تسبب فوز حركة "امتداد" المدنية الجديدة بعشرة مقاعد في البرلمان العراقي، إلى جانب فوز مدنيين آخرين ترشحوا بشكل منفرد في الانتخابات العراقية التي أجريت يوم الأحد الماضي، بعودة الجدل حول الفائدة التي جنتها القوى المدنية الأخرى، مثل الحزب الشيوعي والتيار المدني و"البيت الوطني"، من مقاطعة الانتخابات. ويرى عراقيون أن المقاطعة الانتخابية أضاعت فرصة تعزيز رصيد القوى المدنية في ظل نقمة الشارع على الأحزاب الإسلامية، رغم دعوة النشطاء في الأشهر الماضية إلى ضرورة المشاركة بالانتخابات، معتبرين أن الكثير من الأصوات ضاعت بسبب خيار المقاطعة الخاطئ. مع العلم أن الانتخابات أدت إلى فوز التيار الصدري وتراجع القوى السياسية الحليفة لإيران ضمن تحالف "الفتح" و"دولة القانون" بصورة كبيرة.
وكشفت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، أن مرحلة ما بعد الانتخابات تشهد خلافات جديدة بين كيانات قاطعتها، تحديداً دخل الحزب الشيوعي الذي روّج للمقاطعة وشجع عليها. وكان الحزب الشيوعي قد قاد، إلى جانب حليفه السياسي الجديد "البيت الوطني" إضافة إلى ناشطين ومتظاهرين برزوا خلال فترة الاحتجاجات، حملة إعلامية واسعة، تخللها النزول إلى الشارع والترويج شعبياً لمقاطعة الانتخابات. وتحجّج الشيوعي بأن المشاركة تمنح الشرعية القانونية والدستورية للحكومة والأحزاب، المتهمة بقتل الناشطين والمتظاهرين خلال فترة الاحتجاجات العراقية في أكتوبر/تشرين الأول 2019، لكن فوز نحو 30 مرشحاً جديداً بين مدني ومستقل داعم لحركة الاحتجاجات، تسبب بحالة من الندم لدى بعض المقاطعين، وفقاً لتعليقات ناشطين عراقيين وصحافيين.
انتقد الشيوعيون قيادة حزبهم بسبب المقاطعة الانتخابية
بدورها، كشفت مصادر سياسية وأخرى من الناشطين العراقيين لـ"العربي الجديد"، أن قيادة الحزب الشيوعي تعرضت إلى انتقادات كثيرة ولوم من قبل الأعضاء، بعد فوز حركات مدنية في الانتخابات ومدى إقبال الناس على التصويت لهم. وهو ما دفع الحزب الشيوعي للتريث في التعليق على النتائج، ولم يظهر في أي موقف رسمي لغاية الآن.
كما أشار مصدر من داخل حركة "البيت الوطني" إلى حصول مشاكل داخلية مماثلة عقب إعلان نتائج الانتخابات، إلا أن قيادة "البيت الوطني" بررت عدم مشاركتها، بأنها لم تكن تريد التنافس إلى جانب "امتداد" في محافظات الجنوب. وأضاف أن خطة "البيت الوطني" تمحورت حول ترك الساحة لمرشحي "امتداد"، بقيادة الناشط البارز في مدينة الناصرية علاء الركابي، الذي حظي بمقعد في البرلمان الجديد مع تسعة آخرين من حركته.
وتحسّر الناشط المدني أحمد حقي على المقاطعة، معتبراً أن المدنيين أضاعوا فرصة في الحصول على ربع مقاعد البرلمان أو حتى أكثر بقليل. وأضاف في حديث مع "العربي الجديد"، أن فوز المدنيين في النجف وكربلاء وواسط وبابل وذي قار، كان يمكن أن يتكرر في بغداد بقوة، لكن المقاطعة تسبّبت بخسارة فرصة مهمة.
ولفت إلى أن الأهم حالياً في هذه المرحلة، هو أن يقدم المدنيون صورة جيدة للشارع العراقي بنموذج يمكن أن يعزز حضورهم في الانتخابات المقبلة (المقررة مبدئياً في عام 2025)، وألا يسمحوا لأنفسهم بالدخول في خانة المحاصصة الطائفية والحزبية بتشكيل الحكومة الجديدة، لأن ذلك سيجعلهم مع الآخرين في مربع واحد، وهو ما يمكن اعتباره خطرا على مستقبل الحراك المدني ككل.
من جهته، شدّد عضو حركة "نازل آخذ حقي"، عمار النعيمي على أن "الكيانات السياسية التي قاطعت الانتخابات تسببت بربح واضح للتيار الصدري، الذي كان المستفيد الأبرز من خيار المقاطعة. وأضرّ هذا الخيار في المقابل، بمسيرة الحراك المدني لتأسيس الدولة الجديدة وللدخول بمشروع الإصلاحات في البلاد". وأكد في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "كثيراً من النشطاء الذين قاطعوا الانتخابات ودعوا إليها باتوا يشعرون بالندم، ومنهم الناشط البارز أحمد آل وشاح الذي أعلن ذلك عبر وسائل إعلامية، وهناك حالة فوضى داخلية داخل البيت الوطني، والحزب الشيوعي".
وانضّم الباحث علي الكرملي، إلى صفوف منتقدي خيار المقاطعة، مشيراً في حديثٍ مع "العربي الجديد" إلى أن "مقاطعة الانتخابات كانت خاطئة وغير مدروسة من قبل بعض الأحزاب المدنية والحزب الشيوعي. واتضح ذلك من خلال النتائج التي أظهرت فوز وجوه جديدة من رحم تظاهرات تشرين ومن المستقلين مع هذه المقاطعة الكبيرة". ورأى أنه "لو كانت المشاركة كبيرة، لشهدنا تغيراً ملحوظاً في عدد المقاعد على حساب الأحزاب التقليدية، كما أن القانون الانتخابي الجديد كان مناسباً للأحزاب المقاطعة والجديدة، لا من جهة الأحزاب المتنفذة، ومع ذلك رفضوا المشاركة تحت ذريعة التزوير والسلاح المنفلت، وهو ما لم نره بهذه الانتخابات".
ورأى الكرملي أن "الطرف المقاطع قد ندم بعض الشيء بعد رؤيته لنتائج الانتخابات، لأنها كانت فرصة مهمة لإحداث نوع من التغيير، خصوصاً وأنها من أنزه الانتخابات بعد عام 2003. كما أن التيار الصدري استغل نقمة الكثير من أبناء الوسط والجنوب تجاه الأحزاب المقربة من إيران، ومقاطعة محتجي تشرين والشيوعي، ما سمح له بالانفراد بهذه الانتخابات، خصوصاً أن جمهوره ثابت ويلتزم بتوجيهاته على الدوام، وهو جمهور عقائدي كبير".
اعتبر البعض أن المقاطعة لم تكن خاطئة في ظل غياب الضمانات الأمنية
وخلال اليومين الماضيين، تداول ناشطون ملف المقاطعة من جديد، وهناك من أكد أن المقاطعة كانت سبباً في تراجع أصوات المدنيين داخل البرلمان الجديد، فيما رأى صحافيون أنه لو شارك المقاطعون وفق تنظيمات واضحة واتفاقات معلنة أمام الشعب العراقي، مع برامج خدمية وبنيوية، لنجحوا في الحصول على 60 مقعداً. وحينها، كان يمكن أن يكون هذا الأمر من إنجازات انتفاضة الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في أكتوبر 2019.
لكن رئيس حزب "المواطنة" غيث التميمي، كان له رأي آخر، معتبراً أن "مقاطعة الانتخابات لم تكن خياراً خاطئاً، بل الخيار الصحيح في ظل عدم وجود أي ضمانات لحماية المرشحين أو الناشطين السياسيين أو أعضاء الأحزاب الجديدة، وفشل الحكومة العراقية بتوفير أي أجواء آمنة لإجراء الانتخابات". وأوضح في حديثٍ مع "العربي الجديد"، بأن "أكثر من 75 في المائة من الناخبين لم يشاركوا في الانتخابات، وهذه نسبة كبيرة وتشكل خسارتها خيبة أمل، لكنها الخيار الوحيد لدى الرافضين للتعامل مع الحكومة الحالية والمليشيات المسيطرة على مواقع مهمة من الدولة، لا سيما بعد أن وصلت إلى مرحلة بالغة الخطورة جراء التضخم المالي والسلاح الذين تملكه". وقال: "إن المقاطعين على صعيد الأفراد غير مطالبين ببرنامج جديد، لكن الأحزاب والكيانات التي توجهت إلى المقاطعة عليها أن تكشف عن خطواتها الجديدة والرؤية السياسية للمرحلة المقبلة، وليس فقط انتظار ما ستؤول إليه الأمور والاتفاقات السياسية".