آخر الكلام الأميركي عن مفاوضات فيينا يفيد بأنها عالقة في محطتها الأخيرة بسبب إصرار إيران على شروط ملحقة، يبدو أن الإدارة تميل لتلبيتها، لكنها تواجه الرفض في الكونغرس، الذي يحتاجه الرئيس جو بايدن في الوقت الراهن ولا يقوى على مواجهته في لحظة هبط فيها رصيده إلى الحضيض حيث لا يتعدى 38%.
تصريحات المبعوث الأميركي الخاص روب مالي والمسؤول المختص في البيت الأبيض بريت ماكغورك، إضافة إلى المتحدث الرسمي في وزارة الخارجية نيد برايس، أعطت إشارات واضحة في هذا الخصوص. العقدة الأصعب أن طهران اشترطت رفع الحرس الثوري من لائحة الإرهاب واعتبرت ذلك بمثابة خط أحمر. وهذا طلب شطبه الكونغرس، حتى الآن، بالقلم الأحمر.
المبعوث مالي حاول مع ماكغورك في لقاءات، أخيراً، مع لجان في مجلسي النواب والشيوخ، التقليل من أهمية مثل هذه الخطوة من خلال تبيان "التأثير الضئيل لرفع الحرس الثوري من اللائحة" بالمقارنة مع "الخطر الذي يترتب على عدم إنجاز الصفقة". ثم عاد مالي وكرر الخطاب ذاته في مؤتمر قبل أسبوع في الدوحة، عندما قال إن الحرس الثوري لو جرى محو اسمه من اللائحة "سيبقى تحت العقوبات حسب القانون الأميركي ولن تتغير نظرتنا إليه".
لكن مطالعته لم تقوَ حتى الآن على تسويق موضوع الحرس. مجموعة من النواب الديمقراطيين رفعوا كتاباً إلى الرئيس بايدن، يأخذون فيه على إدارته "عجزها عن ترجمة وعودها لممارسة الضغوط الكفيلة بالتوصل إلى اتفاق أفضل" من السابق.
نواب حزب بايدن الديمقراطي عيونهم على الانتخابات النصفية بعد 7 أشهر، وخصومهم الجمهوريون يعدّون لتوظيف ورقة المفاوضات أو الاتفاق، إذا حصل، في الحملة الانتخابية ضد بايدن وحزبه.
هذه عملية مربكة للإدارة الأميركية التي تواجه ضغوطاً من النوع الآخر، الذي يحذر أصحابه من "عواقب الفشل في الوصول إلى تسوية نووية وما قد يؤدي إليه ذلك من تصعيد تصعب السيطرة عليه"، خاصة في ظل الانشغال بالغزو الروسي لأوكرانيا وتداعياته غير المعروفة مدياتها ومخاطرها.
وعليه، يواجه البيت الأبيض الآن ضغط عامل الوقت، ومن جهة ثانية غير قادر على ولا راغب في ممارسة هذا الضغط للتعجيل بالمفاوضات لئلا يضطر إلى التراجع عنه.
طيلة الأشهر الماضية، دأبت وزارة الخارجية الأميركية على التحذير من نفاد الوقت. في المدة الأخيرة، حذرت من أن المتبقي منه "لا يتجاوز أسابيع قليلة". لوحت "بالبدائل" لو أخفقت المفاوضات. بل أوحت بأنها على وشك توجيه الإنذار الأخير لإيران لإبرام الاتفاق أو لإنهاء المفاوضات.
الأسبوع الماضي، لم يذكر المتحدث برايس أي شيء من هذا القبيل. اكتفى بالقول إن "بعض القضايا ما زالت عالقة". وخلافاً للعادة، ترك مسألة المدة مفتوحة من دون تحديد، ولو على وجه التقريب، لموعد الجولة اللاحقة للمفاوضات. بدلاً عن ذلك، حمّل ضمناً الإدارة السابقة مسؤولية المأزق الحالي، "لانسحابها من الاتفاق وعجزها عن الوفاء بوعودها باستبداله بآخر أحسن منه".
على هذه الخلفية وبالتزامن مع مراوحة المفاوضات في محطتها الأخيرة، جاء الإعلان المفاجئ عن هدنة حرب اليمن ليحمل على الربط غير المستبعد بين الاثنين، من باب أن الحلحلة في هذه الأخيرة ربما جاءت كتسهيل إيراني يكون ثمنه استجابة أميركية لمطلب الحرس الثوري، وبما يسهل إخراج المفاوضات من مأزقها.
الهدنة اليمنية بشروطها كعملية تدريجية بدت وكأنها مرهونة بعملية مقابلة لها، أي المفاوضات، بحيث تتمكن الإدارة الأميركية من تسويقهما بالتوازي. فهل تصمد الهدنة كبداية لمساومة معقدة ومهددة بالانتكاس؟ الرئيس بايدن رحب بهذا التطور ودعا إلى تفعيله كخطوة على طريق طي الحرب، وربما كمسهِّل لحل عقدة الاتفاق النووي.