توقفت حروب اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، بعد أن انكسرت قوة مليشياته في مواجهات جنوب طرابلس، وفرّت يومها، لا تجر أذيال الهزيمة فقط، بل كان ذلك إعلاناً رسمياً للتدخل الخارجي في البلاد، والقضاء على حلم الدولة والسيادة والتداول السلمي على السلطة، الذي كان يحلم به الليبيون.
كان أول ملامح ذلك الإعلان هو الخط الأحمر الذي رسمه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في سرت، وسط شمال البلاد. وإن كانت القوات المصرية يومها غير متواجدة على الأرض لتحمي ذاك الخط، إلا أن المعلوم أن مجموعة "فاغنر" الروسية هي من تمترست في معسكرات الخطوط الأمامية في سرت، لتقيم ذلك الجدار الحامي لكل تحركاتها وتوغلها طيلة السنوات الماضية.
تراجعت معظم القوى المتدخلة في ليبيا وقتها لدعم حفتر وتمكينه من السيطرة على طرابلس، واختلفت سياساتها وفقاً لمصالحها، ولم يبق من تلك التدخلات إلا آثارها الوخيمة على البلاد، ممثلة في مئات المقاتلين المرتزقة، الذين ورط حفتر البلاد بهم، أبرزهم "الجنجويد" و"فاغنر" وغيرهم.
ولم يعد لحفتر سلطة على هؤلاء المرتزقة، وباتوا أمراً واقعاً، وأصبح في إمكانهم التحرك بحرية مطلقة، والتنقل بين المعسكرات والقواعد الليبية في الجنوب ووسط الجنوب، بل وإشعال الحروب في مناطق الجوار وإذكاؤها.
وهؤلاء متهمون بالمشاركة في قتل الرئيس التشادي إدريس ديبي، ومن حينها تعيش تشاد فوضى لم تهدأ. واليوم تبرز تدخلات "فاغنر" في حرب السودان، وربما غداً في منطقة أخرى، وعليه فإن حروب حفتر ضد الليبيين لم تنته.
أصبح الجنوب الليبي المختطف، علاوة على أنه قاعدة ومنطلق لزعزعة استقرار دول الجوار، دافعاً لزيادة حجم التدخل الخارجي. فلن تسكت أطراف تُناصب موسكو، التي تقف وراء "فاغنر"، العداء، ولن تترك لها هذا الفضاء، وعندها ربما تتحقق مخاوف المراقبين التي كانت تحذر من مغبة نقل الصراع من الساحة الأوكرانية إلى فضاءات جديدة، كان أقربها الجنوب الليبي. ومن يمكنه التكهن بما سيترتب على ذلك حينها؟
في الواقع حروب حفتر لم تنتهِ. فكما كان طموحه لحكم البلاد عسكرياً لينهي حلم الديمقراطية في البلاد، كذلك بعد هزيمته وانكساره يفقد الليبيون الأمل في تنفيذ مطلب إخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب من البلاد، فالمعطيات في المنطقة ترجح تزايد أعدادهم، وأقل ما سيترتب على ذلك أن حلم الانتخابات سيتبدد ويتبخر.