى جانب الضغوط الأميركية، فإنه في ظل تحذيرات المنظومة الأمنية والعسكرية من تداعيات حالة الاحتقان وازدياد احتمالات انفجار الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خصوصا في الضفة الغربية، فإن من شأن نتنياهو أن يتجه بالذات إلى زيادة التصعيد في الأراضي الفلسطينية.

التصعيد لإسكات أصوات المعارضة

وقد يكون هذا التصعيد هو الخيار الوحيد المتاح أمام نتنياهو لإسكات أصوات المعارضة، بزعم الحاجة لتوحيد الصفوف ضد "الإرهاب الفلسطيني"، خصوصاً في ظل الحملة الدعائية الاستباقية للاحتلال، باستنفار أمني مع اقتراب شهر رمضان (أواخر شهر مارس/آذار المقبل)، وممارسة الضغوط عربياً على السلطة الفلسطينية، وآخرها ما تم خلال لقاء مسؤولين أمنيين من دول عربية عدة في البحرين، بحضور رئيس أركان جيش الاحتلال الجنرال هرتسي هليفي، في المنامة الخميس الماضي، تحت شعار الحفاظ على الاستقرار الإقليمي.


قد يكون التصعيد هو الخيار الوحيد المتاح أمام نتنياهو لإسكات أصوات المعارضة

ويستفيد نتنياهو من التعاون الأمني الواضح في هذا الباب من قبل دول "اتفاق أبراهام"، ودور "الوساطة" المصري، والضغوط الممارسة أميركياً أيضا وخليجياً على الأردن لتخفيف حدة التوتر مع دولة الاحتلال، على خلفية مواصلة عمليات الاقتحامات في المسجد الأقصى، رغم إعادة إقرار دول عربية أخيرا في القاهرة ما يعرف "بالوصاية الهاشمية" في القدس المحتلة.

مع ذلك، فإن الضغوط الداخلية الإسرائيلية تجعل خيار الاتجاه للمواجهة مع المقاومة الفلسطينية، أسهل في نظر نتنياهو، عبر تحميل السلطة الفلسطينية مسؤولية فشل ضبط الأوضاع في الضفة الغربية المحتلة، من جهة، وحركتي حماس والجهاد الإسلامي بالسعي لتفجير الأوضاع من جهة ثانية. كل ذلك لإعادة ترسيخ مكانة نتنياهو "الشعبية"، كرجل الأمن والسلام على حد سواء.

ويرجح أن تشهد الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا سيما في القدس، في ظل ما يعتبره نتنياهو "مزاودة" من شركائه في حزبي الصهيونية الدينية بقيادة بتسليئيل سموطريتش، و"القوة اليهودية" بقيادة إيتمار بن غفير على سياساته الأمنية، تصعيدا كبيرا لا يخلو من اقتحامات للبيوت في الأحياء الفلسطينية في القدس خصوصا، وشن حملات اعتقال واسعة بين نشطاء المدينة مقابل إطلاق يد غلاة المستوطنين في القرى والبلدات الفلسطينية من الضفة الغربية التي تخضع مدنياً لدولة الاحتلال وتصنف على أنها مناطق "سي".

وقد نشهد أيضا توسيع عمليات الإعدامات الميدانية لنشطاء المقاومة، وتحويل عدوان "كاسر الأمواج" إلى عدوان واسع يطاول كل أنحاء الضفة الغربية ولا يتوقف عند جنين ونابلس، التي حصلت إسرائيل عملياً على ضوء أخضر من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن والإدارة الأميركية لمواصلة عملياتها فيهما بحجة كسر المقاومة وتعزيز حكم السلطة الفلسطينية.

وأخيرا، فإنه في حال اشتعال الأراضي الفلسطينية وشن عدوان واسع كما يهدد نتنياهو، فقد يشكل هذا العدوان، أيضا، فرصة، من وجهة نظر نتنياهو، لفتح حوار مع حزب "المعسكر العمومي" بقيادة بني غانتس، تفضي ربما إلى ضم الحزب إلى حكومة نتنياهو، واستبعاد حزب القوة اليهودية بقيادة بن غفير، خصوصا أن غانتس لا يرى إشكالية في ائتلاف حكومي يشارك فيه حزب الصهيونية الدينية.