يسيطر هدوء حذر على أحياء العاصمة طرابلس، بعد الاشتباكات العنيفة التي شهدتها المدينة يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين بين فصيلين مسلحين تابعين للحكومة مما تسبب بسقوط 55 قتيلاً وأكثر من 146 مصاباً، وعادت بعض المؤسسات التي كانت علقت نشاطها إلى العمل، وسط تساؤلات عن الضمانات التي حصلت عليها السلطات من جانب المجموعات المسلحة بعدم عودة الاشتباكات.
وبالتزامن مع إعلان استئناف حركة الطيران، اليوم الخميس، في مطار معيتيقة بشكل رسمي وعودة الدراسة بجامعة طرابلس، بدأت محال تجارية بمناطق التوتر في الفرناج وعين زاره بفتح أبوابها في مؤشر لعودة الحياة ورجوع الأسر النازحة إلى منازلها.
وكانت مواجهات مسلحة اندلعت بين جهاز الردع و"اللواء 444 قتال" التابعين لحكومة الوحدة الوطنية، مساء الاثنين الماضي، على خلفية اعتقال جهاز الردع لآمر "اللواء 444 قتال"، أثناء وجوده في مطار معيتيقة. وعلى الرغم من إطلاق سراحه، مساء أمس الأربعاء، إلا أن الفصيلين لا يزالان يتمركزان في مواقعهما في حيي الفرناج وعين زاره، فيما بدأت حركة المارة تعود لطبيعتها.
وفي الوقت الذي لايزال فيه المجلس الرئاسي الذي يمثل القائد الأعلى للقوات المسلحة، يلتزم الصمت التام، اكتفت حكومة الوحدة الوطنية ببث كلمة رئيسها، عبد الحميد الدبيبة، التي ألقاها، أمس الأربعاء، أثناء لقائه بعدد من أعيان وحكماء منطقة سوق الجمعة التي ينحدر منها قائدي الفصيلين المتنازعين، العقيد محمود حمزة قائد اللواء 444 والملازم عبد الرؤوف كاره قائد جهاز الردع.
وطالب الدبيبة في كلمته أعيان الجمعة بالتوسط بين طرفي القتال، مهدداً باتخاذ "إجراءات صارمة في حق من لا يمتثل لوقف إطلاق النار"، وقال: "من يتسبب في قتل الناس وإزهاق الأرواح سيكون مسؤولاً".
وفيما أكد الدبيبة، خلال كلمته، أن عودة الحرب "أمر مرفوض"، استدرك بالثناء على قائدي الفصيلين كاره وحمزة، معتبراً أنهما "أصحاب مواقف معه"، واصفاً الخلاف بينهما بـ"غير الصحي".
وكانت الاشتباكات قد توقفت ليل الثلاثاء، بعد توسط عدد من أعيان منطقة سوق الجمعة للعمل بمقترح بادر به رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، مفاده أن يتم تسليم حمزة "إلى جهة محايدة" على أن يتم عرضه على المدعي العسكري للتحقيق معه في تهم نسبها له جهاز الردع، وأن ينسحب طرفا القتال من مواقعهما وتتوقف الاشتباكات، وهو الاتفاق الذي أعلن عنه أعيان سوق الجمعة دون ذكر دور المجلس الرئاسي الذي فضل عدم الإعلان عن أي تدخل منه.
وتعكس كلمة الدبيبة أمام أعيان سوق الجمعة "هشاشة الوضع الأمني من جهة، وعدم سيطرة الدبيبة وكافة القادة السياسيين في طرابلس على قرارات التشكيلات المسلحة من جهة أخرى" وفقا للناشط السياسي مالك هراسة.
وأشار هراسة في حديث لـ"العربي الجديد" الى أن كلمة الدبيبة أُقحمت في سياق مستجدات الوضع ورأى أنها "كلمة مرتجلة وغير متناسقة تحدث بها الدبيبة لأعيان سوق الجمعة مساء أمس الأربعاء، وبعد إطلاق سراح محمود حمزة نُشرت في وقت متأخر من ليل الأربعاء في محاولة لإيهام الرأي العام بأن الحكومة هي جزء من قرار إطلاق سراح حمزة، لكن الكلمة لا توجد فيها أي إشارة إلى ذلك"، وقال: "والسؤال الآن لماذا اعتقل حمزة، ومن أطلق سراحه، وكيف لرئيس حكومة يتولى حقيبة الدفاع أن يتوسل لقيادات اجتماعية بالتدخل وحل فتيل النزاع نهائياً".
وفي الوقت الذي رأى فيه هراسة أن كل البيانات والمواقف وكلمة الدبيبة "لا تشير إلى وجود ضمانات لعدم عودة الحرب"، اعتبر أن سبب اعتقال العقيد حمزة "غير مقنع".
وتابع هراسة أن "من صلاحيات جهاز الردع الضبط والإحضار، لكن في حالة حمزة يجب أن يبلغ وزير الدفاع، الذي هو الدبيبة، والتسلسل يقضي بإبلاغ حمزة من قبل الدبيبة للمثول أمام المدعي العسكري للتحقيق في أي شأن. لكن من الواضح أن حمزة هو الاخر ليس لديه علم بوجود قرار باعتقاله، وإلا لما جاء إلى المطار الواقع تحت سيطرة جهاز الردع ليتم اعتقاله"، مؤكداً أن "الأمر له علاقة بالتنافس على النفوذ، خصوصاً بعد أن نجح حمزة في توسيع رقعة سيطرة قواته وبرز كقائد أمني وعسكري هام في الآونة الأخيرة".
لكن الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي، أحمد العاقل، لا يلقي باللائمة بشكل كامل على السلطات في طرابلس، ورغم أنه يعتبر أن ضعفها حيال قوة المجاميع المسلحة "أمر لا يحتاج لإثبات"، إلا أنه يحمل كافة الأطراف السياسية مسؤولية تغول قوة المجموعات المسلحة واستقلالها بقراراتها.
وتابع العاقل موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد" أن "غياب قوة حكومية فاعلة تحتكر السلاح وتستمد قوتها من مؤسسات سياسية شرعية هو السبب في قوة التشكيلات المسلحة، وعليه فإن مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة مسؤولان أيضاً باعتبارهما يعرقلان الانتخابات التي يجب أن تجدد الشرعية وتنتج حكومة منتخبة يمكنها ان ترفع صوتها في وجه هذه التشكيلات وتعمل على تنظيمها".
ويضيف العاقل: "السبب الآخر هو موقف المجتمع الدولي من هذه التشكيلات وتغولها، ففي الواقع إن المجتمع الدولي يشجعها، وهو ما رأيناه مؤخراً في الحوارات التي أطلقها المبعوث الأممي بين قادة السلاح بل صرح بضرورة مشاركتها في المسار التفاوضي الشامل المقبل واعطائهم دوراً أساسياً في العملية السياسية، وهذا يعني اعترافا بها وبقوتها وقرارها، والكثير من العواصم الإقليمية استضافت قادة السلاح للمشاركة في بعض الحوارات".
وختم العاقل قائلاً: "ربما الأمر الإيجابي الوحيد الذي يمكن استنتاجه من خلال نجاح وساطات الأعيان والقيادات الاجتماعية في نزع فتيل الحرب، هو أن الليبيين يمكنهم الحوار والنجاح بعيداً عن التدخلات الخارجية، ومن الضروري إزاحة كل الاجسام السياسية التي أثبتت فشلها في حل أزمة البلاد طيلة هذه السنوات".