قال مصدر مطلع على ملف الاتصالات، التي تجريها مصر مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية، إن "القاهرة نقلت إلى تل أبيب مخاوفها من انهيار الاتفاقات السابقة التي تمت، سواء مع الفصائل الفلسطينية المختلفة، أو تلك التي شهدتها مدينة شرم الشيخ في 19 مارس/آذار الماضي، بسبب إمعان جيش الاحتلال في التنكيل بالفلسطينيين، بما يهدد بتفجير الوضع".
وأضاف المصدر، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "جرائم الاحتلال المتصاعدة ضد الشعب الفلسطيني، أكدت مصير ما سمي بتفاهمات شرم الشيخ وقبلها تفاهمات العقبة (26 فبراير/شباط الماضي) التي تمت بين مصر والولايات المتحدة والأردن والسلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، وأثبتت أنه لم يتحقق شيء على أرض الواقع من تلك التفاهمات".
مع العلم أن القيادة الفلسطينية قررت في اجتماع طارئ عقدته يوم الاثنين الماضي، عشية اليوم الأول للعدوان على جنين، وقف جميع الاتصالات واللقاءات مع الجانب الإسرائيلي، والاستمرار في وقف التنسيق الأمني. كما أكدت أنه "في ظل عدم الالتزام الإسرائيلي بتفاهمات العقبة وشرم الشيخ، تعلن القيادة أن هذه التفاهمات لم يعد لها جدوى ولم تعد قائمة".
الاحتلال لا يلتزم بالتعهدات
وفي السياق، قال المساعد السابق لوزير الخارجية المصري السفير عبد الله الأشعل، لـ"العربي الجديد"، إن إسرائيل "تستخدم الدول العربية التي شاركت في اجتماعي شرم الشيخ والعقبة، أي السلطة الفلسطينية ومصر والأردن، كي تعزز موقفها في اجتياز المرحلة الأخيرة من المشروع الصهيوني، وهو محاولة تهجير الفلسطينيين إلى خارج الأراضي الفلسطينية، وعلى الأغلب إلى مصر والأردن".
الأشعل: دولة الاحتلال لا تلتزم بأي شيء إلا إذا كان يحقق أهدافها للوصول إلى نهاية المشروع الصهيوني
وأضاف الأشعل أن "دولة الاحتلال لا تلتزم بأي شيء إلا إذا كان يحقق أهدافها للوصول إلى نهاية المشروع الصهيوني، لذلك لن يلتزم الجانب الإسرائيلي بأي اجتماعات أو قرارات، ولا أي اتفاقيات يمكن أن تعوّقه عن خطواته".
وحول عدم التزام الاحتلال بأي مما نتج أن اجتماعات العقبة وشرم الشيخ، أوضح أستاذ القانون الدولي العام أيمن سلامة أن "البيانات أو الإعلانات المشتركة، ومثلهما مذكرات التفاهم التي تبرم بين الدول، لا يمكن أن تكون في ذات القوة القانونية الإلزامية للمعاهدات الدولية".
وقال سلامة في حديث لـ"العربي الجديد": "صحيح أن مذكرات التفاهم، مثل التي صدرت في شرم الشيخ في مارس الماضي، تساعد في تنظيم تبادل المعلومات والتعاون بين أطراف هذه التفاهمات، لكنها تأتي في مرتبة أقل من الناحية الإلزامية مقارنة بالمعاهدات الدولية". وتابع: "حين نتحدث عن المعاهدات الدولية الإلزامية النافذة، نتحدث عن أنماط عديدة مثل: المعاهدة، والاتفاقية، والعهد، والنظام الأساسي للمحاكم الدولية، والمواثيق الدولية للمنظمات مثل ميثاق الأمم المتحدة ومنظمة جامعة الدول العربية، والعهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية، وكلها تسميات لمعاهدات إلزامية تختلف عن مذكرات التفاهم المتبادلة بين الدول أو البيانات (السياسية) المشتركة".
وأضاف: "لم تنفذ تفاهمات شرم الشيخ على الأرض بين الدول الأربع، لأنها كانت تتحدث عن مسائل معينة من المفترض أن تلتزم إسرائيل بها تجاه السلطة الفلسطينية، ولكن حينما نفحص هذه التفاهمات نجد أنها لم تنفذ، ومرد ذلك أنها كانت في قالب (غير إلزامي) بالشكل القانوني، مقارنة بالمعاهدات الدولية القابلة للتنفيذ قانوناً".
محاولة فرض أمر واقع
من جهته، قال الباحث المتخصص في العلاقات الدولية والشؤون الأمنية شادي إبراهيم، لـ"العربي الجديد"، إن "اجتماعات العقبة وشرم الشيخ أثبتت أن إسرائيل لن تلتزم بأي عملية تطبيع، وأن عمليات التطبيع التي تسعى إليها هي جزء من فرض أمر واقع أو محاولة لفرض إسرائيل على المجتمعات العربية". واعتبر أن "إسرائيل تواجه مشكلة كبيرة لأن تطبيعها حتى اللحظة منحصر مع الأنظمة، وهي عاجزة تماماً عن تحويل هذا التطبيع إلى تطبيع شعبي، وهذا الأمر هو مكمن التحدي".
ولفت إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو "يواجه صعوبات في الوصول إلى صيغة تفاهمية مع الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه، الوضع الداخلي في إسرائيل يواجه تحديات كبيرة ووصل إلى مرحلة صعبة من الانقسام الشديد". وأضاف أن "استمرار إسرائيل في هذا النهج الذي تتبّعه ضد الشعب الفلسطيني ينذر بأن الأوضاع يمكن أن تتطور بشكل أعنف خلال الفترة المقبلة".
أما أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الهاشمية الأردنية جمال الشلبي فقال لـ"العربي الجديد": "لا أعتقد أن هناك أي اتفاقية قادرة على لجم إسرائيل وأطماعها ورغبتها في إجهاض الحق العربي الفلسطيني منذ كامب ديفيد مروراً بوادي عربة وأوسلو، ولم تلتزم إسرائيل بأي شيء حقيقي لكنها كانت تماطل".
الشلبي: الرغبة الإسرائيلية واضحة وهي إنهاء الملف الفلسطيني بأي شكل بما فيه استخدام القوة الأعنف
وتابع: "أعتقد أن كل هذه المحاولات، سواء على المستوى العربي لدول الجوار أو على مستوى الولايات المتحدة، لن تؤتي ثمارها، لأن الرغبة الإسرائيلية واضحة وصريحة وهي إنهاء الملف الفلسطيني بأي شكل بما فيه استخدام القوة الأعنف".
واعتبر أنه "لا يجب أن نكون سذجاً في الاعتقاد أن الاتصال والتواصل واللقاءات والمؤتمرات التي تحدث هنا أو هناك، سواء في العقبة أو شرم الشيخ أو بئر السبع، لها أي نتيجة حقيقية على الواقع والأرض أو على الرؤية المستقبلية للعلاقة الفلسطينية الإسرائيلية".
وأكد الشلبي أن "التصعيد الإسرائيلي في الأراضي المحتلة لن يكون الأخير، فهناك سياسة واضحة ومنظمة ومبرمجة تستهدف إنهاء الوجود الفلسطيني والرغبة في المطالبة بأي حق متعلق بالدولة الفلسطينية وبناء كيان فلسطيني مستقل، كما نصت عليه جميع قرارات الدولية المتعلقة بهذا الأمر"، متوقعاً أن "التصعيد سيستمر حتى وإن كان هناك ثمن مدفوع من الجانب الإسرائيلي، وأعتقد أن إسرائيل لن تتراجع عن هذه السياسة لأنها غير مرتبطة بشخص بقدر ما هي مرتبطة بمشروع وأيديولوجية وفكر صهيوني واضح المعالم".
وكان البيان الختامي لاجتماع شرم الشيخ، في 19 مارس/آذار الماضي، قد ذكر أن "حكومة إسرائيل والسلطة الوطنية أبدتا الاستعداد والالتزام المشترك بالتحرك بشكل فوري لإنهاء الإجراءات الأحادية لفترة من 3 إلى 6 أشهر. ويتضمن ذلك التزاماً إسرائيليا بوقف مناقشة أي وحدات استيطانية جديدة لمدة 4 أشهر، ووقف إصدار تراخيص لأي نقاط استيطانية لمدة 6 أشهر". وأوضح البيان أن "الجانبين اتفقا على استحداث آلية للحد من والتصدي للعنف والتحريض والتصريحات والتحركات التي قد تتسبب في اشتعال الموقف".