استمع إلى الملخص
- **مراقبة شاملة**: شمل التجسس علاقات دا سيلفا مع الصين ودول الشرق الأوسط، الخطط العسكرية البرازيلية، وشركة النفط "بتروباس". استمر التجسس حتى عام 2019، وتم عبر قرصنات واختراق كابلات الاتصال.
- **المواقف السياسية**: دا سيلفا ناضل ضد الديكتاتورية العسكرية ودعم الحقوق الوطنية الفلسطينية والرئيس الفنزويلي مادورو، ورفض سياسات الغرب الداعمة لكييف، مما أثار هجوماً من اللوبيات الصهيونية.
كشف الصحافي والكاتب البرازيلي فرناندو مورايس، أخيراً، عن معلومات تفيد بأن الولايات المتحدة كانت تتجسس على الرئيس البرازيلي الحالي، لويز إيناسيو لولا دا سيلفا، منذ عام 1966. هذا الكشف يعيد إلى الأذهان دور واشنطن في دعم القوى الديكتاتورية والانقلابية في أميركا اللاتينية وحول العالم.
وثائق التجسس
الوثائق الأميركية التي أعدت حول دا سيلفا بلغت 810 وثيقة من إجمالي ثلاثة آلاف وثلاثمائة صفحة. قامت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) بالدور الرئيسي في إعداد الأغلبية العظمى من هذه الوثائق. وكشف الصحافي مورايس، في صحيفة فولها دي ساو باولو البرازيلية، بعد اطلاعه على الوثائق أثناء عمله على سيرة دا سيلفا، أن الأمر لم يقتصر على وكالة سي آي إيه، بل شمل تجسس كل من وزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين ومراقبتهما، إلى جانب جهاز استخبارات وزارة الدفاع ووحدة دعم داخل الجيش الأميركي والقيادة الإلكترونية فيه.
أثار هذا الكشف غضب رئيسة حزب العمال البرازيلي، غليسي هوفمان، التي اعتبرت التجسس على دا سيلفا "عنفاً غير مقبول ضد مواطن برازيلي" وانتهاكاً للسيادة الوطنية. وأضافت هوفمان في موقع إكس (تويتر سابقاً) أن واشنطن مارست انتهاكاً لسيادة الدول والشعوب عبر تقنيات التجسس التي امتلكتها على مدار نحو ستة عقود.
A violência política sempre foi uma prática da extrema-direita, não apenas contra seus adversários, mas contra a democracia. Quem se associa ao nazismo e ao fascismo, à repressão e aos asassinatos da ditadura, não tem autoridade para falar sobre esse tema. É o caso do…
— Gleisi Hoffmann (@gleisi) July 15, 2024
مراقبة شاملة
الولايات المتحدة كانت تتجسس على دا سيلفا بشأن علاقاته مع الصين ودول الشرق الأوسط، إضافة إلى الخطط العسكرية البرازيلية وظروف الإنتاج في شركة النفط البرازيلية المملوكة للدولة "بتروباس". كما اهتمت الاستخبارات الأميركية بعلاقة دا سيلفا برئيسة البرازيل السابقة، وزميلته في الحزب، ديلما روسيف.
الوثائق التي أشار إليها الصحافي مورايس غطت الفترة الممتدة بين الأعوام 1966 و2019، مما يعني أن التجسس استمر حتى في فترة حكم الرئيس الأسبق باراك أوباما، التي اعتبرت فترة تغيير على مستوى العلاقة والممارسة الأميركية مع الدول الأخرى. ففي فترة أوباما، كان جهاز الأمن القومي (NSA) يقوم بالتصنت على هاتف روسيف، تزامناً مع تجسسه على ساسة حلفاء في الغرب مثل المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل وغيرها في أوروبا.
بعض تلك العمليات كانت تتم من خلال قرصنات واختراق كابلات الاتصال في دول الشمال الأوروبي، مثل الكابل الدنماركي في بحر الشمال. وفي فترة أوباما كان جهاز آن أس إيه يقوم بالتصنت على هاتف روسيف، تزامناً مع تجسسه على ساسة حلفاء في الغرب. وكانت منظمة ويكيليكس كشفت في 2015 قيام وكالة الأمن القومي بالتجسس على عدة هواتف تابعة لإدارة الحكم البرازيلي، بمن فيهم الرئيسة روسيف والعديد من مستشاريها ووزرائها. ومع أن الوثائق التي أشار إليها الصحافي البرازيلي مورايس غطت الفترة الممتدة بين الأعوام 1966 و 2019، لكن لا يوجد ما يؤكد أن التجسس ومساعدة الرئيس اليميني السابق جائير بولسونارو قد توقفا، ذلك لأنها فقط الفترة المعنية التي طلب مورايس الوصول إليها.
الكشف الأخير يبرز أن دا سيلفا كان، منذ أن كان عاملاً في مجال التعدين وبروزه نقابياً، في بؤرة الاهتمام الاستخباري الأميركي. ويمثل هذا الكشف دليلاً عملياً على الأدوار التي لعبتها ولا تزال تلعبها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في أميركا الجنوبية ودول العالم الثالث، لدعم الديكتاتوريات والقوى التابعة لها وتدخلها في سياسات تلك الدول وسيادتها.
المقاومة والمواقف السياسية
دا سيلفا، الذي ناضل ضد الديكتاتورية العسكرية في البرازيل منذ ستينيات القرن الماضي، ظل مدافعاً عن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وداعماً للرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو. وفي ظل تزايد الصراع الغربي-الروسي، عبر دا سيلفا عن رفضه لسياسات الغرب الداعمة لكييف، متهماً الرئيس الأوكراني زيلينسكي وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي بالمسؤولية عن الغزو الروسي لأوكرانيا.
يبدو واضحاً أيضاً من سياق الكشف أن لولا دا سيلفا، منذ أن كان عاملاً في مجال التعدين وبرز نقابياً، أصبح في بؤرة الاهتمام الاستخباري الأميركي. يقدم ذلك صورة عملية عن أن ما كان يشاع عن الأدوار التي لعبتها وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) في أميركا الجنوبية، وعموم دول أميركا اللاتينية والعالم الثالث، لدعم الدكتاتوريات والقوى التابعة لها وتدخلها في سياسات تلك الدول وسيادتها، ليست مجرد تكهنات، بل حقيقة تحتاج ربما إلى الوصول إلى الوثائق ولو بعد عقود من انخراطها في ذلك.
كما أن حصانة دا سيلفا وروسيف أو الألمانية ميركل ورؤساء فرنسيين وحلفاء غربيين، وغيرهم من ساسة حول العالم، لا تعني الأميركيين، المبشرين بكثير من القيم التي تناقضها مواقفهم وتصرفاتهم. تظهر الوثائق أن دا سيلفا تعرض للتنصت والتجسس خلال فترتين رئاسيتين له بين 2003 و2010، وحتى سجنه عام 2018 بتهمة الفساد، التي أسقطت عنه في وقت لاحق وأعادته صناديق الاقتراع في نهاية 2022 إلى الرئاسة مجدداً.
والتاريخ البعيد لتصرفات الاستخبارات الأميركية، منذ ستينيات القرن الماضي، يعني أن دا سيلفا، المولود عام 1945 في شمال شرق البرازيل لعائلة فقيرة، وبدأ حياته بائعاً متجولاً وماسح أحذية قبل أن يصبح فيما بعد عاملاً في التعدين، كان فعلياً تحت المراقبة منذ شبابه. أثار الرجل الذي انتهج خطاً نقابياً يسارياً قلق المجتمع الاستخباري الأميركي، الحليف المبكر للديكتاتورية الانقلابية العسكرية في البرازيل، منذ 1964 وحتى 1985، حيث اعترفت به ودعمته واشنطن سريعاً، متحالفة مع الانقلابيين داخلياً وعلى مستوى السياسة الخارجية، مثلما كانت تفعل في بقية الانقلابات في أميركا اللاتينية.
يُظهر ذلك أن سي آي إيه لم تكن تعمل بمعزل عن السلطة الديكتاتورية في البلد في مراقبة دا سيلفا، الذي انغمس في السياسة بالكامل بعد اختطاف شقيقه فري شيكو وتعذيبه بوحشية على يد الدكتاتورية العسكرية في أوائل سبعينيات القرن الماضي. وبصفته زعيماً نقابياً أثار لولا دا سيلفا مبكراً الانتباه إلى نفسه بفعل تنظيمه العديد من الإضرابات، ومشاركته في تأسيس حزب العمال اليساري. واهتمت سي آي إيه وغيرها بالعلاقة الوثيقة التي جمعت دا سيلفا بالزعيم الكوبي الراحل فيدل كاسترو.
في كل فتراته الرئاسية، كان دا سيلفا حريصاً على تنمية العلاقات مع رؤساء دول غير مرغوب فيهم في الغرب، مثل دعمه للرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو ورفض الانتقادات والتدخلات الأميركية والغربية في ذلك البلد. وأبدى معارضته لسياسات الغرب حول العالم. وخلال تزايد الصراع الغربي-الروسي، على خلفية الحرب في أوكرانيا، عبر دا سيلفا عن رفضه لسياسات الغرب الداعمة لكييف، بل ذهب نحو اتهام الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وحلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي بأنهم مسؤولون عن الغزو الروسي لأوكرانيا.
في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لم يتردد دا سيلفا في وقت مبكر من العام الحالي في وصف تصرفات جيش الاحتلال وحرب الإبادة في غزة بإبادة اليهود على يد أدولف هتلر. مع أن ذلك فتح عليه هجوماً عنيفاً من اللوبيات الصهيونية في أميركا الجنوبية، وفي الولايات المتحدة الأميركية، واعتبر وزير خارجية الاحتلال يسرائيل كاتس أن دا سيلفا "غير مرحب به في إسرائيل" كما نقلت صحف عبرية عنه، حافظ الرجل على دعم القضية الفلسطينية وتأييده المبكر للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.