هل بددت أزمة المنطاد الصيني آمال تجديد الثقة بين واشنطن وبكين؟

04 فبراير 2023
أزمة المنطاد تنسف محاولات التقارب الصيني الأميركي (سوزان والش/ اب)
+ الخط -

تصدرت صورة منطاد أبيض عناوين الصحف الأميركية والعالمية، بعد أن أعلن مسؤولون في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أنه منطاد تجسس صيني كان يحلّق فوق ولاية مونتانا متجهاً نحو مواقع أمنية وعسكرية حساسة في الولايات المتحدة.

وعلى وقع ذلك، أرجأت واشنطن زيارة كانت مقررة لوزير خارجيتها، أنتوني بلينكن، إلى بكين يومي الأحد والإثنين، وقالت إن أزمة المنطاد انتكاسة للجهود الأخيرة لوقف تدهور العلاقات الثنائية بين البلدين. من جهتها رفضت بكين الاتهامات الأميركية، وقالت إن المنطاد انحرف بطريق الخطأ عن مساره المخطط له في المجال الجوي الأميركي، وأنه غير مأهول ويستخدم لأغراض مدنية. وذكرت أنه كان يستخدم بشكل أساسي في أبحاث الأرصاد الجوية وانحرف بعيداً عن مساره بسبب الرياح الغربية القوية وقدرته المحدودة على التوجيه الذاتي.

وحول تداعيات أزمة المنطاد وأثرها على العلاقات بين بكين وواشنطن، قال الباحث في "مركز تايبيه للدراسات الدولية"، جين فانغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "إرسال الصين منطاد تجسس إلى الولايات المتحدة عشية زيارة مقررة لوزير الخارجية الأميركي إلى ديارها هو بمثابة المسمار الأخير في نعش العلاقات بين البلدين". واعتبر أن بكين بهذه الخطوة نسفت الأرضية التي كان يمكن البناء عليها في أثناء الزيارة لإعادة ترميم ما تهشم بينهما على مدار العقود الماضية. وأضاف أن تداعيات ذلك لن تكون محدودة وستنعكس على مسار ومستقبل العلاقات في شتى المجالات، خصوصاً أنها بددت، حسب قوله، جميع الآمال في تجديد الثقة وتوثيق حبال الدبلوماسية.

أول تداعيات أزمة المنطاد: تأجيل زيارة بلينكن

من جهته، يرى الأستاذ في معهد "تسيونغ كوان" للأبحاث في هونغ كونغ، تشو يونغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الصين دفعت مبكراً فاتورة أزمة المنطاد، بإعلان الخارجية الأميركية إرجاء زيارة بلينكن، قبل يوم واحد من موعدها. وقال إن "الصين فوتت فرصة تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة في توقيت حساس بالنسبة للبلدين، فالصين تسعى إلى إنعاش اقتصادها المدمر بفعل جائحة كورونا، خصوصاً بعد رفع القيود وإلغاء سياسة صفر كوفيد في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وبالتالي كانت في حاجة إلى زيارة من هذا المستوى لمناقشة سبل تذليل العقبات أمام تعزيز التبادلات بين الجانبين".

وتابع قائلاً: "كان من المهم لواشنطن أيضاً أن تستمع لبكين بشأن العديد من القضايا والملفات، لعل أبرزها: الحرب الروسية الأوكرانية، وكذلك التوترات الأمنية في مضيق تايوان". وأضاف أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن "تشعر بغدر ومكر الحزب الشيوعي بسبب التطورات الأخيرة، وهو أمر من شأنه أن يترك ندوباً ستبقى آثارها لعقود طويلة، وقد يُنظر في المستقبل إلى أزمة المنطاد باعتبارها القشة التي قسمت ظهر البعير، وهشمت جدار الثقة المتصدع أصلاً بين البلدين".

معايير مزدوجة

في تعليقه على أزمة المنطاد، قال الباحث في "معهد لياونينغ للدراسات السياسية"، وانغ تشي يوان، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "من السابق لأوانه الحكم على المنطاد الصيني بأنه سُيّر لأغراض التجسس"، مضيفاً "الادعاءات الأميركية لا تستند إلى أي دلائل مادية، فضلاً عن أن بكين أكدت أن المنطاد يستخدم في مجال الأبحاث والأرصاد الجوية، وقد انحرف عن مساره بفعل دفع الرياح".

وأردف: "لا شك في أن هناك مبالغة مقصودة في تهويل الأمر من جانب الولايات المتحدة، لأنه يخدم استراتيجيتها في احتواء الصين من خلال تغويل كل ما يصدر عنها وتصويره على أنه يمثل تهديداً للمجتمع الدولي. لكن في المقابل، تقوم الولايات المتحدة بأشياء أكثر ضرراً وخطورة على الأمن والاستقرار السلمي ليس فقط في محيطها بل أيضاً في ما وراء البحار"، وفق قوله.

ولفت في هذا الاتجاه إلى زيارة وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن قبل أيام إلى كوريا الجنوبية والفيليبين، معتبراً أن ذلك "بهدف توسيع التمركز الأميركي في جنوب شرق آسيا، إلى جانب الاختراقات الأمنية المتكررة لقواته البحرية في مضيق تايوان". وشدد على أن "أثر ذلك وخطره أكبر من مجرد عبور منطاد خرج عن مساره فوق الأجواء الأميركية".

وأفردت وسائل إعلام رسمية صينية مساحة كبيرة على صدر صفحاتها للحديث عن أزمة المنطاد. وقالت صحيفة "غلوبال تايمز" الحكومية، إن الإشارات الأخيرة التي أرسلتها الولايات المتحدة إلى الصين كانت فوضوية تماماً، مما قد يؤدي إلى مزيد من عدم اليقين في العلاقات الثنائية المتوترة بالفعل. وحثت الولايات المتحدة على أن تكون أكثر صدقاً في إصلاح العلاقات مع الصين بدلاً من القيام بأعمال استفزازية ضدها.

وأضافت الصحيفة أنه "ليس من الغريب ولا النادر رؤية الولايات المتحدة تلعب هذه الحيلة القديمة المتمثلة في ممارسة ضغط شديد على الصين قبل تفاعلات محتملة كبيرة وعالية المستوى، في محاولة لكسب المزيد من أوراق المساومة". لكنها أكدت أن بكين لن تتنازل عن مخاوفها الأساسية وستتخذ إجراءات مضادة ضد الاستفزازات، مع الترحيب بأي تبادلات تتم بحسن نية بين البلدين.

وأصدرت وزارة الخارجية الصينية، اليوم السبت بياناً، قالت فيه إن الوزير وانغ يي، حث الولايات المتحدة على "تجنب سوء التقدير" بعد أن أرجأ بلينكن زيارته إلى بكين بسبب جدل حول المنطاد. وجاء في البيان أن عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي ووزير الخارجية الأسبق، أخبر بلينكن في محادثة هاتفية، أن بلاده دولة مسؤولة ودائماً ما تلتزم بدقة بالقانون الدولي، وأنها لا تقبل أي تكهنات أو دعاية لا أساس لها من الصحة، وأن ما يتعيّن على الطرفين القيام به هو الحفاظ على التركيز، والتواصل في الوقت المناسب، وتجنب الأحكام الخاطئة، وإدارة الاختلافات والتحكم فيها.