استمع إلى الملخص
- "فاغنر" وشركات عسكرية خاصة أخرى دُمجت مع وزارة الدفاع الروسية لتعزيز السيطرة الحكومية، بينما بعض الشركات الصغيرة ظلت مستقلة، مع استمرار "فاغنر" في أعمالها بأفريقيا وآسيا.
- التمرد لم يؤثر على التقدم الروسي في أوكرانيا، وبريغوجين يظل شخصية مثيرة للجدل مع تكريمه بتمثال، ما يعكس اعتراف الدولة بدوره في العمليات العسكرية الخارجية.
في 24 يونيو/ حزيران 2023 سيطرت مجموعة "فاغنر" على مدينة روستوف على نهر الدون، جنوبيّ روسيا، بعد تمرد المجموعة بزعامة يفغيني بريغوجين، قبل احتواء الموقف في مساء اليوم ذاته بوساطة من الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، وفق الرواية الرسمية. وترتبت عن واقعة تمرد "فاغنر" تداعيات خطيرة، لعل أبرزها انتهاء وجود إمبراطورية بريغوجين، وإعادة هيكلة سوق الشركات العسكرية الخاصة الروسية، التي أُخضِعَت للسيطرة شبه الكاملة لوزارة الدفاع بعد استيعاب الكرملين خطورة السماح بترك عشرات الآلاف من المرتزقة المدربين والمدججين بالأسلحة الثقيلة على حريتهم. ومن اللافت أن التوجه نحو "تأميم" أعمال المجموعة والتلميحات بضرورة انتقال جميع أفرادها تحت سيطرة الدولة بدأ بالتبلور حتى قبل تمرد "فاغنر" غير أن أحداث 24 يونيو 2023 عجّلت هذه العملية، وفق الخبير المستقل في شؤون الشركات العسكرية الخاصة، يفغيني بيرسينيف، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن هذه الظاهرة عالمية لا تقتصر على روسيا.
يفغيني بيرسينيف: تجري "فاغنر" اتصالات مع زبائن محتملين في آسيا
إعادة هيكلة "فاغنر" بعد التمرد
وقال بيرسينيف لـ"العربي الجديد": "منذ واقعة تمرد بريغوجين، أُعيدت هيكلة فاغنر وغيرها من الشركات العسكرية الخاصة المؤثرة التي دُمجَت مع وزارة الدفاع الروسية وأُخضِعَت لسيطرتها. ومع ذلك، لم يصل الأمر إلى درجة التأميم الكامل للقطاع، إذ لا تزال بعض الشركات الصغيرة مثل إر إس بي غروب تؤدي دوراً مستقلاً". ولفت إلى أن ظاهرة تعزيز سيطرة الدولة على الشركات العسكرية لم تقتصر على روسيا، مضيفاً: "في الولايات المتحدة مثلاً، أصبحت شركة أكاديمي التي نالت شهرة تحت اسم بلاك ووتر في العراق، جزءاً من تحالف خاضع فعلياً لوزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون)، وهناك توجه عالمي نحو رقابة الدولة على الشركات العسكرية الكبرى والإدراك أنه لا يجب منحها الكثير من الاستقلالية. في روسيا، عجّل تمرد فاغنر الأمر". وحول التغييرات التي طرأت على مهمات "فاغنر" بعد عام على التمرد، أوضح بيرسينيف: "تواصل الشركة أعمالها في أفريقيا بدعم لوجستي من وزارة الدفاع الروسية، وتجري اتصالات مع زبائن محتملين في جنوب شرقي آسيا، ولا تزال الشركة خاضعة للعقوبات الأميركية رغم أنها ليست كياناً مسجلاً يمكن اتخاذ أي إجراءات فعلية بحقه".
أقرّ رئيس النادي الأوراسي للتحليل في موسكو، نيكيتا ميندكوفيتش، بأن تمرد "فاغنر" زعزع استقرار الوضع في روسيا وقت حدوثه، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن الجيش الروسي تمكن من مواصلة العمليات والتقدم في أوكرانيا من دون الشركة العسكرية الأشهر. وأضاف ميندكوفيتش لـ"العربي الجديد" أن "تمرد فاغنر واقعة مؤسفة، إذ أدت طموحات شخصية لشخص بعينه وخلافه مع قيادة وزارة الدفاع إلى زعزعة استقرار الوضع، ما اضطر الدولة إلى تشديد الرقابة على الشركات العسكرية وتركيز أعمالها في أفريقيا ودول مثل النيجر تحت إشراف وزارة الدفاع". وقلل من أهمية المزاعم أن غياب "فاغنر" أثر سلباً في التقدم الروسي في الشرق الأوكراني، مضيفاً: "صحيح أن فاغنر سجلت أداءً نشطاً في أوكرانيا عام 2022، ولكن الآن، تُؤدَّى المهمات كلها في دونباس (يضمّ إقليمي لوغانسك ودونيتسك الأوكرانيين) بواسطة الجيش وإسناد المهمات إليه، وهذه مسألة تكتيكية بامتياز".
قلل نيكيتا ميندكوفيتش من مزاعم أن غياب "فاغنر" أثر سلباً على التقدم الروسي في أوكرانيا
وخلال أول عام من العمليات الروسية في أوكرانيا، تحول بريغوجين من شخصية غامضة إلى أحد أبرز وجوه الحرب، وسط اعتراف الدولة بدوره في النجاحات العسكرية، فأصبح وكأنه شخص فوق القانون، خصوصاً في جولاته على الإصلاحيات لتجنيد المساجين من أجل المشاركة في أعمال القتال. ورغم أن "فاغنر" نالت سمعة الوحدة الأكثر كفاءة في الغزو الروسي لأوكرانيا، إلا أن انتقادات بريغوجين للقيادة العسكرية تطورت إلى حد نشوب خلاف كبير مع وزارة الدفاع وهيئة الأركان العامة، إذ كان يتهم وزير الدفاع السابق سيرغي شويغو ورئيس هيئة الأركان الروسية فاليري غيراسيموف بتعمد قطع الذخيرة عن عناصره المشاركين في اقتحام مدينة باخموت، شرقيّ أوكرانيا، التي تحولت إلى أطلال في نهاية الأمر.
عام على تمرد "فاغنر"
وبعد مرور عام على تمرد "فاغنر" ظلّ بريغوجين من الشخصيات الغامضة والمثيرة للجدل في التاريخ الروسي المعاصر، بين من عدّه مؤسِّساً لجماعة مسلحة خارجة عن القانون ومتمرداً أشهر سلاح مرتزقته في وجه الدولة، وآخرين رأوا فيه شخصية جريئة لم تتردد في فضح ما سكت عنه آخرون من سوء إدارة العمليات القتالية في أوكرانيا والاستهتار بأرواح المقاتلين. وتزامناً مع يوم عيد ميلاده الـ63 في 1 يونيو الحالي، دُشِّن تمثال لبريغوجين فوق قبره بمدفن بروخوروفسكويه في سان بطرسبرغ، وسط ترجيحات بمباركة الدولة للأمر واعتراف الكرملين بسجله الحافل في خدمته في سورية وأوكرانيا وغيرهما من مناطق العالم.