تنتهي، اليوم الثلاثاء، الحملة الانتخابية للاستفتاء على الدستور في الجزائر، المقرر في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني، بعد ثلاثة أسابيع من التجمعات الانتخابية واللقاءات الشعبية التي اقتصرت على القوى المؤيدة للدستور، بعد رفض السلطات السماح للقوى المعارضة له بتنظيم لقاءات شعبية.
وفيما تتباين المواقف من الحملة والخطاب السياسي ومستويات التفاعل الشعبي، بين من يرى أنها كانت مقبولة نسبيا مقارنة مع ظروف الأزمة الوبائية، وبين من يرى أنها كانت ضعيفة شعبيا مقارنة مع ما كان يقتضيه النقاش بشأن الوثيقة الأساس للدولة.
ودفعت الحكومة بعدد من الوزراء إلى قلب المعترك الانتخابي، في آخر يوم للحملة الانتخابية، بعد إخفاق لافت لقادة الأحزاب السياسية والقوى المدنية الموالية في الحصول على أكبر تعبئة شعبية لصالح المشاركة في الاستفتاء والتصويت لصالح الدستور، وتحول تجمعاتها الانتخابية إلى لقاءات مغلقة مع مناضليها.
وسُجل اليوم حضور قوي لوزير العدل بلقاسم زغماتي في لقاء انتخابي نظمته فعاليات المجتع المدني في ولاية عين الدفلى قرب العاصمة الجزائرية، دافع فيه عن مضمون مسودة الدستور، وشرح الغايات السياسية لمختلف المواد التي جرى تعديلها.
وقال زغماتي إن "هذا الدستور جاء ليضع الأسس المتينة لبناء دولة قوية ديمقراطية اجتماعية ضمن إطار المبادئ الإسلامية"، ورد على ما وصفها بـ"مغالطات سياسية" تطلقها قوى معارضة بشأن مشكلة الهوية، وخاصة مسألة ترسيم اللغة الأمازيغية. وقال إن "الأمازيغية لغة رسمية شأنها شأن العربية والإسلام، والدولة ستعمل على ترقيتها".
وشدّد الوزير الجزائري على أن "الدستور الجديد يُبقي الطابع الاجتماعي للدولة، بعيدا عن الخيارات الليبرالية المتوحشة"، موضحا أنه "لا يمكن لأي تعديل دستوري المساس بالطابع الاجتماعي للدولة، والجزائر الدولة الوحيدة التي تبني شققا وتمنحها بالمجان".
وأقرّ بـ"الخيبة الكبيرة للحكومات السابقة في تحقيق منجز اقتصادي وتحقيق رفاهية اجتماعية تحدّ من هروب الشباب والإطارات إلى الخارج والهجرة السرية"، وقال: "كيف يهرب الجزائريون من بلادهم؟ أين كنا وكيف حصل هذا؟ لو يعود الشهداء فسيعدمونا بالكامل بسبب ما حدث، وبسبب الفساد الذي شهدته المرحلة السابقة والقضايا التي توبع فيها مسؤولون" وصفهم بـ"خونة الأمانة".
وفي السياق نفسه، نشّط وزير الاتصال المتحدث الرسمي باسم الحكومة عمار بلحيمر، تجمعا شعبيا في العاصمة الجزائرية.
ودافع بلحيمر بقوة عن الدستور الجديد، وأكد أنه يتضمن مجالا واسعا لصالح المجتمع المدني، وتعزيز الحريات وحرية الإعلام والصحافة والإبداع للصحافيين، وتحرير إنشاء الصحف والنشريات بمجرد التصريح فقط، مشيرا إلى أن "الدستور لم يغفل حريات التعبير الجماعية، كالتعددية الحزبية والحريات النقابية والحركات الجمعوية، حيث تم استحداث ضمانات جديدة".
كما حضر وزراء التجارة كمال زريق، والموارد المائية أرزقي براقي، تجمعات انتخابية لدعم الدستور، ودعوة الناخبين للذهاب إلى صناديق الاقتراع الأحد المقبل.
ودخل قائد أركان الجيش الفريق السعيد شنقريحة منذ أيام على خط استفتاء تعديل الدستور، وألقى، اليوم الثلاثاء، تاسع خطاب له منذ بدء الحملة الانتخابية، خلال زياته إلى مقر قيادة القوات الجوية في العاصمة الجزائرية.
دافع بلحيمر بقوة عن الدستور الجديد، وأكد أنه يتضمن مجالاً واسعاً لصالح المجتمع المدني، وتعزيز الحريات وحرية الإعلام والصحافة والإبداع للصحفيين، وتحرير إنشاء الصحف والنشريات بمجرد التصريح فقط
وقال شنقريحة إن "المصلحة العليا للوطن تطلبت منا في الجيش من منطلق مهامنا الدستورية اتخاذ مواقف صادقة وثابتة تجاه الوطن والشعب، ونحن على يقين تام بأن بلادنا، وكما قبرت الاستعمار بالأمس وقهرت الإرهاب بالماضي القريب، ستعرف كيف ترفع كافة التحديات المعترضة وتخرج منها أكثر قوة وأكثر مناعة".
واستدعى قائد الجيش الظروف الإقليمية التي يجري فيها الاستفتاء الشعبي. وقال: "نعتبر أمن واستقرار الجزائر ووحدة شعبها وسيادته أمانة مقدسة.. الجزائر أرض المقاومة والشهادة تعرف جيدا قدر السيادة وقيمة الاستقلال وثمن الأمن والاستقرار".
نجاح أم فتور؟
وقبل الوزراء، جاب قادة الأحزاب السياسية والمنظمات الموالية للسلطة (جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وحركة الإصلاح الوطني وتجمع أمل الجزائر وغيرها) الولايات والبلدات، في سياق الحملة لحشد الدعم لصالح المشاركة في الاستفتاء، والمرافعة لصالح الدستور.
لكن صورة هذه الأحزاب المرتبطة بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وظروف الأزمة الوبائية وانشغال الجزائريين أيضا بموجبات الدخول المدرسي، برأي البعض، جعلت أغلب التجمعات الشعبية أقرب إلى لقاءات مع المناضلين في هذه الأحزاب.
ويعتقد متابعون للشأن السياسي في الجزائر أن دخول الوزراء على خط الحملة الانتخابية في أيامها الأخيرة قد يكون إنقاذا لها بسبب ما يعتبرونه ضعف التفاعل الشعبي مع الأحزاب والجمعيات، وبسبب إخفاق هذه الأخيرة في طرح خطاب سياسي جديد، يتماشى مع روح ما بعد الحراك الشعبي.
ويصف المحلل السياسي وليد سعودي الحملة الانتخابية للاستفتاء الدستوري بأنها "كانت ضعيفة مقارنة مع طبيعة الاستحقاق الذي يخص الوثيقة الأهم للدولة، أي الدستور".
وقال سعودي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الحملة والتفاعل الشعبي كانا أقل من محطة رئاسيات 12/12، ويمكننا وصفها بالحملة المعزولة عن الشعب"، مشيرا إلى أن "توقيت العملية الانتخابية يبعث على طرح تساؤلات عديدة، على رأسها من الجهة المستفيدة، ولماذا هذا التوقيت بالذات، على الرغم من الوضع الوبائي الذي كان يفرض تأجيل الاستحقاق على الأقل، بحيث لا تسمح الوضعية الصحية بعقد تجمعات وبتفاعل شعبي أكبر".
وأضاف أن "هناك سببا آخر لضعف التفاعل الشعبي، وهو أن الحملة تمت بنفس أدوات الرئيس السابق بوتفليقة الحزبية، ونفس دعاة استمراريته في الحكم، وهذا أفقدها معناها، كما أنها سمحت لرموز المرحلة السابقة بالعودة، وهذا خلق حالة من الإحباط لدى قطاع من الجزائريين، إضافة إلى عامل آخر هو أن عددا من القوى المؤثرة في الشارع والمعروفة بقدرتها على التعبئة الشعية، عارضت الدستور ولم تنخرط في الحملة".
لكن القيادي في حزب "جبهة المستقبل" تقي الدين غول، والذي رافق رئيس الحزب بلعيد عبد العزيز، إلى مختلف الولايات خلال الحملة الانتخابية، يعطي صورة أخرى، ويعتقد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الحملة أوفت بكل توقعاتها مقارنة بالظرف السياسي والصحي".
وقال: "عموما نحن في "جبهة المستقبل" خضنا أكثر من عشرة تجمعات بحضور رئيس الحزب، وأكثر من 20 تجمعا أشرف عليه أعضاء المكتب الوطني ونواب البرلمان، وهذا رقم مهم، ناهيك عن أنشطة أخرى. ولولا الظرف الصحي لكان صدى الحملة أقوى، ولكان التجاوب أفضل بكثير"،
وأضاف: "مما كشفته الحملة أن الأحزاب السياسية مازالت تحافظ على مكانتها لدى عموم الشعب الجزائري، وبالأخص الأحزاب ذات الانتشار الوطني والهيكلة الجيدة، وأن مبدأ النضال السياسي مازال محترما، وهذا ما أكده الواقع من خلال التجند الكبير وتجاوب مناضلي الأحزاب مع تجمعات قياداتها، وعدم تأثرها بالحملات التي تشن في وسائل التواصل الاجتماعي، والتي فقدت تأثيرها بفعل التمييع".
وأشار إلى أن "الحملة الانتخابية كشفت أن الواقع مغاير تماما للنقاشات السلبية التي يعرفها فيسبوك"، مضيفا أن "الحملة الانتخابية كشفت أهمية الحزب السياسي مقارنة مع شبه رهان خاسر كان على المجتمع المدني والمنظمات الجماهيرية، حيث اكتشف الجميع أنها هياكل بدون روح وأن المواطن بعيد كل البعد عن التجاوب معها، وهذا يوضح أن أية محاولة تهميش للطبقة السياسية لصالح المجتمع المدني رهان خاسر، ويستحيل ملء الساحة السياسية بغير السياسيين، لأن العمل الجمعوي لن يكون بمستوى ولا بطبيعة العمل السياسي".
وبغض النظر عن أي تقييم للحملة الانتخابية، فإنه تبقى الملاحظة الأهم بالنسبة لحملة الاستفتاء الدستوري أن الحملة كانت في اتجاه واحد، بعد منع السلطات لقوى المعارضة من عقد تجمعات شعبية ونشاطات لشرح موقفها من الدستور والدعوة للتصويت ضده، حتى ولو كانت تدعو إلى المشاركة في التصويت.
ومنعت السلطات "حركة مجتمع السلم" من 12 نشاطا سياسيا، كما منعت "جبهة العدالة والتنمية" وسحبت رخصة تنظيم تجمعات لرئيسها عبد الله جاب الله، ناهيك عن أن وسائل الإعلام العمومية والمستقلة امتنعت عن استضافة أي من قادة الأحزاب المعارضة التي لها موقف نقدي من الدستور.