زادت تحركات عناصر تنظيم "داعش" ونشاطه الإعلامي في العراق خلال الأسابيع الماضية، على الرغم من العمليات العسكرية والخطط الأمنية التي تعلن عنها القوات العراقية.
فقد نفذ التنظيم منذ بداية ديسمبر/ كانون الأول الحالي أكثر من 10 اعتداءات إرهابية على قرى وبلدات عراقية مختلفة في محافظات كركوك وديالى وصلاح الدين ونينوى شمالي البلاد، راح ضحيتها عدد من أفراد الأمن والمواطنين.
ويرى مراقبون أن العراق لم يتمكن من تحجيم خطورة وتأثير بقايا جيوب التنظيم المسلحة، التي تنشط بشكل متواصل في تلك المحافظات، على الرغم من التعزيزات الكثيرة وتدفق القوات الأمنية إلى تلك المناطق.
وتتحدث مصادر أمنية مسؤولة في بغداد عن أن التنظيم يموّل نفسه عبر أكثر من طريقة ليواصل هجماته.
يهاجم التنظيم المناطق الرخوة أمنياً، ومنها المتنازع على إدارتها بين بغداد وأربيل
وهاجم مسلحو "داعش" مطلع الشهر الحالي مناطق عدة شمالي البلاد، منها قرية لهيبان في كركوك التي سيطر عليها لساعات قبل الانسحاب منها. وأسفر الهجوم عن مقتل سبعة من قوات البشمركة الكردية بانفجار عبوة ناسفة في قوة كانت متوجهة للتصدي لهجوم التنظيم الذي اشتبك معه أهالي القرية، ما أسفر عن مقتل ثلاثة مدنيين منهم، كما تسبب الهجوم بنزوح 55 أسرة من القرية، ثم أقدم التنظيم على حرق نحو 20 منزلاً.
كذلك هاجم التنظيم نقطة أمنية في قضاء المقدادية، وقتل نحو أربعة عناصر أمن عراقيين، ثم هاجم مركزاً صحياً وقتل مديره.
وفي صلاح الدين، قُتل ثلاثة مدنيين بكمين على طريق يربط بين قريتين، كما قتل ثلاثة عناصر من الجيش العراقي بهجوم لـ"داعش" في حوض حمرين. وأعلن التنظيم أخيراً عن قتل ضابط برتبة عقيد بالقرب من تلال حمرين بعد اعتقاله مع أربعة من رفاقه كانوا في رحلة صيد.
أهداف "داعش" في العراق
وأفادت مصادر أمنية عراقية بأن "تنظيم داعش يهاجم المناطق الرخوة أمنياً، المتنازع على إدارتها بين بغداد وأربيل، إضافة إلى مناطق جبلية وصحراوية وعرة منها تلال ووادي حمرين شمال شرقي العراق"، مضيفة أنه "خلال الأسابيع الماضية تسببت هجمات داعش بخسائر بشرية لم تكن متوقعة بالنسبة للقيادة العسكرية في بغداد".
وأكدت المصادر لـ"العربي الجديد" أن رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي أوعز برفع القدرات القتالية للجيش العراقي بالعدة والعدد، كما دفع بطيران الجيش لتنفيذ مهام ضرب التحركات التي يمارسها التنظيم والتنسيق مع قوات البشمركة.
وتحدث الكاظمي عن ضرورة تجفيف منابع تمويل التنظيم، ومحاصرة المناطق التي يستولي عليها عناصر "داعش" وقطع أي تواصل لها تماماً مع محيطها الخارجي، ومعاقبة أي قوات لا تلتزم بالأوامر.
وأشارت المصادر إلى أن "عناصر التنظيم يحصلون على التمويل اللازم لهم عبر طرق عدة، لكن أبرزها عمليات الخطف وطلب الفدية بمبالغ كبيرة، كان آخرها اختطاف شخص ومبادلته بمبلغ 70 ألف دولار أميركي قرب كركوك، ما يشكل للتنظيم مصادر تمويل جيدة، إضافة إلى ما يحصل عليه من سلاح وذخيرة في مهاجمته الثكنات الأمنية العراقية".
وفي السياق، أكد المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة العراقية اللواء تحسين الخفاجي، لـ"العربي الجديد"، أن "القوات العراقية لا تدخر أي جهد لملاحقة عناصر التنظيم الذين يتوزعون في مناطق محددة مسبقاً لدى الجيش العراقي، وقد تكللت عمليات (برق السماء) الأخيرة بمنجزات مهمة بالنسبة لأمن البلاد".
الجحيشي: التعامل مع داعش لا يجب أن يكون أمنياً فقط، بل هو سياسي واجتماعي
وتابع: "يمكن التأكيد أن قواتنا العراقية تعتقل بنحو يومي أو شبه يومي، عناصر من تنظيم داعش في عمليات نوعية". واعتبر أن "الهجمات الأخيرة دليل على الضربات الموجهة التي يتلقاها التنظيم".
وأوضح الخفاجي أن "عناصر التنظيم يعتمدون على القرى النائية والبساتين الكثيفة بالأشجار وبعض الوديان الصغيرة".
ولفت إلى أن "المجموعات الإرهابية تتركز في سلسلة جبال حمرين وجبال قره جوغ ووديان الشاي زغيتون في كركوك وقرى في جنوب غربي نينوى، وفي صحراء الأنبار وبحيرة حمرين في ديالى، وأخرى في شمال محافظة صلاح الدين، وجميعها تحت أنظار القوات العراقية، وهي بحاجة إلى مزيدٍ من العمليات العسكرية".
مصادر تمويل عدة لـ"داعش"
من جهته، بيَّن قائد شرطة الأنبار السابق طارق العسل أن "التنظيم يعتمد في مصادر تمويله على عمليات تهريب الوقود والمواد الغذائية والدواب من وإلى سورية، إضافة إلى ابتزاز تجار ومزارعين، والخطف وطلب الفدية من أهالي ميسورين الحال في محافظات شمال البلاد، لذلك فإنه لا يمر حالياً بأي أزمة مالية، بل هي أزمة تحرك ميداني، وهذا يعني أنه مستمر بنشاطه التجاري".
ورأى العسل، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "العراق وحده لن يستطيع إنهاء وجود التنظيم الإرهابي، وهناك حاجة ماسة لعقد مؤتمر دولي لحل أزمة البلاد الأمنية، إضافة إلى إجراء مصالحة وطنية حقيقية، وإعلان العفو عن المعتقلين بتهمة الانتماء لداعش، وفضّ مشكلة مخيم الهول، وتثبيت الأمن في المناطق الرخوة".
كما لفت إلى ضرورة "إشراك الأهالي بالملف الأمني وتعيين عناصر أكفاء من أهالي المناطق المحررة والمتوترة أمنياً في السلكين الأمني والعسكري".
وتعليقاً على تحركات "داعش" المتصاعدة، رأى الخبير الأمني العراقي مؤيد الجحيشي أن "الفساد في المؤسسة الأمنية العراقية، هو أكثر ما يدركه عناصر تنظيم داعش، حتى إن الخلافات السياسية على المناصب وتشكيل الحكومة، هي مصدر قوة بالنسبة للتنظيم".
وشدّد على أن "الهجمات الإرهابية عادة ما تستهدف أضعف حلقات المجتمع وتتصيدهم، لأن قوات الأمن تهمل في العادة مراكز المدن التي تضعف فيها مراكز القرار والتأثير السياسي".
ورأى الجحيشي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "التعامل مع تنظيم داعش لا يجب أن يكون أمنياً فقط، بل هو سياسي واجتماعي، ولا بد من حلّ جميع المشاكل الاجتماعية والسياسية للوصول إلى نتيجة أمنية".
أما الأهم، برأيه، فهو "محاربة الفساد في المؤسسة الأمنية العراقية، لأن التنظيم يستغل ضعف الدولة والفساد فيها ويحصل على دعم مالي من خلال تجارته بالتهريب والأغنام والطيور، ليموّل هجماته وعناصره".