ناقش نشطاء وقانونيون، خلال الندوة التي نظّمها "منتدى التفكير العربي"، ومقره لندن، مساء أمس السبت، سبل رفع دعاوى ضد الحكومة البريطانية ومقاضاتها عن وعد بلفور، ومطالبتها بالاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة.
وقال رئيس "منتدى التفكير العربي" محمد أمين، الذي أدار الندوة، إنها تُشكل نقطة انطلاق لحوار موسع، داعياً إلى "عدم اليأس من استمرار العمل على تعزيز الرواية الفلسطينية"، مشيراً إلى أنه "مهما بدت إسرائيل قوية، فإنها ستتهاوى كما تهاوى نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، الذي يعد دليلاً عملياً على حتمية انتهاء كل أنظمة الفصل العنصري".
وأكد المحاضر في جامعة ويستمنستر في لندن، عاطف الشاعر: "ليس من الخطأ أن نناضل على جبهات مختلفة، سواء رفع دعاوى قضائية أو المطالبة بالاعتذار، خاصة أن نظام القضاء مستقل في بريطانيا، لكن الأهمّ برأيي في الوقت الحالي هو التثقيف ورفع مستوى الوعي بالقضية الفلسطينية في الجامعات، واستمرارية الحديث عنها في كل مكان، لإحداث تأثير في أسلوب التفكير. يعني التركيز على مشكلة العنصرية المتجذّرة في سياسة العقلية البريطانية، والانطلاق منها، حتى تبدّل نظرتها الدونية إلينا كعرب من دون قوة".
وأضاف الشاعر، في حديث مع "العربي الجديد": "بينما نعمل على رفع دعاوى قضائية، نرى الحكومة البريطانية تضاعف جهودها للتقرّب من إسرائيل، وبالتحديد بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي".
وشدد المتحدث ذاته على "أهمية الوصول إلى المؤسسات الإعلامية البريطانية حتى يكون لنا صوت من وقت إلى آخر، خاصّة أنّ وجهة النظر الأخرى ممثّلة وبصورة فجّة في الصحف البريطانية:. لذلك يرى، أنّه "ينبغي أن نحقّق نوعا من الاندماج في أساليب التفكير من ناحية التأثير في الإعلام البريطاني وفي مؤسسات حقوق الإنسان".
أما رئيس حركة التضامن مع فلسطين في بريطانيا كامل حواش فقال، ردّاً على سؤال "العربي الجديد" حول سلبيات وإيجابيات الدعاوى القضائية، وإن كانت هي النقطة الأهم حالياً: "أنا أتفهّم وأؤيد أي جهد يظهر الظلم الذي وقع على الفلسطينيين ومحاسبة كل من شارك فيه، وبالتأكيد بريطانيا من بينهم، كونها أساس الخراب، لكن برأيي توجد اليوم محاولة تصفية للقضية الفلسطينية، ومن الأفضل أن تُنفق الأموال على أي شيء يساهم في منع ذلك". وضرب مثالاً على ما يقصده بالقول إنه مع رفع دعاوى قضائية تصدر قراراً يلزم الدول الموقعة على اتفاقية جنيف، ومن بينها بريطانيا، بمسؤولياتها، قبل الوصول إلى وعد بلفور.
وتابع حواش بأنّ توجّه السياسة البريطانية بشكل عام داعمٌ لإسرائيل في جميع المجالات، و"لا نرى أي عمل يسعى إلى تحقيق الجزء الثاني من وعد بلفور (الذي يدعم قيام وطن قومي لليهود على ألاّ يمسّ بالجاليات) الذي تحدّثت عنه رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي". ومع ذلك، ينتقد حواش استخدام كلمة "جاليات"، لافتاً إلى أنّ "الشعب الشعب الفلسطيني كان يشكّل آنذاك حوالي 95 بالمائة".
من جهته، قال المدير العام لمركز العودة الفلسطيني طارق حمود، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "بريطانيا أقرّت للمرة الأولى في تاريخها وبشكل رسمي أنّ وعد بلفور كان ينبغي أن يدعو إلى حماية الحقوق السياسية للفلسطينيين، عندما ردّت على حملة عامة 2017، والعريضة الإلكترونية (العرائض الرسمية التي تقدّم إلى البرلمان البريطاني) التي أطلقها المركز وجمعت آنذاك ما يزيد عن 13 ألف توقيع".
وأوضح حمود: "بما أنّ القانون البريطاني يفرض على الحكومة أن ترد على العريضة التي يتجاوز عدد توقيعاتها 10 آلاف، فقد حصلنا وقتها على هذا الجواب الرسمي منها"، وهو يعد هذا ثاني اعتراف رسمي في تاريخ الحكومة البريطانية، حيث كان الأوّل عام 1939 عندما قالت إنّه "كان يجدر أخذ آراء السكان المحليين بالاعتبار".
وبالنسبة لرفع دعاوى قضائية أمام محكمة بريطانيا، قال حمود إنّ هذه "الدعاوى تستند إلى حوادث تاريخية جرت في كينيا وقبرص والهند وكمبوديا وأيرلندا الشمالية، حيث يُقال إنّ بريطانيا اعتذرت لشعوب هذه الدول عن الجرائم التي ارتكبتها خلال الحقبة الاستعمارية، لكنّها في الواقع لم تعتذر، بل كانت هناك تسويات قضائية".
وحذّر المدير العام لمركز العودة الفلسطيني من أنّ "المسار القضائي خطير جداً بالنسبة للحالة الفلسطينية، وذلك لسببين: الأوّل هو أنّنا لا نستطيع محاكمة بريطانيا عن جرائم الحقبة الاستعمارية بموجب قانون بريطاني يمنع ذلك قبل تاريخ محدّد. والسبب الثاني أنّ وعد بلفور لا يرتبط بالحقبة الاستعمارية. ففي عام 1917، لم يكن هناك انتداب بريطاني في فلسطين، بل كانت الأخيرة لا تزال في ظل حكم الدولة العثمانية. يعني أنّ وعد بلفور صدر عن الحكومة البريطانية وليس عن الإدارة الاستعمارية. وبحسب القانون والمحكمة العليا في بريطانيا، هناك فصل بين مسؤوليات الحكومة البريطانية وإدارة الاستعمار".
وأضاف: "نحن نقاضي بريطانيا عن قضية اعتبرت في ذلك الوقت (جزءا من الشرعية الدولية)، لأن وعد بلفور أصبح في عام 1921 جزءاً من صكّ الانتداب الذي أقّرته عصبة الأمم، وبالتالي فإن المدافعين عن هذا الوعد يعتبرونه خارج مسؤولية الحكومة البريطانية، كونه أصبح مسؤولية أممية".
وأوضح: "حالتنا تختلف عن مسألة الكينيين، فهم قاضوا بريطانيا وحصلوا على تعويضات بعد انتهاء المأساة وهم في أرضهم آمنين، لكن في الحالة الفلسطينية، نحن لا نزال في قلب المأساة، فلو حصلنا على تعويضات ونحن لا نزال لاجئين وأرضنا مسروقة ومغتصبة، فسنكون قد وصلنا إلى تسوية تعفي بريطانيا من كل جرائمها، بينما نستمر في معاناتنا. فالمحكمة العليا أو الدولية لن تصدر قراراً يقضي بزوال ما يسمى دولة إسرائيل".
ومن الأفضل، وفق حمود، في الوقت الرّاهن، "تبّني مبدأ الاعتذار عن وعد بلفور كمطلب سياسي لا كمطلب قانوني، لأن ذلك سيمكن الفلسطينيين من التصرّف فيما بعد بالطريقة التي يرونها مناسبة مع حقوقهم الوطنية، وليس بناء على تسوية قضائية".
ومن المقرر أنّ تصدر نتائج وتوصيات الندوة في كتاب خاص يصدر قريباً عن "منتدى التفكير العربي"، حتى تكون مرجعاً للنشطاء والعاملين الراغبين في تداول الأفكار والتجارب المتعلقة بهذه المسألة.