أثار استهداف سلاح الجو الإسرائيلي محور فيلادلفيا المتاخم للشريط الحدودي بين مصر وقطاع غزة، الأربعاء الماضي، بعدة ضربات، حالة من الجدل الواسع بعدما أكد جيش الاحتلال أنه استهدف بنى تحتية خاصة بحركة حماس في تلك المنطقة، على الرغم من خضوع المحور لاتفاقية ثنائية بين القاهرة وتل أبيب تفرض الحصول على إذن مسبق من الطرف الآخر قبل تنفيذ أية أعمال عسكرية به.
واستغربت مصادر مصرية، أن تكون مثل تلك الخطوة "قد تمت من دون الرجوع إلى مصر والتنسيق بشأنها، خصوصاً أن المسؤولين المصريين، خلال لقاءاتهم بنظرائهم من حكومة الاحتلال الذين توافدوا على القاهرة عبر أكثر من وفد منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، شددوا على ضرورة خلو تلك المنطقة من العمليات العسكرية، بحكم تأثيرها المباشر على الوضع في سيناء".
استغربت مصادر مصرية استهداف إسرائيل للمحور من دون التنسيق مع مصر
وأوضح مصدر مصري مطلع على تحركات القاهرة بشأن وقف العدوان على غزة، لـ"العربي الجديد"، أن "المسؤولين في مصر، رفضوا مطلباً إسرائيلياً بنشر فرق مراقبة إسرائيلية مشتركة خلال الأيام الماضية، أو وجود أي عناصر إسرائيلية ذات مهام أمنية في الجانب المصري، خلال تلك المرحلة من الحرب، والتي تشدد فيها تل أبيب قصفها على مناطق جنوب غزة، وقبلها كانت مصر قد أبلغت إسرائيل وأطرافا داعمة لها احتجاجها على ما أسماه المصدر تجاوز مهام استطلاعية الحدود المصرية بين قطاع غزة وسيناء".
هواجس إسرائيلية في محور فيلادلفيا
ولفت المصدر إلى أن "هناك هواجس لدى الجانب الإسرائيلي، بشأن منطقة شرق رفح الفلسطينية، التي تضمّ مطار غزة القديم، وامتدادها لمحور فيلادلفيا"، قائلاً إنه "على الرغم من أنها منطقة خالية نسبياً ومكشوفة، إلا أن الجانب الإسرائيلي أشار في السياق إلى احتمالات بشأن وجود مخابئ للمقاومة فيها".
وأوضح أن القاهرة "أكدت للمسؤولين في حكومة الاحتلال، أكثر من مرة، أن المنطقة الحدودية المشتركة، تخلو من أي أنفاق تربط بين القطاع وسيناء، منذ أن نفذت مصر عملية واسعة قامت خلالها بهدم كافة الأنفاق وإقامة منطقة عازلة خلال العملية الموسعة في شبه جزيرة سيناء ضد تنظيم ولاية سيناء".
وتابع المصدر: "أمام فشل الجانب الإسرائيلي في التوصل لأي من قيادات حماس البارزين وكذلك الرهائن الإسرائيليين لدى الحركة، خصوصاً بعد عمليته الواسعة في الجنوب وخانيونس، بدأ يشير إلى منطقة محور فيلادلفيا، وسط إشارات لإمكانية وجود أنفاق يمكن أن تهرب من خلالها عناصر حماس إلى سيناء، وهو ما شددت مصر على نفيه تماماً بل وأكدت استحالته".
وبحسب المصدر المصري، فإن "اجتماعاً سابقاً عُقد خلال زيارة رئيس الشاباك رونين بار، إلى مصر، قبل استئناف العمليات العسكرية في 2 ديسمبر/كانون الأول الحالي، تم خلاله طرح هذه المخاوف الإسرائيلية، وهو ما رد عليه المسؤولون المصريون في حينه بأنه إذا وجدت إسرائيل ما تقول إنها أنفاق تستخدمها المقاومة للمرور بين مصر وقطاع غزة، فلتقصفها، في إشارة إلى تأكد القاهرة من خلو تلك المنطقة من البنى التحتية للمقاومة".
وتعليقاً على ذلك، قال أستاذ القانون الدولي العام، محمد محمود مهران، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الهجمات الإسرائيلية المتكررة تُعد انتهاكاً صارخاً لقواعد القانون الدولي"، موضحاً أن إسرائيل "تتحمل بصفتها سلطة الاحتلال، مسؤولية كاملة عن حماية المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويُحظر عليها مهاجمة البنى التحتية المدنية أو تعمّد استهداف الأعيان المدنية أو إحداث دمار واسع النطاق غير مبرر".
واعتبر مهران أن "المحاولات الإسرائيلية تهدف إلى إحداث تغيير ديمغرافي في المنطقة الحدودية"، موضحاً أن "الهدف الرئيسي هو إبعاد الفلسطينيين إلى خارج قطاع غزة، وإخلاء المنطقة من المدنيين الفلسطينيين، لفتح المجال أمام المستوطنات الإسرائيلية وفرض وقائع جديدة على الأرض ترسخ لاحتلال إسرائيل".
من جانبه، اعتبر الناشط السياسي المصري - الفلسطيني، رامي شعث، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "هدف الاحتلال، هو دفع الناس بالقصف والقتل والجوع والمرض، باتجاه الحدود المصرية، في فيلادلفيا عند رفح، ثم القصف في هذا الاتجاه، والسيطرة عليه، وذلك لدفع الناس مرة أخرى، إلى الحدود، فيكون هناك عشرات الآلاف من المواطنين، يموتون من الجوع والقصف والقتل العشوائي، وبالتالي تأتي المطالب الشعبية من الجميع بسرعة إدخال الناس لإنقاذ حياتهم، ويحدث التهجير".
مصدر مصري: مصر أكدت لإسرائيل خلو المحور من أي أنفاق تربط بين غزة وسيناء
وأضاف شعث أن "السماح منذ اللحظة الأولى بحصار غزة، وتسليم المعبر المصري الفلسطيني إلى القرار الإسرائيلي، والذي حدث من قبل المجزرة بنحو 10 سنوات، والمستمر حتى الآن، هو جزء من محاولة تسليم رقبة الشعب الفلسطيني وقدرته على الصمود والمقاومة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي الدفع باتجاه تهجيره".
الإمرة على المحور
ويُعرف محور فيلادلفيا أيضاً باسم محور "صلاح الدين"، وهو عبارة عن شريط أرضي ضيّق بطول 14 كيلومتراً يقع على طول الحدود بين غزة ومصر، ولا يتجاوز عرضه مئات الأمتار.
وكان محور فيلادلفيا عبارة عن منطقة عازلة نصت عليها معاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1979، لكن مع الانسحاب الأحادي للاحتلال من قطاع غزة ومن المحور ومعبر رفح في عام 2005، نقل الإشراف عليهما إلى السلطة الفلسطينية، مع وجود مراقبين من الاتحاد الأوروبي.
وتم التوقيع على اتفاقية المعابر بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية في العام نفسه. وحددت الاتفاقية الشروط والمعايير التي تنظم حركة المرور من وإلى الأراضي الفلسطينية عبر المعابر المختلفة ومنها معبر رفح.
ووقعت إسرائيل مع مصر بروتوكولاً في عام 2005 "لا يلغي أو يعدل اتفاقية السلام"، لكنه يسمح لمصر بنشر عدد من أفراد الأمن على امتداد الحدود مع غزة، غير أن كل ذلك تغير بعد بسط "حماس" سيطرتها على غزة في عام 2007، وبات محور فيلادلفيا خاضعاً لسيطرة كاملة من قطاع غزة.