نتنياهو يشتري الوقت بـ"الهدوء الوهمي" في انتظار الجولة المقبلة

11 اغسطس 2018
لا قرار إسرائيلياً بإعادة احتلال غزة (جاك كوز/فرانس برس)
+ الخط -



يعكس تعبير "الهدوء الوهمي" الذي استخدمه القائد السابق للمنطقة الوسطى (أي الضفة الغربية المحتلة) في جيش الاحتلال، الجنرال غادي شامني، حالة الإرباك السائدة في صفوف القيادة السياسية في إسرائيل على نحو خاص، بفعل الحسابات الحزبية والانتخابية التي تتحكم على ما يبدو في امتناع رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، رغم مزايدات وزراء في الكابينيت السياسي والأمني، عن شن هجوم واسع النطاق على قطاع غزة.
وتجلى هذا الإرباك أيضاً، في محاولات الحكومة الإسرائيلية، طيلة ليلة الجمعة ونهارها التهرب من الاعتراف بالتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار مع فصائل المقاومة، خصوصاً حركة "حماس"، وعزوف وزراء، اعتادوا على الثرثرة والتهديد، عن الإدلاء ولو بتصريح حول ما حدث بين ليلة الخميس والجمعة، وفق ما ذهب إليه عاموس هرئيل في "هآرتس".

في غضون ذلك، تراكمت اعترافات إسرائيلية بأن خيارات الاحتلال في مواجهة ما يحدث على الحدود الشرقية مع قطاع غزة، منذ بدء مسيرات العودة قبل 135 يوماً، باتت محدودة للغاية، وهي رغم محدوديتها مرتبطة أيضا بحسابات حزبية داخلية. ووفقاً لمختلف التحليلات الإسرائيلية، في الأيام الماضية، وتصريحات مختلفة لقادة عسكريين على مدار الفترة الأخيرة، فإن حكومة الاحتلال بين خيارين رئيسيين، إما التسليم بالمعادلة الجديدة لحركة "حماس": القصف يقابل بالقصف، والتسليم بجولات تصعيد عسكرية محدودة القوة والمدة الزمنية، أو الذهاب باتجاه الخيار العسكري الأوسع لشن حرب شاملة على القطاع ضمن خطة لإعادة احتلاله خلال أيام وفق خطط معدة وجاهزة، ولكن دون تصور لما سيأتي بعد هذا الاحتلال وما يفرضه على دولة الاحتلال من إدارة شؤون القطاع كله.

وفي ضوء هذين الخيارين المقترحين، لفت روني يشاي في موقع "يديعوت أحرونوت" أمس، إلى أنه وبالرغم من جولة التصعيد الأخيرة، فإن إسرائيل مصممة على عدم التسليم بمعادلات "حماس" الجديدة، ولا أن تسمح للحركة بالمبادرة للتصعيد ثم التهدئة وفق قرارها هي عبر الوسطاء المصريين والدوليين. لكن يشاي، الذي يحاول في تحليله الإشارة إلى قرار إسرائيلي ما، يضيف أن هناك الآن إجماعاً وتوافقاً تامين بين المستويين السياسي والعسكري "بأنه لا توجد بعد حاجة لشن حملة عسكرية واسعة النطاق في القطاع، بما في ذلك مناورة عسكرية برية لقوات المدرعات والمشاة في عمق غزة، وأنه لا يوجد بعد قرار أو نية بإعادة احتلال القطاع والسيطرة عليه وتقويض سلطة حماس، وفق سيناريوهات كان الجيش تدرب عليها واستعد لها".

ويبدو تكرار الحديث عن هذه السيناريوهات مؤشراً إضافياً لحالة البلبلة الإسرائيلية، ومحاولة من المستويين العسكري والسياسي للتصدي للانتقادات الداخلية في إسرائيل التي ترتفع أخيراً، سواء من داخل اليمين الإسرائيلي نفسه الذي يطالب بالحسم العسكري والقضاء على "حماس" ووقف ما سمّاه الوزير من حزب "البيت اليهودي"، أوري أريئيل، في حديث مع الإذاعة الإسرائيلية أمس، استمرار تآكل قوة الردع الإسرائيلية، علماً بأن الجيش، بحسب قوله، يملك القوة والقدرة على تنفيذ كل ما يطلبه منه المستوى السياسي، في إشارة من أريئيل إلى غياب الإرادة عند نتنياهو. ويشكل هذا الغياب عملياً ركناً أساسياً في محاولة فهم السياسة الإسرائيلية الحالية تجاه غزة، خصوصاً وأن الجيش، الذي اعتاد اليمين مطالبة مختلف الحكومات الإسرائيلية بتمكينه من النصر، يعلن مراراً أنه مستعد لكل الاحتمالات والسيناريوهات في حال تم تكليفه بالمهام المطلوبة، وهو ما يزيد من حالة الإرباك لدى المستوى السياسي، ولا سيما رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزير أمنه، أفيغدور ليبرمان، الذي كان توعد قبل انضمامه للحكومة، في مايو/أيار 2017، أنه تكفيه 48 ساعة لتصفية إسماعيل هنية.


وفي ظل حالة الإرباك، والمخاوف من شن حرب، أو حملة عسكرية قد تتدهور إلى حرب أو حملة طويلة تفوق أيام عدوان "الجرف الصامد" في العام 2014، تتجه حكومة الاحتلال إلى محاولة كسب الوقت، بحسب التعبير الذي استخدمه أليكس فيشمان، بين دورة مواجهة وأخرى، خصوصاً وأن الجيش أعلن مراراً، أخيراً، أن العائق الذي يبنيه على امتداد الحدود مع غزة لمواجهة خطر الأنفاق لن يكون جاهزاً قبل العام المقبل. وقد أبرزت الصحف الإسرائيلية، أمس الجمعة، تقديرات الجيش بأن فرص شن حملة عسكرية واسعة في قطاع غزة قد تراجعت كثيراً في المرحلة الحالية، بادعاء أن حركة "حماس"، وفي ضوء الأضرار الكبيرة التي لحقت بها خلال الغارات الإسرائيلية التي استهدفت بحسب الإعلام الإسرائيلي والجيش 150 موقعاً للحركة، باتت تفضل حالياً إنهاء جولة التصعيد، خصوصاً وأن الحركة، وفق التقديرات الإسرائيلية، تعتبر جولة التصعيد رافعة لتحقيق مكاسب في مفاوضات التهدئة. في المقابل، فإن تقديرات الجيش تشكك، في الوقت ذاته، في فرص التوصل إلى تهدئة طويلة الأمد أيضاً بفعل استمرار الانقسام الفلسطيني، وهو ما يترك أمام الطرفين، بحسب هذه التقديرات، خياراً واحداً هو العودة إلى التفاهمات التي تم التوصل إليها بين المقاومة وإسرائيل بعد عدوان "الجرف الصامد".

وترتبط هذه التقديرات بالحسابات الداخلية الحزبية لنتنياهو وفرص بقائه في الحكم، في حال تبكير موعد الانتخابات العامة في إسرائيل، التي تشير تقديرات أولية إلى احتمال إجرائها في مارس/آذار من العام المقبل، بدلاً من موعدها الأصلي في نوفمبر/تشرين الثاني 2019. وتتماشى هذه التقديرات مع تصورات حكومة نتنياهو الحالية، التي تقوم من وجهة نظر الأخير على وجوب المحافظة على الوضع القائم، ما دام البديل هو اجتياح بري شامل لغزة وتوريط الجيش في معارك ضارية في قلب بيئة حضرية مأهولة بالسكان. ويخشى نتنياهو من خوض غمار حرب جديدة لا تنتهي بتقويض حركة "حماس"، أو يتخللها سقوط عدد كبير من القتلى في صفوف الإسرائيليين، وهو ما بات يؤرقه، خصوصاً وأن صورته باعتباره "قوياً في مواجهة الإرهاب" باتت تتآكل في نظر الجمهور الإسرائيلي، الذي بلغ أوجه في إعلان رؤساء عدد من المستوطنات الإسرائيلية في محيط غزة علناً عن خيبة أملهم من نتائج المواجهة الأخيرة مع "حماس"، وعدم حسم المعركة، وبالتالي مطالبتهم الحكومة بالاتجاه نحو تهدئة بعيدة المدى تضمن عدم تجدد جولات التصعيد العسكري مرة كل أسبوعين، مع ما يلازم ذلك من حالات الذعر في صفوف المستوطنين.

ويحاول نتنياهو بالتالي كسب الوقت من خلال جولات تصعيد متكررة محدودة القوة، وتهدئة مؤقتة من حين إلى آخر، ما دام غير قادر على كسر رفض "حماس" الربط بين ملفات التهدئة وإعادة الإعمار ورفع الحصار وبين استعادة جثامين الجنديين المحتجزة لدى الحركة من دون الخضوع لشرط "حماس" الأولي بتحرير أسرى صفقة "وفاء الأحرار" (صفقة جلعاد شاليط) الذين كانت سلطات الاحتلال أعادت اعتقالهم في صيف 2014 بعد اختطاف المستوطنين الثلاثة في الضفة الغربية. ويجد نتنياهو نفسه في أزمة حقيقية، فهو لا يمكنه الذهاب لتهدئة طويلة الأمد من دون استعادة جثتي الجنديين شاول أورون وهدار غولدين، ولا شن حرب شاملة لا يمكنه التحكم في نتائجها.