على وقع هتاف مواطنيها وتصفيقهم، وصل جثمان الملكة إليزابيث الثانية مساء الثلاثاء إلى قصر باكنغهام في لندن حيث سيبقى ليلة واحدة، قبل أن يسجّى في ويستمنستر أمام العامّة اعتباراً من الأربعاء ولمدة خمسة أيام تتوّج الإثنين بجنازة وطنية تاريخية.
وكان في استقبال جثمان الملكة الراحلة نجلها الملك تشارلز الثالث وزوجته كاميلا اللذان عادا لتوّهما من زيارة رسمية قصيرة إلى أيرلندا الشمالية، وأفراد آخرون من العائلة المالكة.
وبعودة الملك إلى العاصمة، انطلقت الاستعدادات للجنازة الرسمية التي ستقام الإثنين المقبل في وستمنستر.
وبينما كان جثمان الملكة الراحلة يدخل قصرها اللندني لقضاء ليلة أخيرة، كانت جموع غفيرة من المواطنين في استقبال نعش المرأة التي حكمت بلدهم 70 عاماً. وأضاءت الحشود بهواتفها المحمولة المصوّبة باتجاه السيارة الجنائزية ظلمة الليل، في حين علت هتافاتها وصيحاتها الوداعية.
ووضع النعش داخل سيارة جنائزية أضيئت من الداخل واخترقت حشود المواطنين الذين اصطفوا على جانبي الطريق لاستقبال جثمان الملكة، في حين لم يتوان سائقون عن إيقاف سياراتهم والترجل منها واجتياز الطريق لإلقاء التحية على ملكتهم الراحلة.
ووصل النعش إلى لندن من إدنبره على متن طائرة تابعة لسلاح الجو الملكي، حطّت في مطار سلاح الجو في العاصمة وأقلّت أيضاً ابنة الراحلة الأميرة آن. وحمل النعش عسكريون يرتدون زيًا احتفاليًا.
وكانت الملكة لعبت دوراً أساسياً في المصالحة في اسكتلندا، لكن بعد حوالي ربع قرن على عودة سلام هش بين الجمهوريين وغالبيتهم من الكاثوليك، والوحدويين ومعظمهم من البروتستانت، تأجج التوتر مع بريكست ما أعطى زخما لفكرة الانفصال عن المملكة المتحدة وإعادة التوحّد مع جمهورية أيرلندا.
وما إن وصل إلى قصر هيلزبورو، حتى ذهب تشارلز الثالث وزوجته كاميلا للقاء آلاف الأشخاص الذين احتشدوا وراء حواجز حديد وصافحا كثيرين وتبادلا الكلمات معهم. وهذه المشاهد كان يصعب تصورها خلال "أحداث" أيرلندا الشمالية.
وتعاني أيرلندا الشمالية من الشلل السياسي في خضم تغييرات ناجمة عن فوز حزب شين فين الجمهوري الذي لا يعترف بسلطة الملكية، في الانتخابات التشريعية الأخيرة. وتشكل أيرلندا الشمالية المحطة الأكثر حساسية في الجولة التي باشرها الملك الجديد في الأقاليم الأربعة التي تتألف منها المملكة المتحدة. فزار الإثنين البرلمان البريطاني في لندن ومن ثم البرلمان في إدنبره، قبل أن يتوجه الجمعة إلى كارديف في ويلز.
وقالت المتقاعدة آن سادلو التي استيقظت عند الساعة الرابعة صباحا، أملا برؤية الملك: "من المطمئن رؤية كل الطوائف ترصّ الصفوف وراء الملك الجديد"، مرحبة بهذه الوحدة في الإقليم الذي لفه على غرار البلاد برمتها، الحزن لوفاة إليزابيث الثانية الخميس الماضي عن 96 عاما.
"قاتم جدًا"
في إدنبره انتظر عشرات آلاف البريطانيين لساعات طوال الليل وعند ساعات الصباح الأولى، لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة على نعش الملكة المسجى في كاتدرائية سانت جايلز في العاصمة الاسكتلندية.
وأتت ناتاليا داسيوكيفيتش (46) وأصلها من روسيا في الصباح الباكر من غلاسغو وقالت: "مزاجي قاتم جدا"، وهي بالكاد تضبط دموعها. وأضافت: "لم أولد في هذا البلد وأنا بعيدة عن عائلتي. وكانت الملكة مثال الجدة بالنسبة لابنتي".
وسجّي النعش على منصّة وقد لُفّ بالراية الملكية الاسكتلندية وإكليل من الزهور البيضاء وتاج اسكتلندا المصنوع من الذهب الخالص. وتمكن المواطنون من المرور أمامه طوال الليل، فيما كان يحرسه أربعة رماة ملكيين.
وقدِم الملك تشارلز الثالث مع إخوته الثلاثة، الأمير أندرو وإدوارد والأميرة آن، في المساء مع قرينة الملك كاميلا للمشاركة في مراسم جنائزية.
تكريم ملكي وشعبي
وظلّ جثمان إليزابيث الثانية بعيداً عن العامّة حتى مساء الإثنين. فقد بقي أولاً في قصر بالمورال في شمال اسكتلندا حيث توفيت الملكة الخميس عن 96 عاماً، ثم نقل إلى قصر هوليرودهاوس في إدنبره.
وكانت الملكة تتمتّع بشعبية واسعة وتظهر ثباتا في العواصف السياسية والاجتماعية والصحية مثل كوفيد-19، وتوحي بالطمأنينة لملايين البريطانيين طوال سنوات عهدها التي زادت عن 70 عاماً.
واعتلى تشارلز الثالث العرش في مرحلة دقيقة جدا، مع توترات في أيرلندا الشمالية ومنحى استقلالي في اسكتلندا وتضخم جامح ينهك القدرة الشرائية. وتعاني البلاد كذلك من أزمة اجتماعية وسياسة، فيما تولت رئيسة وزراء جديدة السلطة قبل أيام قليلة.
وقد يواجه الملك على الأرجح مطالب من بعض الدول الأربع عشرة، التي لا يزال رئيسا للبلاد فيها (وتشمل أستراليا والبهاماس وكندا ونيوزيلندا وجامايكا) التي قد تريد إقامة نظام جمهوري مع اعتلاء ملك جديد العرش.
والأربعاء سيسجّى الجثمان مجدّداً، هذه المرة في قصر ويستمنستر في لندن. ويتوقّع مرور مئات آلاف الأشخاص أمامه على مدار الساعة لمدة خمسة أيام تقريباً. وقد بدأ البعض بالانتظار في طوابير منذ الإثنين.
وتقام الجنازة الوطنية للملكة الإثنين في كاتدرائية ويستمنستر بحضور نحو 500 مسؤول أجنبي والكثير من الملوك وأفراد العائلات الملكية. وذكرت وكالة "بي إيه" للأنباء أن روسيا وبيلاروسيا وبورما وكوريا الشمالية لم تتلقّ دعوات للحضور.
(فرانس برس)