لم تعد مسائل تمييزية بين البشر، مثل "كره الأجانب" و"معاداة اللاجئين" تقتصر على دول المعسكر الغربي، فجنوب أفريقيا، التي شهدت تاريخياً أسوأ أنظمة الفصل العنصري، بقيادة أقلية بيضاء من أصول مهاجرة، ضد أكثرية سوداء من السكان الأصليين للبلاد، بدأت تشهد نمو "ظاهرة" جديدة من الشعبوية واليمين المتطرف، متمثلة بقائد "عملية دودولا"، نهلانهلا موهلاولي الملقّب بـ"لوكس".
وفي بلاد بلغت نسبة البطالة فيها 35 في المائة بين السكان، و64 في المائة بين الشباب، كان "سهلاً" على موهلاولي اتهام الأجانب الأفارقة، خصوصاً المتحدرين من زيمبابوي وموزامبيق، بـ"الاستيلاء على وظائف الجنوب أفريقيين".
في 4 يوليو/ تموز الحالي، نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تقريراً عن "لوكس"، الذي صعد نجمه في العام الأخير، وحول أفكاره الجديدة في الوسط السياسي في بلاد العواصم الثلاث: بريتوريا، كايب تاون، بلومفونتين.
وتطرق التقرير إلى شخصية "لوكس" المولود في بلدة سويتو، في ضواحي جوهانسبرغ، أكبر مدينة في جنوب أفريقيا، حيث ربّته والدته روز بمفردها بعد انفصالها عن والده، الذي كان لص مصارف.
وذكر التقرير كيفية تلقي "لوكس" تعليمه في إحدى أرقى مدارس جوهانسبرغ "مدرسة القديس داود" الكاثوليكية، وانخراطه في الرياضة وقيامه بجولات رياضية في الصين ودول أخرى.
بعدها تدّرب على قيادة الطائرات، ثم انصرف إلى قراءة الأدب. وهنا السؤال الأهم وفقاً للتقرير: "كيف تحوّل هذا الولد، العاشق لموسيقى هيب هوب والأدب، إلى قيادة حركة معادية للأجانب؟".
كيفية تشكّل شخصية "لوكس"
شرح "لوكس" لـ"فورين بوليسي" طبيعة هذا التحول بالقول: "بدأت في حركة شيوعية، وتعلمت في أفضل المدارس بسبب المنح التي حصلت عليها. وفهمت أن هناك عالماً مختلفاً بسبب هذه المدارس: هناك عالم ثريّ جداً فيها وهناك عالم فقير جداً من حيث أتيت".
ووفقاً له، فقد قرر مساعدة أبناء بلدته الذين لم يحصلوا على فرص مثله، وبدأ بتعليمهم أساسيات كرة القدم والرياضيات. وأضاف: "مع الوقت، بدأنا نبني قوة حقيقة في البلدة، وحين يأتي العمدة أو أي مسؤول آخر، يشعر الناس أنهم يريدون قتله بسبب غياب الخدمات، فيطلب منا منظّمو الزيارة التوسط لمنع حصول التوترات".
يرتدي "لوكس" ثياباً عسكرية ويحمل سلاحاً في التظاهرات
من هنا، باشر "لوكس" البالغ من العمر 35 عاماً بناء شخصية قيادية، وصولاً إلى اعتماده زياً محدداً: يرتدي ثياباً عسكرية في التظاهرات، مع واقٍ للرصاص، ويحمل سلاحاً.
وفي 16 يونيو/ حزيران 2021 تمّ إطلاق "عملية دودولا"، المعنية بمحاربة الأجانب في جنوب أفريقيا، في سويتو. وتعني كلمة "دودولا" بلغة الزولو "طرحه أرضاً" أو "إخراجه بالقوة".
وتحول "لوكس" إلى واجهة للحركة، التي رافقت أسوأ موجات العنف منذ سقوط نظام الفصل العنصري في عام 1991، بعد 43 عاماً على نشأته في عام 1948.
وفي يوليو/ تموز 2021، اندلعت أعمال شغب في جنوب أفريقيا، بعد سجن الرئيس السابق جاكوب زوما، ورافقتها عمليات سلب للشركات والمتاجر وقتل، فعمل "لوكس" ورفاقه على حماية "مابونيا مول" في سويتو، أهم مؤسسة محرّكة للاقتصاد في البلدة.
وحيال صعوده، وتركيزه على الأجانب، باشر سياسيون آخرون إما بمهادنة "لوكس" أو تقليده، ومنهم قائد حزب "المقاتلون من أجل الاقتصاد الحر" (إي أف أف) جوليوس ماليما، الذي انتقد ما سماه "غطرسة لوكس"، لكنه في الواقع بدأ بالتصرّف مثله، خصوصاً في يناير/ كانون الثاني الماضي، حين جال على سلسلة مطاعم في جوهانسبرغ، لتفقد العمالة الأجنبية فيها.
ومع أنه برّر ذلك بأنه "يهدف لعدم استغلال المواطنين للأجانب"، إلا أن المراقبين في جنوب أفريقيا رأوا بخطوته محاولة للحاق بموجة "كره الأجانب". ووحده رئيس الجمهورية سيريل رامافوزا انتقد "لوكس" بشدة، مديناً "عملية دودولا".
ويبدو "لوكس" معجباً بشكل ما بالولايات المتحدة، فقد أطلق لقب "البيت الأبيض" على بيته في سويتو، واستخدم الاستعارات في إجراء مقارنة بينه وبين ماليما، فوصف الأخير بهاتف "نوكيا"، الذي أراده الجميع في بداياته، لكن ما إن ظهر هاتف "آيفون" حتى تخلى عنه الجميع، واصفاً نفسه بالهاتف الأميركي.
ولا يقتصر الأمر هنا، بل أبدى "لوكس" إعجابه بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. وقال في هذا الإطار: "لا أعلم إن كنت معجباً بالرجل نفسه، لكنني معجب بالتأكيد بآرائه"، مضيفاً: "رفع شعار أميركا للأميركيين، ومنح الأولوية لهم على حساب المهاجرين غير الشرعيين، أمر عظيم. وهو ما تفعله عملية دودولا". وشدّد على أن "جنوب أفريقيا هي للجنوب أفريقيين".
الجانب المظلم في قصة "لوكس"
لكن كما لكل قصة جانب مظلم، فإن "لوكس" خضع للتحقيق بشأن مشاركته في سرقة منزل كان يُعتقد أنه تتم المتاجرة بالمخدرات فيه، لكن المحكمة أجّلت الجلسة في 28 مارس/ آذار الماضي، بعد مرات سابقة.
وساهمت مواقفه في تحفيز المتطرفين في جنوب أفريقيا بقتل إلفيس نياثي وهو شخص من زيمبابوي، بإحراقه حياً بعد الاعتداء عليه في إبريل/ نيسان الماضي.
وحين سُئل "لوكس" عما إذا كان يشعر بالأسف على نياثي، قال: "ليس لدّي معلومات كافية لأشعر بالأسف على زوجة إلفيس، لأنني مشغول بالحداد على أرواح الجنوب أفريقيين الذين قُتلوا على أيدي الأجانب".
قُتل شخص من زيمبابوي بإحراقه حياً على يد أنصار "لوكس"
والأجانب يشكّلون 5 في المائة من عدد سكان جنوب أفريقيا، أي نحو 3 ملايين شخص من أصل 61 مليوناً. وأكثرهم من زيمبابوي وموزامبيق، ثم من الصومال.
ويعمل هؤلاء في مهن لا يرغب الجنوب أفريقيون في ممارستها، سواء بامتلاك متاجر صغيرة أو العمل في المطاعم وقطاع التنظيفات والحدائق.
مع ذلك، فإن "عملية دودولا" ليست سوى تعمية لحقائق عدة، بدءاً من أن نسب الجريمة في جنوب أفريقيا هي من الأعلى في العالم، والإحصاءات تشير إلى أن غالبية المجرمين المعتقلين هم من مواطني البلاد، ونسبة قليلة جداً من الأجانب.
أما في موضوع تمويل "عملية دودولا"، فـ"لوكس" مسكون بالغموض في هذا الإطار، إذ يكتفي بالقول إن "الجميع يساهم بالمال، بعد توقف أعمالي بسبب نشاطي السياسي".
لكن لـ"لوكس" نزعة لجنون العظمة، إذ يقارن نفسه مع المكافحين لتحرير جنوب أفريقيا، على الرغم من تأكيده بأنه لا يستخدم "عملية دودولا" كنقطة انطلاق للعمل السياسي، قبل عامين من الانتخابات العامة في البلاد المقررة في ربيع 2024.
مع ذلك قال مرة: "أنا فقط أقود الناس. أقود العالم الحر. أقود الجميع خارج الإطار السياسي، ولهذا السبب يخاف السياسيون مني. وإذا قلت إننا سنتحول إلى حزب سياسي، حينها ستكون حركتنا كبيرة جداً، ومن المؤكد أنها ستغير المشهد، كل شيء سيتغير".
(العربي الجديد)