أثار الهجوم العسكري الذي شنّته حركة "الشباب"، المرتبطة بتنظيم "القاعدة"، الأسبوع الماضي، في مناطق عدة في الإقليم الصومالي في إثيوبيا، المعروف سابقاً بـ"أوغادين"، موجة من التساؤلات حول إمكانية تسلل عناصر الحركة إلى العمق الإثيوبي، وتنفيذ هجمات مشتركة مع قوميات إثيوبية متمردة على الحكومة المركزية.
وجاء هجوم الحركة على مناطق في الإقليم الصومالي الإثيوبي، في وقت تشهد فيه إثيوبيا استمرار القتال وأعمال عنف في بعض الأقاليم، لاسيما في إقليم أوروميا (ما تثيره جماعة "أونق شني"، المنشقة عن جبهة تحرير أورومو المعارضة)، وذلك نتيجة تداعيات الحرب الطاحنة التي شهدها إقليم تيغراي شمالي البلاد، منذ أواخر عام 2020، بين جبهة تحرير تيغراي والقوات الاتحادية، على أمن واستقرار بقية الأقاليم الفيدرالية في إثيوبيا.
كما تطرح تساؤلات حول توقيت الهجوم، بعد إعلان القيادة الصومالية الجديدة أنها بصدد شنّ حرب شاملة على "الشباب"، التي تزداد قوتها، كما يبدو، ومدى قدرة الصومال وإثيوبيا على أن يتعاونا في ذلك.
هجوم "الشباب" على أوغادين
ونقلت وكالة "رويترز"، الخميس الماضي، عن قائد أمني إثيوبي رفض الكشف عن هويته، قوله إن مسلحين من "الشباب" هاجموا قريتي ييد وآتو في منطقة باكول الصومالية على الحدود الإثيوبية، ما أسفر عن مقتل 17 شرطياً إثيوبياً داخل الأراضي الصومالية. وتقع في البلدتين قواعد عسكرية تضم قوات تابعة لوحدة خاصة من الشرطة الإقليمية (ليو) في المنطقة الصومالية الإثيوبية، تشارك في حماية الحدود بين البلدين.
تحدثت سلطات الإقليم الصومالي عن مقتل مائة مسلح من الشباب بالهجوم
وبحسب المعطيات، فقد تمكنت نحو 16 سيارة تقل نحو أكثر من 100 مسلح من عبور الحدود الصومالية الإثيوبية الأربعاء الماضي، حيث دارت اشتباكات مع القوات الإثيوبية، لأكثر من 3 أيام. وأعلنت سلطات الإقليم الصومالي في إثيوبيا أنها "دمّرت" مجموعة من حركة الشباب دخلت إليها من الصومال، في توغل نادر، مؤكدة أنها قتلت "أكثر من مائة" عنصر منهم.
وقال مكتب الاتصال في إقليم الصومال الإثيوبي، الواقع في جنوب شرقي إثيوبيا (غربي الصومال)، في بيان صحافي، مساء السبت الماضي، إن مواجهات استمرت لمدة 3 أيام، انتهت بمقتل مائة مسلح من حركة "الشباب" التي تقاتل في الصومال منذ عام 2007.
وأشار البيان إلى أن وحدات عسكرية تابعة لـ"الشباب" تمكنت من تجاوز الحدود الإثيوبية - الصومالية وتسللت إلى مناطق في الداخل الإثيوبي، وتحديداً منطقة أفدار. وأضاف أن القوات التابعة لإقليم الصومال الإثيوبي والقوات الإثيوبية، تمكنت من صدّ هجوم الحركة بعد محاصرة مسلحيها في بلدات عدة في الإقليم، ما أدى إلى مقتل أكثر من مائة مسلح، والقبض على آخرين في حوزتهم أسلحة مختلفة، بينما احترقت 13 سيارة تابعة للحركة، وتمّت السيطرة على إمدادات من الأسلحة والذخائر.
من جهتها، أعلنت الحركة، وفق تصريحات للمتحدث العسكري باسمها، عبد العزيز أبو مصعب، عن مقتل 87 جندياً إثيوبياً في المعارك الأخيرة.
وأظهرت صور متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، جثث جنود إثيوبيين منتشرة في إحدى المناطق التي دار على ما يبدو فيها القتال، ولقطات أخرى تظهر احتراق عشرات الأكواخ والمنازل المصنوعة من الصفيح.
كذلك عرضت قوات إقليم الصومال الإثيوبي، صور معتقلين يعتقد أنهم مسلحون من "الشباب" وفي حوزتهم أسلحة مختلفة.
ويقع الإقليم الصومالي في إثيوبيا، المعروف بـ"أوغادين"، في الجزء الغربي من الصومال، وفي شرقي إثيوبيا، ويحده من الشمال الشرقي جيبوتي، ويخضع للسلطات الإثيوبية. ويعرف الإقليم جغرافياً بالهضبة الصومالية، وتبلغ مساحته نحو 279 ألف كيلومتر مربع، ويدين كل سكّانه بالإسلام.
وقد سلّمت سلطات الاحتلال البريطاني إقليم أوغادين إلى إثيوبيا في عام 1954، بموجب الاتفاقية التي وقعتها بريطانيا مع إثيوبيا في عام 1897. وشكّل هذا الإقليم محور الصراع السياسي والعسكري بين الصومال وإثيوبيا، وشهد حربين في عامي 1964 و1977، كما نهضت فيه حركات نضالية صومالية أبرزها "جبهة تحرير الصومال الغربي"، التي تأسست عام 1960، والجبهة الوطنية لتحرير أوغادين، التي تأسست عام 1973.
مخاوف أمنية للصومال ودول الجوار
وتعليقاً على هجوم حركة "الشباب" في الإقليم الصومالي في إثيوبيا، قال مدير جهاز المخابرات والأمن الصومالي السابق، فهد ياسين، في بيان نشرته وسائل إعلام صومالية، إن على الحكومة الصومالية "توخي الحذر حول تحركات الشباب العدائية وتحمل المسؤولية، وإن نقل الحركة هجماتها العسكرية إلى المناطق المتاخمة مع الحدود الإثيوبية وتنفيذ هجوم في الإقليم الصومالي يعد أمر خطيراً يهدد الأمن الإقليمي لدول القرن الأفريقي".
سليمان آدم: حركة "الشباب" لم تتلق خلال الفترة الأخيرة ضربات عسكرية برّية قوية تنسف وجودها الميداني
وحثَّ ياسين الحكومة الصومالية على عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن القومي، واتخاذ قرارات حول التطورات الأمنية بين البلدين، وأن تؤدي الحكومة الصومالية "دوراً قيادياً باستشعارها أن أمن المنطقة مرتبط في ما بينه". وأشار إلى أن الصومال وإثيوبيا "تشتركان في أطول حدود برية، وعليهما التعاون في ضبط أمن المنطقة ومواجهة الجماعات الإرهابية، وألا تتأثر علاقة البلدين الأمنية والدبلوماسية نتيجة أعمال عنف تنفذها جماعات إرهابية لها أهداف خاصة وتريد زعزعة أمن المنطقة".
وفي السياق، رأى الصحافي الصومالي سليمان آدم، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "حركة الشباب تشكل تحدياً أمنياً كبيراً لدول الجوار التي لديها تواجد عسكري في الصومال ضمن بعثة قوات الاتحاد الأفريقي الانتقالية (أتميس)، التي تحارب جنباً إلى جنب مع أفراد الجيش الصومالي ضد الحركة".
وبناء على ذلك، فإن الحركة "تستهدف أمن دول الجوار ونفّذت أكثر من مرة هجمات وتفجيرات في عواصم تلك البلدان مثل نيروبي (عاصمة كينيا) وكمبالا (عاصمة أوغندا)، بحسب قوله. ولفت إلى أن "التطورات العسكرية الأخيرة في الإقليم الصومالي في إثيوبيا، ما هي إلا تعبير عن مدى قوة الحركة التي يمكن أن نقول إنها ازدادت في الفترة الأخيرة، لاسيما في السنوات الخمس الأخيرة".
وبرأيه، فإن حركة "الشباب" لم تتلق خلال الفترة الأخيرة ضربات عسكرية برّية قوية تنسف وجودها الميداني، ما مكّنها من تخطيط وتنفيذ هجمات نوعية في الصومال، خصوصاً في العاصمة مقديشو.
وأوضح آدم أن التحركات المسلّحة لـ"الشباب" في الداخل الإثيوبي، تتزامن مع إعلان رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري (الأربعاء الماضي) الحرب الشاملة ضد الحركة. وجاء ذلك بعد أيام فقط من تفجيرات شهدتها مدينة جوهر، جنوبي الصومال، استهدفت فندقاً وأدت إلى مقتل 6 أشخاص وإصابة نحو 15 آخرين، بينهم وزراء ونائب سابق في البرلمان، وأعلنت حركة "الشباب" مسؤوليتها عنها.
وأشار آدم إلى أن دخول الحركة وتنفيذ هجوم مسلّح ضخم في الإقليم الصومالي، له علاقة بالأحداث والتطورات الأمنية الأخيرة في إثيوبيا، حيث إن قوات الشرطة في الإقليم الصومالي، المعروفة بـ"ليو بوليس"، كانت نفذت عملية أمنية واسعة لتمشيط القرى المطلة على الحدود الصومالية، وتمكنت من اكتشاف أسلحة مختلفة في قرية "هيلو مادو" في منطقة عيل كري، وألقي القبض في هذه العملية على أعضاء من "الشباب". واعتبر الصحافي الصومالي أن دخولهم مرتبط بذلك الحادث، على ما يبدو.
يذكر أن رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، كان كشف في فبراير/شباط الماضي، عن مخطط لحركة "الشباب" لضرب أمن إثيوبيا، وتنفيذ هجمات ضخمة، لكن قوات الأمن أفشلت مخططاتهم"، على حد قوله.
تداعيات حرب إقليم "تيغراي"
ورجّح محللون أن تكون الحملة العسكرية التي شنّها أبي أحمد على إقليم تيغراي شمالي إثيوبيا، منذ أواخر عام 2020، ضد جبهة تحرير تيغراي، تركت انعكاسات أمنية وخيمة على الأقاليم المجاورة لإقليم تيغراي، خصوصاً إقليمي أوروميا وأمهرة وإقليم الصومال، حيث لا تزال الاشتباكات متقطعة وتتجدد بين الحين الآخر بين جبهات إثيوبية مسلّحة والجيش الإثيوبي، وذلك على الرغم من قبول جبهة تحرير تيغراي، الدخول في هدنة مع الحكومة الإثيوبية.
وفي هذا الصدد، رأى الباحث في الشؤون الأمنية، حسن محمد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الحالة الأمنية التي شهدتها إثيوبيا خلال العامين الماضيين، كان لها الأثر الأمني في الداخل الإثيوبي، وهو ما شجَّع حركة "الشباب" على تنفيذ هجوم عسكري على مناطق في إقليم الصومال.
واعتبر محمد أن هذا "ربما سيشكل بداية لتداعي الأمن في إثيوبيا"، مضيفاً أن "توقيت هذا الهجوم يأتي في ظل تنامي قوة حركة الشباب، وذلك بعد تقاعس الحكومة الصومالية في مواجهتها على نحو جدي". وقال إن هجوم الحركة في إثيوبيا "يعد رسالة إلى الحكومة الصومالية الجديدة، ومفادها أنها قادرة على تنفيذ هجمات نوعية، وتستطيع تجنيد عناصر جدد وضخّ دماء جديدة في صفوفها، باعتبار أنها استعادت نفوذها العسكري والميداني".
ورأى حسن محمد، أن حركة الشباب "قرّرت فتح جبهة جديدة في المنطقة، ما سيؤدي إلى توغل عسكري إثيوبي جديد في المناطق الحدودية بين الصومال وإثيوبيا، ويعجل في نشوب صراع عسكري بين عناصر الشباب والقوات الإثيوبية".
وتوقع الباحث في الشأن الأمني أن "تكون بذلك المناطق الحدودية مسرحاً لأحداث أمنية خطيرة، خصوصاً في المناطق التي يشترك فيها الصومال مع إثيوبيا في حدود برية". وبرأيه أيضاً، فإن "هجوم الحركة في الداخل يرسل رسالة أيضاً إلى حكومة أبي أحمد مفادها بأن تحركات الشباب العسكرية لم تعد مقتصرة فقط على الداخل الصومالي".
بدوره، قال الباحث السوداني المقيم في أديس أبابا، عباس صالح، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "يمكن فهم هجمات حركة الشباب على الحدود الإثيوبية الصومالية في سياق استراتيجية الانتقام التي ظلّت تتبعها الحركة ضد إثيوبيا منذ سنوات، حيث ترى أن هناك عوامل داخلية تصب في صالحها". فضلا عن ذلك، فإن الحركة "تستبق حملة عسكرية ضدها يتوقع أن تكون أولوية مطلقة للرئيس الصومالي حسن شيخ محمود"، بحسب رأيه.
وأضاف صالح أنه "قطعاً، فإن هذه الهجمات ستزيد من تعقيدات الوضع في كلا البلدين وتحديداً في الإقليم الصومالي في إثيوبيا، والذي ينطوي على عوامل عديدة من الدوافع المغذية للصراعات". وفي الوقت نفسه، اعتبر أن هذه الهجمات "إما ستدفع حكومتي البلدين للتعاون في ردع التهديدات، أو تباعد بينهما مع ما يترتب عليه من تداعيات أمنية وسياسية خطيرة".
وشهدت حركة "الشباب" المرتبطة بـ"القاعدة" نمواً متصاعداً أخيرأً، نتيجة الأموال التي حصلت في عام 2021، والتي قدرت بأكثر من 100 مليون دولار، بعد فرضها ضرائب وإتاوات على سكّان المناطق الخاضعة لسيطرتها في الصومال، وخصوصاً الأقاليم الجنوبية والوسطى، ما مكنها من تنفيذ هجمات أمنية في كل من الصومال وإثيوبيا وكينيا، خصوصاً المناطق الحدودية.