"لا بيروقراطية جمركية مرهقة، لا عمليات تفتيش روتينية، لا حظر على المنتجات الغذائية، لا حدود في البحر الأيرلندي".. هكذا حاول رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك الدفاع عن صفقة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والتي جرى التوافق عليها اليوم في قلعة وندسور بعد 3 سنوات من النزاع حول بروتوكول أيرلندا الشمالية، وبعد أسابيع من المباحثات "الصعبة" التي خاضها مع كافة الأطراف المعنية.
وقال سوناك خلال كلمة توجّه بها إلى أعضاء مجلس العموم، إن هذه الصفقة "تحمي مكانة أيرلندا الشمالية في المملكة المتحدة"، في حين أن البروتوكول بنسخته السابقة "فشل في تحقيق هذا الأمر"، وإن حماية مكانتها تساهم بشكل أساسي في الحفاظ على التوازن الذي تسعى إليه اتفاقية الجمعة العظيمة.
وبعد يوم طويل وحافل بـ"الإنجازات" السياسية، اختار سوناك أن يطلق على الصفقة التي توصل إليها مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، اسم "وثيقة وندسور" وكأنه يريد "نسف" ذلك النزاع الطويل والمرهق حول "بروتوكول أيرلندا الشمالية"، إضافة إلى رغبته بنقل "الحرب" بينه وبين الزعيم السابق بوريس جونسون إلى مستوى آخر.
وكان جونسون قد حشد مؤيّديه من المتشدّدين في "حزب المحافظين" قبل أسبوعين للتمرّد على سوناك وعلى المحادثات التي يجريها مع بروكسل، فيما كانت توقعات معارضي سوناك في غير محلّها، إذ أبدوا ثقتهم بتخلي رئيس الحكومة الذي يصفونه بـ"الضعيف" عن "الالتزامات" التي أعلن عنها بشأن ضرورة التوصل بشكل عاجل إلى اتفاق يطوي 3 سنوات من النزاع حول البروتوكول.
ولم تنتظر وزيرة الداخلية سويلا برافرمان طويلاً، إذ هدّدت بالاستقالة إذا ما تجاهل سوناك مشروع القانون الذي دافع عنه جونسون والذي يتيح للحكومة "تمزيق" أجزاء هامة من البروتوكول. ولم يكتف سوناك اليوم بتجاهل مشروع القانون، بل إن "وثيقة وندسور" تحتوي على بند يؤكد "تعليق مشروع القانون إلى الأبد".
في المقابل، تحتوي الوثيقة على "إسقاط الاتحاد الأوروبي إجراءاته القانونية ضد المملكة المتحدة" والتي كان قد أعلن عنها العام الماضي ردّاً على "عدم امتثالها" للبروتوكول و"خرقها للقانون الدولي".
يبقى أن الحزب الاتحادي الديمقراطي هو مفتاح نجاح "وثيقة وندسور"، و"الإنجاز" التاريخي الذي حقّقه سوناك اليوم لن تكتمل ملامحه إلا بإعلان الحزب الأكثر تأثيراً في أيرلندا الشمالية عن "مباركته" للاتفاق وبالتالي عن رغبته في العودة إلى تقاسم السلطة التنفيذية. لكن زعيم الحزب جيفري دونالدسون، أبدى بعض التحفّظات بعد ساعات قليلة على إعلان الحكومة البريطانية التوصل إلى اتفاق ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
كان لافتاً في الوقت ذاته أن يعلن دونالدسون عن "ترحيب مبدئي" بالتقدم الكبير الذي أحرزته المباحثات إلا أن "القضايا المثيرة للقلق" ما تزال قائمة على حدّ تعبيره، مضيفاً أن حزبه "سيدرس النصّ القانوني قبل التوصل إلى قرار" بهذا الشأن.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن غالبية ناخبي الحزب الديمقراطي الاتحادي لا يرغبون في العودة إلى السلطة التنفيذية ما لم يتم إلغاء البروتوكول تماماً أو على الأقل "تمزيق" أجزاء مهمة منه وإحداث تغييرات جوهرية.
يُذكر أن العديد من أعضاء البرلمان المؤيدين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، رحّبوا بالوثيقة النهائية حيث اعتبر وزير "بريكست" السابق ديفيد ديفيس، أن سوناك "حقق نجاحاً كبيراً في المفاوضات" و"حصل على أفضل صفقة ممكنة". بينما قالت وزيرة الأعمال السابقة أندريا ليدزوم إن "الوثيقة تمثّل تقدّماً هائلاً" مع التذكير بضرورة أن تعترف كل الأطراف في أيرلندا الشمالية بذلك".
من جهته، أعلن زعيم "حزب العمال" المعارض كير ستارمر عن تأييده للوثيقة مع أنها "لم تكن مثالية" على حدّ تعبيره، إلا أن "على الجميع الالتزام بإنجاحها".