أثارت عملية القدس، أمس الأحد، والتي أسفرت عن مصرع إسرائيلي وإصابة أربعة آخرين، عدا عن استشهاد منفذها فادي أبو شخيدم، مخاوف في دولة الاحتلال الإسرائيلي، من تحولها إلى نقطة فارقة في الأوضاع الأمنية في القدس المحتلة وامتدادها المحتمل إلى الضفة الغربية، خصوصا وأنها بينت وجودا لحركة حماس في القدس، وقدرة الحركة رغم كل ما بذلته دولة الاحتلال في الأعوام الأخيرة، على تنفيذ عمليات داخل القدس.
وبالرغم من أن رئيس حكومة الاحتلال، نفتالي بينت، اكتفى بعد وقوع العملية بإيعاز لقوات الأمن الإسرائيلية بالتأهب واليقظة لمنع وقوع عمليات أخرى، وحديث تأييد وزير الأمن الداخلي، عومر بارليف، عن عدم وجود شواهد أو مخاوف من اتساع الظاهرة، إلا أن جهات أمنية إسرائيلية أبدت أمس مخاوف من عمليات تقليد تحاكي العملية التي نفذها أبو شخيدم.
وأبرز الإعلام الإسرائيلي، أمس، حقيقة أن السلاح الذي استخدم في العملية هو من طراز بيتا نظامي، مصنع في الخارج وبالتالي فإن وصوله إلى القدس هو أمر خطير بحد ذاته، خاصة بعدما كان الإعلام الإسرائيلي ادعى بداية أن السلاح هو بندقية من طراز كارلو الذي يتم تصنيع بنادق منه في مخارط في مناطق في الضفة الغربية، الخاضعة للسلطة الفلسطينية.
تحذيرات من احتمال اشتعال الأوضاع بالقدس والضفة
وقد ذهب عدد من محللي الشؤون العسكرية في الصحف الإسرائيلية، اليوم، إلى التحذير من احتمالات اشتعال الأوضاع في القدس والضفة الغربية، لا سيما في حال اتجهت حكومة الاحتلال برئاسة نفتالي بينت إلى تبني اقتراحات وزير الاتصالات يوعاز هندل بإعادة نصب البوابات الإلكترونية على مداخل الأقصى، ما من شأنه أن تكون له تداعيات خطيرة ليس فقط في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وأن يتكرر رغم ذلك الفشل الإسرائيلي في نصب هذه البوابات كما حدث عام 2017 عندما أصر رئيس حكومة الاحتلال السابق بنيامين نتنياهو على نصب البوابات الإلكترونية خلافا لتقديرات الشاباك، وفق ما حذر منه المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل.
وبحسب هرئيل، فإن حركة حماس تسير على حبل "رفيع"، فهي من جهة تسعى لتأمين تسوية في قطاع غزة، لكنها لا توقف نشاطها وسعيها لزعزعة الاستقرار في الضفة الغربية والقدس المحتلة عبر تنفيذ عمليات ضد الاحتلال، مما يمكنها أيضا من زعزعة سيطرة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، في المناطق الخاضعة لها.
ويرى المحلل العسكري للصحيفة أن الحركة بالرغم من رغبتها بالامتناع عن تصعيد قد يفضي إلى عدوان إسرائيلي إضافي كما حدث في أيار الماضي يضرب إنجازات الحركة، إلا أنه من الممكن أن تقع "حماس" مجددا في إغراء "ضرب الاستقرار" في الضفة الغربية وتثبيت وجودها في القدس، خصوصا في ظل تراجع سيطرة السلطة الفلسطينية في المناطق الخاضعة لها، ولا سيما شمالي الضفة الغربية المحتلة.
صعوبة تحديد خصائص من ينفذ العمليات
في موازاة ذلك، حاول المحلل العسكري في "معاريف"، طال- ليف رام، التخفيف من صحة المخاوف الإسرائيلية، معتمدا على عدم وجود دلائل لموجة جديدة من العمليات.
لكن طال- ليف رام قال إن كل عملية في القدس، ترفع تلقائيا منسوب التوتر والتأهب في المؤسسة الأمنية، رغم أن المعطيات لا تؤشر لارتفاع في العمليات حتى بعد عمليتي القدس، أمس والأربعاء الماضي، لكنها تؤكد أن عمليات في البلدة القديمة من القدس، سواء تمت بسلاح ناري أم سكين، لا ترتبط بالضرورة بأزمة كالتي في حي الشيخ جراح، أو صراع ديني على ما يحدث في المسجد الأقصى وحوله، بل إن البروفايل (معالم شخصية منفذ العملية) الخارج عن المألوف في عملية القدس أمس، رجل دين ومعلم من حركة حماس، يؤكد صعوبة تحديد خصائص من يقرر القيام بعملية فردية استشهادية.
وبحسب محلل "معاريف"، فإن القدس "تبقى كما دائما النقطة المركزية التي يمكن لها أن تشعل الميدان، إذ تواصل حماس باستمرار محاولات إيقاد الحريق القادم"، مبيناً أن المؤسسة الأمنية تخشى أن حركة حماس تمكنت في الأشهر الأخيرة، من تعزيز وجودها وقوتها في الشارع، وتحديدا في كل ما يخص ارتفاع شعبيتها في الشارع الفلسطيني مقابل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالسلطة الفلسطينية، التي تجلت في صعوبتها في فرض سيطرتها وبسط الأمن والقانون في الأراضي الخاضعة لها".
وأضاف في هذا السياق: "هناك من يعتقدون في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن هذه التغييرات العميقة وازدياد قوة حماس في الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية وشرقي القدس تؤشر على بدء مرحلة جديدة، وما يقلق المؤسسة الأمنية هو الصعوبات التي تواجهها السلطة الفلسطينية في بسط سيطرتها وإنفاذ القانون، وهو ما يفسر اللقاءات الأمنية لمسؤولين كبار مع رئيس السلطة الفلسطينية، وبينهم وزير الأمن بني غانتس، ورئيس الشاباك رونين بار".
ولا تَفوت طال- ليف رام الإشارة إلى أن "البلدة القديمة في القدس المحتلة والشطر الشرقي المحتل من القدس عام 67، يخضعان كليا للسيطرة والمسؤولية الإسرائيلية، وبالتالي فإن هذه المنطقة لا تزال تشكل الخاصرة الرخوة، مع نشوء مصاعب أمام المؤسسة الأمنية في إحباط العمليات فيها، خاصة إذا كان منفذوها ممن يحملون البطاقة الزرقاء (وهي بطاقة الهوية التي يحملها المقدسيون كمقيمين دائمين).
ويختتم القول إن "تراجع السلطة الفلسطينية مقابل ازدياد شعبية حماس لا يحمل بشائر جيدة للفترة القادمة، على الرغم من المصالح المشتركة والعلاقات الجيدة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية".
محاكاة العملية
وفي موقع "يديعوت أحرونوت" على الشبكة قال مراسل الشؤون الفلسطينية أليئور ليفي إن حركة حماس رغم إعلانها أمس وتمجيدها للعملية وإقرارها بأن منفذها من أنصار الحركة، إلا أنها لم تعلن مسؤوليتها عن العملية.
ولفت ليفي في هذا السياق إلى أن "حماس" تدرك جيدا الفرق بين أثر عملية، سواء كانت طعناً أو إطلاق نار، في محيط المسجد الأقصى وبين أي عملية أخرى عند حاجز عسكري، وهذا بالضبط ما يثير مخاوف المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من تنفيذ عملية في هذه البقعة الحساسة وإمكانية رفع احتمالات قيام فلسطينيين بمحاولة تقليد العملية، كما حدث بعد العملية التي نفذها مهند حلبي في البلدة القديمة عام 2015 وتنفيذ عشرات العمليات المشابهة خلال أشهر معدودة".
وينضم ليفي إلى هرئيل في تحذير حكومة الاحتلال من الانجرار وراء اقتراحات سياسيين يدعون لتغيير الوضع القائم "الستاتوس كو" في البلدة القديمة من القدس ونصب بوابات إلكترونية، فتجربة الماضي تشير إلى أن مثل هذا الأمر سيثبت فشله مجددا كما حدث عام 2017، أو حتى إحداث تغييرات هامشية، مثل نصب حواجز عند باب العامود في أيار الماضي، فهذا بالضبط ما تريده "حماس" كي تتمكن من محاولة زعزعة الهدوء الهش القائم.